قطبي المهدي في إفادات جريئة
من الجيل القديم الذي جاءت به ثورة الإنقاذ، لكنه آثر في نفسه البعاد، والصمت لفترات طويلة طائعاً مختاراً نتيجة جملة من المتغيرات التي طرأت عليها، وتبدلت مواقفها عن كثير من المواقف الأولى، فأظهر خلافاته ووجهة نظره دون خشية، ومن أوائل الذين تبنوا نهجاً إصلاحياً داخل منظومة الحزب الحاكم قبل أن يستفحل الأمر ويصل إلى ما هو عليه الآن، ورغم كل ذلك، لم يقف عن النشاط العام، كما أن قناعاته ما زالت هي قناعاته، وهي التي عبر عنها ميثاق الحزب أو نظامه السياسي، والتي صدرت في بيانات ثورة الإنقاذ ومواقفها التاريخية، ولتشخيص الوضع الراهن من قبل شخصية كانت لها وجهة نظر مغايرة تماماً، «الإنتباهة» جلست إلى أحد رجالات الإنقاذ الأوائل د. قطبي المهدي لتفصيل الحالة التي تمر بها البلاد، فإلى إفاداته:
> كيف تنظر إلى الوضع السياسي الآن؟
< الضغوط الكثيرة التي تواجهها البلاد، سواء كان على المستوى الخارجي والداخلي أسهمت في إحداث قدر كبير من الفوضى في الإدارة العامة للبلد. هذه الفوضى فتحت الباب أمام الفساد والتسيب والإهمال وعدم القدرة على التخطيط والعجز عن معالجة المشكلات، لذلك القضايا الأساسية وصلت مرحلة كارثية لحد ما نجد أن الاقتصاد وصل مرحلة خطرة جداً والتعليم حدث به انهيار كامل رغم التوسع الحاصل، هذا إلى جانب الخدمة المدنية والقطاع الصحي، فكل المشكلات تفاقمت والسبب الضغوط الكثيرة التي حدثت للحكومة وجعلتها غير قادرة أن تجد المناخ الذي تعالج فيه الأمور بطريقة سليمة وأدت إلى تهيئة الجو للفساد الحاصل.
> كيف يمكن الخروج من هذا الوضع؟
< الخروج من هذا الوضع متطلباته كثيرة جداً وقاسية، الوضع كان قبل سنوات قليلة أسهل، لكن نحن انتظرنا حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه وبالتالي لإعادة البناء فهي عملية شاقة وطويلة، تحتاج لتضحيات جبارة وصبر من الصعب أن نقول الشعب السوداني يتميز به، طبيعتنا ملولة، الآن نحن نضيع وقتاً كبيراً جدًا في قضايا ليست ذات أولوية أمام المشكلات الحقيقية التي تواجهها البلد، ومفترض جمع كل القوى والطاقات لمواجهتها بدلاً من نقاش ترفي لحد كبير، وكأنما نحن نعيش في أوربا أو بلد قطعت شوطاً في البناء. وفي تقديري نحن ما زلنا نحتاج إلى حوار من نوع آخر غير الحوار الذي يجري الآن، وهو حوار يتخصص في المشكلات الأساسية بالدرجة الأولى، وليس للمطالب الحزبية بالتحديد، ويتركز الحوار حول المشكلات التي نعاني منها، فالجهات التي لها قدرة في مساهمة تشخيص وحل المشكلات وتقديم رؤى استراتيجية للخروج منها، هي الخبرات الوطنية، وليس حملة الشعارات والهتيفة السياسيين والواقع السياسي تغير في السابق لم يكن لدينا قطاع كبير من الخبراء في كل المجالات، الآن لدينا شريحة كبيرة من المؤهلين من كل القطاعات مع الأسف هذه الشريحة لم تجد الفرصة للإسهام في بناء بلدها، وتُرك الأمر باستمرار للناشطين والسياسيين من الحزبيين.
> الحوار الوطني يركز على انضمام حملة السلاح، هل أصبح الحوار مع حملة السلاح دون التركيز على القضايا والمشكلات الأساسية التي تمر بها البلاد، وهل انضمام الحركات المسلحة إلى الحوار حل القضايا الأساسية؟
< في كثير من القضايا التي ينشغل بها قصد منها صرف الناس عن القضايا الحقيقية ظللنا منذ الاستقلال في حوار مع حملة السلاح سواء كان في الجنوب والمناطق الأخرى، ونتحدث عن حكم انتقالي ودستور انتقالي لا يمكن أكثر من «60» سنة نحن نظل في حلقة مفرغة، وفي الأوضاع الانتقالية لا نستطيع أن نخطو خطوة إلى الأمام، لذلك كل القضايا التي شغلت السياسية السودانية سواء أكان الحوار أو غيره ما هي إلا مشروعات انصرافية قصد منها شغل الاهتمامات السودانية والوطنية بأشياء ليست ذات أولوية حالياً والانصراف عن القضايا الحقيقية.
> هل عودة الممتنعين عن الدخول في الحوار من معارضة مسلحة ومدنية سينهي الأزمة السودانية؟
< أنا لا أعتقد أن حلول المشكلات مرهون بعودة هذه الشخصيات، في السابق كنا مشغولين بجون قرنق وعودته، وكذلك انشغلنا بتحالف أسمرا وهذه حلقات ستستمر إلى يوم القيامة، وحتى لو عاد هؤلاء سيخرج غيرهم، وسنظل مشغولين بمثل هذه القضايا، وكما ذكرت أنها عملية مقصودة لصرفنا عن العمل الحقيقي، وفي تقديري أن عودتهم لا تعني حل المشكلات التي نواجهها، ولا حتى غيابهم عن الساحة لها أثر، ستظل المشكلات هي المشكلات، وتتطلب جهوداً من أبناء السودان المخلصين الذين على استعداد أن يقدموا إسهاماً حقيقياً وفاعلاً من أصحاب الخبرات والكفاءات الوطنيين الذين لا يملكون أية أجندة حزبية أو شخصية.
> أين يكمن حل الأزمة الحقيقي؟
< السياسات الحالية قصارى ما يمكن أن تحققه إذا نجحت، هي أن تحافظ على الأوضاع كما هي عليه الآن قدمنا ميزانية جيدة كل الذي نتوقعه منها ألا يحدث انهيار اقتصادي كان شغلنا الشاغل منذ أن فقدنا البترول وانفصال الجنوب، ألا يحدث انهيار اقتصادي، وكنا سعدين لعدم حدوث ذلك لأنه هدف بالنسبة لأعداء السودان بالخارج، وظلوا ينتظرون لسنوات طويلة أن يحدث انهيار في الدولة السودانية والاقتصاد ورغم كل الحصار والمؤامرات استطعنا بقاء الدولة السودانية، فهل هذا كل ما نطمح إليه بعد «60» عاماً من الاستقلال أن نحافظ فقط على بقاء الدولة السودانية كما هي نفس مستوى التخلف الذي نعيش فيه الآن، هذا يجب ألا يكون الهدف، بل يجب الخروج من دائرة التخلف لأن نصبح دولة متقدمة وهذا طموح واقعي لأن السودان يملك إمكانيات وموارد كافية تمكنه من إحداث نهضة تنموية كبيرة، إذا تمت المقارنة ببعض البلاد التي لا تملك أي موارد حينما كان السودان يتمتع بموارد كثيرة، استطاعت أن تحقق القفز، مثلاً كل دول أوربا الشرقية، كوريا اليابان حتى إيطاليا فهي لا تملك إمكانيات طبيعية، كالتي يمتلكها السودان، ومع ذلك خرجت من دائرة العالم الثالث إلى العالم الأول، في حين أن السودان يصارع من أجل البقاء، كيف حدث لهم ذلك، إنهم تبنوا سياسات واستراتيجيات وطنية، جريئة وراديكالية تطلبت تضحيات كبيرة، وحماسة روحية وطنية جعلتهم يبذلون الغالي والرخيص من أجل وطنهم، من جهد وكفاح وعرق، السودان يحتاج لخطة من هذا النوع.
> هل سنصل إلى هذه المرحلة وكم الزمن الذي تستغرقه؟
< حقيقة لا تتطلب زمناً كثيراً لأن السودان يمتلك الإمكانيات الكاملة، نحن في عصر أصبحت النهضة فيه سهلة بالتقدم التكنولوجي الذي حدث في العالم والعلم الذي تم اكتسابه أصبح من السهل أن تحقق القفز، هذه الأشياء كانت تبدو في الخمسينات كأنها سحر الصناعات الحديثة، الآن لم تعد هذه الأشياء كالسابق، وأي شعب يملك الإرادة السياسية يستطيع أن يملك هذا التقدم. كوريا عندما نال السودان استقلاله كانت تعاني من حرب كوريا التي أدت إلى انقسام كوريا الشمالية والجنوبية، وأدت إلى مجاعات ومعسكرات النازحين واللاجئين، أين الآن كوريا وأين السودان.
> إذن أين المعضلة الأساسية؟
< المعضلة هي انشغال الناس بقضايا انصرافية وعدم الاستعداد للتضحية والتضامن من أجل الوطن.
> إلى أي مدى أنت راضٍ عن النهج الإصلاحي الذي تبنته الحكومة وظلت تنادي به في الفترة الماضية.. وهل ترى أن القضايا هي أقرب إلى الحل أم أنها في تعقيد؟
< كثير من النجاحات التي حدثت لم يتم التركيز عليها، مثلاً في الجيش لديهم شعار الاستفادة من النجاح، وفي حال تحقيق النجاح لا بد أن يبني عليه، نحن نجاحاتنا تمضي دون التوقف عندها على الإطلاق على سبيل المثال ذهاب الرئيس إلى كوستي لافتتاح محطة أم دباكر، تنتج هذه المحطة «500» ميقواط، هذه المحطة حرارية مكلفة، وستغطي منطقة كبيرة، قبلها طريق الإنقاذ الغربي لأول مرة تربط دارفور بطريق قومي، بالأمس مصنع النسيج بالجزيرة صناعة النسيج توقفت في السودان، وكل الجهود التي بذلت فيها لن تنجح بالتالي عدنا إلى الخلف كدولة منتجة للقطن ويتم تصديره خاماً، ورغم الفشل والانهيار الذي حدث في قطاع النسيج امتلكنا الشجاعة مرة أخرى لإعادة المشروع، يمكن كل ذلك أن يمر عادي وينبغي على الدول البناء على هذه النجاحات لكي يتم تعبئة الأمة لتشارك في مشروع قومي يجب رفع معنوياتها وتعزيز الثقة في نفسها لابد من خطط جريئة ومبرمجة، نحن في سنة كذا سنصل إلى نقطة بعينها. أنا في تفكيري ثوري وراديكالي بعض الشيء وهذا ما يخاف منه السودانيون لأن مزاجهم محافظ ومعتدل، وحقيقة لا تحدث نهضة إلا بإحداث ثورة في التفكير بالدرجة الأولى إذا أنت أردت أن تحافظ على وضعك من الانهيار فهذا لا يعني تفكيراً ثورياً، لأنك حددت السقف إذا كانت لديك إرادة وطموح فذا يعني تفكيراً ثورياً، المشكلة في السودان جزء كبير منها ثقافي، والتغيير الثقافي يحتاج ثورة ولا يحدث من غيرها.
واحدة من خلافاتي وإشكالاتي ومن بدري بفتكر أن الإنسان في أوج قوته ونجاحه لا بد له من دراسة المستقبل، فالظروف يحدث لها تبديل وتغيير وكذلك السياسات قد تصبح غير مواكبة، ولذلك من البداية يجب دراسة المستقبل ومعرفة التحديات ومخاطبتها وأنت في أوج القمة لا تنتظر وصول مرحلة الأزمة حتي تصل إلى كارثة.
> هل وصلنا مرحلة الكارثة؟
< أيوه. المشكلات الحالية هي مشكلات كارثية في قطاعات معينة يمكن لم نصلها في الاقتصاد، لكن في كثير من القطاعات كالتعليم كيف تنهض والتعليم منهار. في الصحة كذلك، بعض جوانب الاقتصاد الإنتاجية أهم حاجة تواجه كوارث.
> وأنت داخل منظومة الحزب الحاكم، هل قدمت رؤى ومقترحات للحلول بشأن الأزمة؟
< قاطعني بلهجة حادة، أنا ما داخل منظومة الحزب الحاكم، وبحذرك أن تقولي إنني قيادي في الحزب ولست قيادياً في المؤتمر الوطني.
> هل انسلخت من الحزب؟
< لم انسلخ، ولكن ليست لدي أية وضعية في الحزب، ولا أنتمي لأية مؤسسة من مؤسساته، أنا عضو عادي زي وزي أي زول يؤيد المؤتمر الوطني.
> كنت يوماً من الأيام، قيادياً في الحزب، ما هي الأسباب في أنك لا تمثل تلك الصفة؟
< حاجات كثيرة، نحن جيل قديم وطبيعة الحال ما نكون موجودين.
> هل ابتعدت عن الحزب بإرادتك؟
< أنا ابتعدت من نفسي، ما في زول تحدث معي في أي حاجة، وبعدت لأسباب، السبب الأول مفترض ابتعد بعد كده وإذا عندي إسهام بعملوا بطرق ثانية، لم أقف عن النشاط العام، ثانياً لدي خلافاتي ووجهة نظر مختلفة، بفتكر أن الإنقاذ جاءت كثورة وحققت أشياء كثيرة جداً، بالروح الثورية التي جاءت بها وبعدها الأمور تغيرت.
> هل ضلت الإنقاذ الطريق.. وهل هنالك إمكانية لإصلاح طريقها؟
< نعم ضلت الطريق. وتوجد إمكانية لعودتها إلى طريقها الأول، لكن بطريقة مكلفة وبإرادة أن يدفع ثمن الإصلاح.
> ما الذي يربط قطبي المهدي بالحزب الحاكم؟
< ما يربطني به المبادئ التي قام عليها الحزب، وقامت عليها ثورة الإنقاذ هم نظرياً لم يتراجعوا عنها، لكن عملياً افتكر أنهم ابتعدوا كثيراً جداً، عملية الإصلاح أهميتها أن يتم الإرجاع إلى الموقف الأساسي لأنه انحراف ما زالت قناعتي هي قناعتي، هي التي عبر عنها ميثاق الحزب أو نظامه السياسي، التي صدرت في بيانات ثورة الإنقاذ ومواقفها التاريخية، وما زالت ثقتي كبيرة جدًا في قيادة الدولة خاصة الرئيس البشير، وما زلت بفتكر لا يزال المؤتمر الوطني والرئيس البشير هما الخيار الأفضل للسودانيين على الأقل في الوقت الراهنالانتباهة
ما عارف لية أصبح كل قيادات الكيزان بيتنصلوا من كونهم قيادات ليه ممارسة الهروب من الفشل الحصل ده كلكم شركاء يا قطبى فى الجرم الذى ارتكبتوهوا فى هذا الوطن أو ما تبقى من وطن
لبنى عبدالعزيز اول مرة تقول الانقاذ ضلت الطريق
يعني قيادات المؤتمر حين يكونون داخل المعمعه لا تسمع لهم ركزا ؛ وحين يكونون خارج المعمعة تسمع لهم صراخ من الألم ؛ وحينها يكتشفون المعاناه الحقيقية حينما يصبحون مواطنون عاديون .يشعرون بعظام الامور وجلل القصور والابتعاد من الواقع لذلك بيحصل لهم توهان ويحاولوا تجميع الامر؛ لكن هل ينجح الامر.