قانون التحكيم لسنة 2016م والضرورة اللازمة لإجازته بمرسوم مؤقت..د. مجدي محجوب السليابي المحامي
في الأيام الأخيرة ومنذ إجازة قانون التحكيم الجديد للعام 2016 بموجب مرسوم مؤقت أصدره سعادة رئيس الجمهورية، وظل القانونيين في حراك دائم سواء على مستوى الأفراد والمنتديات، فمنتدى بقاعة الشارقة والذي شرفه عدد هائل من القانونيين بكل قطاعاتهم، قضاة ومستشارون ومحامون وهو منتدى أشرف عليه وبادر به المركز العربي للتحكيم تحت ريادة الأخ الصحابي حسن عبد الحليم والأستاذ الفاضل، وهي بادرة تحمد لهذا المركز الذي قدم ومازال يقدم إشراقاته في تحمل وتدريب الكوادر القانونية، خاصة في مجال التحكيم وتمنح الدبلومات للدارسين كحال المركز السوداني للتوفيق والتحكيم بقيادة الدكتور دريج ذلك العالم الجليل، وكذلك نقابة المحامين أقامت دراسة وأصدرت بياناً موضحة فيه أن قانون التحكيم الجديد أداة هدامة للاستثمار. المهم فإن الاهتمام بقانون التحكيم يسود كل الساحة حيث أن التحكيم قضاء يتميز بالسرعة من إجراءاته وأضحى ملاذاً لكل الأطراف عند نشوء النزاعات بينهم وخاصة المستثمرين وليس ذلك شكاً في القضاء ونزاهته.
والمستثمر بمجرد تشكيل رغبته في أن يستثمر في البلاد، فإنه يسأل هل هنالك قانون تحكيم؟ فإن كانت الإجابة نعم، دخل معاملاته الاستثمارية وإلا فإنه يحجم ويعود الى بلاده.
أهم ما يتميز به قانون التحكيم، إنه لا استئنافات فيه ما عدا دعوى البطلان بشروط معقدة والفصل فيها نهائياً ولا يقبل الاستئنافات، وهناك قوانين كالفرنسي مثلاً يعتبر قرارات هيئة التحكيم نهائية ونافذة ولا مجال لدعوى البطلان. وحتى نتمكن من توفير الثقافة القانونية للقارئ الكريم، سنفتح الباب للمناقشة وهي دعوة لكل الإخوة والأخوات القانونيين بإبداء الرأي والنقد لقانون التحكيم الجديد الذي لم يناقش بعد في المجلس الوطني وموضوع في منضدته بحجة عودة النواب المحترمين من إجازاتهم، فإن أجازوه سيصبح قانوناً بديلاً للقانون 2005 بدلاً عن اعتباره مرسوماً مؤقتاً. عليه نبدأ بأول مقال كتبه الدكتور مجدي السليابي وهو بيد القارئ وقد اجتهد وتناول الموضوع بالتفصيل غير المخل.
مأمون محمد عباس
المستشار القانوني للصحيفة والمحكم والخبير
صدر مرسوم مؤقت من السيد رئيس الجمهورية بموجبه تمت إجازة قانون التحكيم الجديد للعام 2016 بتاريخ 2/2/ 2016، ومن ثم تم عرض ذات القانون للمجلس الوطني حال انعقاده لتتسنى إجازته من عدمها. ولا تثريب إن جزمت وليس جزمي بإثم في أن قانون التحكيم الجديد بكل مآلاته بعد أن تمت إجازته قد حظي بدراسات قانونية متعمقة من أهل الخبرة والاختصاص في حراك قانوني شهدته السوح القانونية، وارتأت مراكز التحكيم وأهل الدربة في ذلك التشاور مع القامات السامية وجهات التشريع لأجل دولة القانون وفق رؤى قانونية مجردة توضع على منضدة البرلمان لتحقيق ملك دولة القانون والعدل بمعناه الواسع من الإنصاف والعدالة وأن يرى الرعية عدالة الراعي في البلاد، ومعلوم قانوناً أن إجازة أي قانون بموجب أمر مؤقت يجب أن تتم تحت ظلال المادة 109 من دستور البلاد والتي نصت (يجوز لرئيس الجمهورية إن لم تكن الهيئة القومية في حالة انعقاد ولأمر عاجل أن يصدر مرسوماً مؤقتاً تكون له قوة القانون النافذ، ومع ذلك يجب عرض المرسوم المؤقت على المجلس المعني للهيئة التشريعية حال انعقادها، فإذا أجازت الهيئة التشريعية المرسوم المؤقت بذات أحكامه فيجب سنه كقانون، أما إذا رفضه المجلس أو انقضت الدورة البرلمانية دون إجازته فيزول دون أثر رجعي). لا مراء قانوناً أن إجازة أي قانون في البلاد وفق السلطة الاستثنائية والجوازية لرئيس الدولة بموجب المراسيم المؤقتة يكون وفق شروط معينة وفي حالات محددة على سبيل الحصر وبعد صدور المرسوم المؤقت يجب أن يتم عرض القانون الصادر بموجب المرسوم للبرلمان لإجازته أو رفضه تحت ظلال المادة 109 وفاءً للقانون. وينبني أن تكون لتلك المراسيم المؤقتة قوة القانون وفق ماهية توفر الشرائط الواردة فيه ولقد دأب الشارع على وضع حالة الضرورة في كل الدساتير ولقد أفصحت دساتير البلاد السابقة والسارية على اعتناق نظرية الضرورة في صلب أحكامها لتمكين السلطة التنفيذية فيما بين الشارع من أدوار حال انعقاد السلطة التشريعية أو غيبتها في مواجهة حالة قاهرة أو ملحة أو ضرورة عاجلة تلجئها للإسراع لأجل إجازة قانون التحكيم الجديد بالقدر الوارد في الوصف القانوني بالنص أعلاه وكل ذلك قد جاء في أتون كل الدساتير السابقة منذ دستور الحكم الذاتي لسنة 1953م، ودستور 1956م، والأوامر الدستورية لسنة 1958 ــ 1964، ودستور السودان المؤقت 1964 تعديل 1965، ثم ذات الدستور تعديل الأعوام 1966، 1967، 1968، ثم الدستور الدائم لسنة 1973م ودستور 1985م، ودستور 1998م، ودستور 2005م الساري ومن رحم المادة 109 جاء المعنى القانوني المعروف والمعرف للضرورة فقهاً وقانوناً وقضاءً.
لقد بات من المسلمات ــ التي تربو على الجدل ــ في قانون التحكيم بعد إجازته أن يتم الاختلاف والائتلاف من أهل الاختصاص لاسيما أن التحكيم هو إحدى الوسائل البديلة والرضائية لتسوية النزاعات برضاء المتداعين وهو من ضلع القضاء الراشد وطبيعي أن ينال هذا القانون تلك الرؤى من أهل الخبرة والاختصاص بعد إجازته بموجب المرسوم المؤقت فكانت مآلات الطبيعة القانونية بكل معانيها محل دراسات متعمقة وشهدت الأروقة القانونية الكثير من النقاش والمحاضرات والورش وأحسب أنني لن أضيف جديداً لأهل الخبرة والاختصاص من القانونيين بمختلف مشاربهم ورجال السلطة الضبطية وأساتذة الجامعات وأهل الكلمة وغيرهم من المهتمين بالتحكيم لما أوردوه من دراسات متعمقة ولكني أحسب نفسي من حواري أولئك الرجال فإن أخطأت فلي أجر الاجتهاد وإن أصبت فلي الأجران وكم وددت أن نتوافق جميعاً بألا أكون متجانفاً قبل طرح رؤيتي في أن نجمع ونحن في دولة الإجماع والحوار على ضرورة عدم إجازة القانون من البرلمان وخضوعه لمزيد من الرؤى لأجل دولة القانون. يتبين من خلال النص أعلاه أنه لإصدار أمر مؤقت لإجازة قانون يجب توافر شرطين:
الشرط الأول: توفر حالة عدم انعقاد الهيئة البرلمانية.
الشرط الثاني: توفر حالة الضرورة وفق معنى الأمر العاجل.
يثور سؤال جوهري قبل اصدار قانون التحكيم والذي خضع لدراسات أولية ومشروع تعديل قانون التحكيم للعام 2005 منذ العام 2015 حتى تاريخ إجازته في غرة العام 2016م ــ ما هو الأمر العاجل الذي طرأ وشهدته الأعيان وفق معيار الرجل العادي والغياب بمعناه الحقيقي للبرلمان حتى يتم إصدار القانون بموجب المرسوم المؤقت عند عدم انعقاد الهيئة التشريعية ومن ثم وضعه على منضدة الإجازة أو الرفض.
غني عن الذكر أن البرلمان ربما تكون هنالك حالة استحالة لانعقاده وهي التي أوردها الشارع بكل معانيها والتي تتطلب الغياب الحقيقي والفعلي للبرلمان بموجب أمر طبيعي أو غير طبيعي بما يعرف بحالة استحالة انعقاد جلسة برلمانية أو تشريعية لنظر القانوني، ففي مثل هذه الحالة الوحيدة يتم إعمال المادة 109 من الدستور وإصدار المراسيم المؤقتة التي بموجبها تتم إجازة القوانين، ولكنني أرى أنه في تاريخ إجازة مشروع قانون التحكيم في 2/2/ 2016 كان المجلس في حالة إجازة عادية ويمكن دعوته للانعقاد لمثل هذه الحالات والأمر ليس بالمستحيل إن تمت الدعوة إليه لاسيما أن ذات المشروع قد عرض على البرلمان وتركت مناقشته لما بعد العطلة الثانية أي أن الحالة الواردة في الشرط الأول ربما كما يحلو للأخافش الثلاثة وصفها بأنها لن تنطبق على هذه الحالة.
وحيث أن الأوضاع الشكلية للنصوص التشريعية المتعلقة بالشروط التي يفرضها الدستور لمباشرة الاختصاص باصدارها في حالة غيبة البرلمان ــ حال انعقاده ــ يجب أن تتوفر وفق المنظور الوارد في المادة 109 من الدستور. أما في ما يتعلق بالشرط الثاني وهو حالة الضرورة وفق النص وكل السرد للدساتير المتعاقبة في ماهية الضرورة والأمر العاجل التي أوردها واضع التشريع السوداني في صلب المادة 109 أعلاه وذلك لأجل تمكين السلطة التنفيذية ــ فيما تختص به من أدوار ــ عند انعقاد السلطة التشريعية أو غيبتها فالحالة القاهرة والملحة التي سبق أن أوردناها لم تتوفر ولا توجد أية حالة ضرورة لاستصدار مرسوم مؤقت لإجازة قانون التحكيم في الأحوال الطبيعية لأن ذلك هو أساس القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة وتتبوأ الصدارة بين قواعد النظام التي يجب إعمالها حال توفر الضرورة التي يجب احترامها قانوناً والعمل بموجبها وفق اسمى القواعد الآمرة وأحقيتها بالنزول لأحكام العدل بقدر عدالة الإنسان خليفة المولى ومحور خلقه في دنياه.
يتضح من كل ذلك، أن ما تختص به السلطة التشريعية وتباشره وفق الدستور، مناط بها في إطار الوظيفة الأصلية والأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها هذه الوظيفة التي اختصها الدستور لأهل الدربة لإقامة العدل وعدم التداخل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وفق مبدأ الفصل بين السلطة، والأمل معقود على هيئة التشريع عند طرح قانون التحكيم لسنة 2016 ومناقشته بضرورة إحكام نص المادة 109 أعلاه ونصوص الدستور ولوائح البرلمان ويجب على أهل الخبرة أن ينقلوا تلك الأوراق والورش الى منصات الهيئة التشريعية وهم أهل الخبرة والدربة في مثل هذه الحالات التي تتطلب إجازة أو عدم إجازة قانون التحكيم لسنة 2016 وفق الرعية للبرلمان ورضاء فرقاء النزاع لتسوية منازعاتهم وفق قانونهم التحكيمي الخاص وإعمالاً للشرائط التي قتلناها بحثاً في هذا المقال، وحسب النطاق القانوني ولا يعدو أن يكون استثناء المرسوم المؤقت من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية إلا في حالة التدابير العاجلة وفق ما أفهمنا له الدستور والقانون وأهل التشريع، لاسيما أن قانون التحكيم الجديد منذ مرحلة تكوينه مروراً بلجانه المختصة والتي أخضعته للمناقشة لأجل تعديل قانون التحكيم لسنة 2005 بمشروع قانون التحكيم لسنة 2015 وعندما طغى أمر التعديل على مواد القانون السابق تم طرح مشروع قانون التحكيم الجديد بكل مآلاته وتمت إجازته في بواكير العام 2016 وفي كل تلك الحقبة الزمنية لم تتوفر حالة الضرورة الواردة في القانون. بل لم تتعطل أروقة التحكيم عن نظر كل القضايا التحكيمية بموجب التحكيم الوطني أو التحكيم الأجنبي وفق القانون الساري آنذاك ومازالت أمام المنازعات الرضائية أمام الهيئات التحكيمية التي تترى علينا وفق إرث تحكيمي ثر ووفق رؤى قانونية رشيدة، ولا مندوحة من القول بانتفاء حالة الضرورة التي تسوغ إصدار المرسوم المؤقت لقانون التحكيم وكل كلماتي انصبت في انطباق المادة أعلاه من عدمها ولنا عودة للغور في أتون قانون التحكيم لسنة 2016م بإيجابياته وسلبياته لاسيما أن هنالك جدلاً قد ثار في ما يتعلق بانتهائية أو عدم انتهائية حكم التحكيم وفق ما جاء في قانون التحكيم الجديد الأمر الذي يفرغ التحكيم من معناه.
آخر كلماتي إن أصبت فلله الحمد والأجر وإن لم أوفق فإنه شيطان يراعي ربما يكون متجانفاً مع لغة الضاد والحقيقة في بعض الأحايين وأحمد الله القهار، مقلب القلوب والأبصار، عالم الجهر والأسرار، والدعوات للجميع أن تنجينا من عذاب النار ونسأل المولى الهداية.
الانتباهة