صينية الغداء … غابت فأصيبت الأسر بحالة انعدام الوزن المجتمعي
شاي الصباح والمغرب، (جبنة العصر)، وجبة الفطور، الغداء، العشاء، كل ما سبق ذكره هي تجمعات الغرب الظاهر منها هو الاكل والشرب لاستمرارية العيش، اما المعنى المراد منها في كافة المجتمعات فهو خلق اجواء من الحميمية وسط الاهل والاصدقاء لمناقشة مواضيعهم الحساسة وغير الحساسة داخل اطار أي من التجمعات السابقة ففي الماضي كانت الأم تفتح مواضيع ابناءها اثناء تناولهم للوجبات ويبدأ الاب في تقريع من يستحق التأنيب ويُشيد بمن يستحق الثناء، كما يمرر الابناء اجندة طلباتهم لأولياء أمورهم خلال هذه الجلسات ويتناقشون حول الممكن واللامعقول منها.
(بعض الوظائف تحرم الفرد من كثير من التجمعات والمناسبات الاسرية والاجتماعية) هكذا بدأ محمد الفاضل –طبيب- حديثه ومضى قائلا: أنا بحكم عملي في المجال الطبي غالبا ما اقضي اليوم واليومين خارج المنزل لان نظام عملنا يعتمد على الورديات وحتى عندما اعود للمنزل اكون منهكا والقي بجسدي على السرير كجثة هامدة رغبة مني في الدخول في سبات نوم، يعوض جسدي تعب الساعات الطوال، وكثيرا ما اداوم في مركزين في ذات الوقت ما يجعل من مهمة تواجدي داخل المنزل شبة مستحيلة عدا يوم واحد في الأسبوع وعلى احسن الأحوال يومين لذا كثيرا ما افوت مناسبات اسرتي الصغيرة بالاضافة الي انني بت لا اعرف كثيرا من الاشياء عنهم الا بمحض الصدفة.
(الأزمات الاقتصادية المتواترة دفعت الآباء للهث خارج المنزل طول النهار وبعض الليل بحثا وراء لقمة عيش حلال تقيهم سؤال الناس)، هذا كان رأي الهادي دفع الله، سائق ورب اسرة ومضى في حديثه هذا اللهث تسبب في حدوث نوع من الجفاء الاسري غير المقصود بين الاب والابناء ما جعلني لا اقابلهم كثيرا الا ما تيسر ومن جانب آخر حمل زوجتي فوق طاقتها ما دفعها لتحمل عبء الابناء وحدها في غيابي لكنها توافيني بالمستجدات اولا باول، ورغم ذلك نحن نحاول ايجاد متسع للمناسبات الاجتماعية كي لا نُقصر في حق الاهل فليس هنالك أفضل من التواصل الاسري وصلة الارحام لكن (العيشة جبارة).
(الله يستر على الجيل الجاي) بهذه العبارة ابتدرت حاجة فاطمة مجذوب حديثها واسترسلت قائلة: الوجبات الاسرية ليست مجرد وجبات غذائية لتماسك الجسد، وانما الهدف منها اجتماع افراد المنزل في جلسة حميمية، ولعمق وقداسة الطعام يقول الناس (انا الزول ده اكلت معاهو ملح وملاح) فلا استطيع ان افعل به أي فعل مشين، وفي لماضي كان الاباء والابناء يتخذونها جلسات حوارية وتأديبية في ذات الوقت وحتى ان تشاجر اخوان فان تواجدهما يوميا على ذات المائدة كفيل باذابة جليد الغضب، ودون ان يشعرا سيتحدثان مع بعضهما واضافت حاجة فاطمة انها تفتقد جمعة شاي المغرب وبررت ذلك بقولها: كان بمثابة جلسة سمر عائلية واجتماعية يدعو فيها الاباء اصدقاءهم وكانت تتم فيها كثير من جلسات الصُلح وتقارب وجهات النظر.
عزت الباحثة الاجتماعية ثريا ابراهيم غياب ثقافات التجمعات الاسرية التي كانت لزمن قريب شبة يومية الي الكم الهائل من القضايا الاجتماعية النفسية والاقتصادية وحتى السياسية التي تضغط على الفرد بصورة مباشرة وغير مباشرة بحكم تشابكها والتقائها في نقطة ان كل ما سبق ذكره يؤثر على حياة افراد المجتمع واستطردت الاستاذة قائلة: العلة الاساسية لا تكمن في الوجبات فالبعض يكتفي بوجبتين في اليوم لضيق ذات اليد، لكنهم يكونون قريبين من مشاكل واهتمامات بعضهم البعض فقط حرمتهم الضائقة الاقتصادية من تواجدهم سوياً لاكبر وقت ممكن فقد انصرف الناس للركض في ماراثون كسب العيش، وهذا يوضح ان المشكلة الاساسية في اغترابهم الاسري اقتصادية بحته اما من يعيشون في نفس المنزل، تجمعهم نفس الجدران ويتشاركون في كثير من الاحيان نفس الملابس ولا يعرفون ما يدور داخل البيت ولا يجدون متسعاً لبعضهم فقد يكون في ذلك السبب الطفرة الالكترونية متمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي التي ادمنها الجميع وهناك اباء يهتمون باصدقاء الفيسبوك اكثر من ابنائهم وامهات (ما فاضيات من المزرعة السعيدة) والوجبة بالتالي تكون سندوتشات يأكلها كل فرد على حدة.
صحيفة حكايات