سد النهضة ..استفادة السودان
التقى أربعة علماء أجلاء في منتدى رفيع أمه حضور نوعي متخصص في مجال مصادر المياه، وذلك في منتصف نهار يوم الثلاثاء 29 مارس 2016 في النادي الدبلوماسي الفاخر.. الندوة كانت عن سد النهضة الأثيوبي العظيم بعنوان (أهمية سد النهضة الأثيوبي في حوض النيل الشرقي)، والتي دعا لها مركز البحوث الهيدروليكية بالتعاون مع السفارة الأثيوبية بالخرطوم، والعلماء الأجلاء كانوا من اثيوبيا دكتور يلما سيلشي عضو اللجنة الفنية المتخصص في علوم المياه ومصادرها، والدكتور ألياسي لاوي من جامعة اديس أبابا والمتخصص في علوم الزلازل والبراكين وتحركات التربة، ومن السودان بروفيسور سيف الدين حمد وزير الري السابق، والبروفيسور ياسر عباس محمد مدير المركز.. ما لفت الأنظار أن كل متحدث من الأربعة علماء قدم ورقته من لاب توب عبر بروجكتر في شاشة كبيرة، وكل ورقة كانت تحمل جداول ورسومات بيانية، وصور أقمار صناعية، ونماذج هندسية علمية، تعضد كل ما أوردته أية ورقة من أوراقهم.
تحدث العلماء خاصة الأثيوبيين بثقة مدهشة دون تلعثم، وأدار الجلسة الأولى البروفيسور عبد الله عبد السلام بحكمة وحنكة وديمقراطية راقية، بالرغم من تحفظه على بعض المسائل الفنية عن قيام السد وآثاره البيئية السالبة على السودان، وأدار الجلسة الثانية- جلسة النقاش بروفيسور عكود الأستاذ المتمكن في علوم هيدروليكا المياه في جامعة الخرطوم.. أدار جلسىة النقاش بصبر وأدب كبيرين في مواجهة الاعتراضات العنيفة والمداخلات العفوية من جانب بروفيسور عبد الله عبد السلام، والمهندس مستشار حيدر يوسف الخبير في الري لفترة طويلة في السودان، تحدث في البداية بروفيسور سيف الدين موضحاً أنهم في اللجنة الفنية يتابعون مع الجانب الأثيوبي كل صغيرة وكبيرة تخص السد، وأنهم قاموا بتعديلات كبيرة في السد، وتحديد مواقع جديدة وزيادة عرض السد.. الأمر الذي أضاف تكلفة للجانب الأثيوبي قرابة المليار دولار، وأضاف أن السودان لا يملك بقعة في المنطقة أفضل من موقع السد لتخزين مياه النيل الأزرق.. وحدد سعة بحيرة السد بحوالي أربعة وسبعين مليار متر مكعب، هي تقريباً نصف سعة بحيرة السد العالي، وأن كل الآثار السالبة البيئية والاجتماعية من نزوح وفقدان أراضي زراعية في الجانب الأثيوبي، عكس السد العالي وبحيرته بسعة مائة اثنين وستين مليار متر مكعب التي تركت آثاراً بيئية واجتماعية سالبة في الأراضي السودانية دون تعويض مجزٍ، وأوضح أن ارتفاع الأراضي في الهضبة الأثيوبية- منبع مياه النيل الأزرق- تبلغ حوالي 1800 متر والسودان حوالي 800 متر- وأن الانحدار 1.7 متر- وأنه لا توجد في السودان الآن سدوداً للتخزين في بداية النيل الأزرق خلاف خزان الرصيرص، الذي تبلغ سعة بحيرته حوالي ستة مليارات متر مكعب، وسنار حوالي اثنين مليار متر مكعب فقط مقارنة بتخزين 72 مليار متر مكعب على حدود السودان الشرقية، وبداية النيل الأزرق في دخول السودان.. وأشار أيضاً الى أن 85% من مياه النيل الأزرق تأتي في ثلاثة أشهر، مما يجعل موقف السودان المائي خطراً في حالتي الفيضان غير العادي، كما حدث في 1988 أو الجفاف وقلة مياه النيل الأزرق كما حدث في العام الماضي، والذي قلل كثيراً من مساحات زراعة الجروف التي تعتمد على الفيضان وانحساره، مما اضطر المزارعون لاستعمال الطلمبات ولكن بعد قيام السد ستكون مياه نهر النيل الأزرق بنفس كميتها حوالي 70 مليار متر مكعب في العام موزعة في منسوب واحد طوال العام دون فيضان مدمر أو جفاف مزعج.. تحدث بروفيسور ياسر عبر بروجكتر يشمل صوراً بالأقمار ورسوماً بيانية ونماذج هندسية أكدت أن قيام السد ينظم عملية تدفق المياه طوال العام، وزيادة الرقعة الزراعية في الجروف، وتقليل نحر ضفاف النيل، وعدم التأثير في كميات الطمي المطلوبة في الزراعة.
الدكتور الأثيوبي يلما سيلشي تحدث عن سلامة التصميم الهندسي للسد وعرضه على جهات استشارية عالمية، وتعديل في الردمية ونوعيتها بناء على ملاحظة المستشارين، مؤكداً قدرات وخبرات شركة ساليني الايطالية المنفذة، مضيفاً أن الأموال التي يدفعها الشعب الأثيوبي في شكل سندات ادخار أو قروض عالمية عزيزة جداً وصعبة المنال، لذلك لا يمكن أن تفكر الحكومة الأثيوبية في إهدار خمسة مليارات من الدولارات في مشروع فاشل أو معرض لمخاطر، وأضاف أن السد عند اكتماله وتوليد الطاقة الكهربائية القصوى (6000 ميغاواط) سوف يدر دخلاً لأثيوبيا يعادل اثنين مليون يورو يومياً- أي أكثر من مليار دولار في العام.
ثم تحدث د. الياس لاوي من جامعة أديس وخبير في التربة والزلازل والبراكين، وأوضح عبر صور أقمار صناعية من معاهد بحوث امريكية وأوروبية أن أقرب منطقة زلازل في العالم تبعد ألف كيلو متر من موقع السد، وأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن منطقة السد أرض ثابتة، وأكد أن تصميم السد بالرغم من ذلك وضع في الحسبان احتمالات لهزات أرضية.
عليه مما تقدم نخلص الى الآتي:
أولاً تصميم السد سليم من الناحية الهندسية، وأنه في أرض ثابتة ولا توجد بها براكين أو زلازل ومخاطر انهيار السد بفعل فاعل واردة على كل السدود في العالم.
ثانياً: السد يفيد السودان بتوفير كميات المياه السنوية المعلومة (70 مليار متر مكعب) في مستوى واحد طوال 12 شهراً، خلاف ما يحدث قبل اكتمال السد من توفر كميات المياه نفسها في 3 أشهر فقط، وأن السودان لن يتعرض لفيضان غير عادي يُسبب خسائر مادية، أو يتعرض الى جفاف غير عادي يُسبب نقصاً في مساحات الزراعة في حوض النيل.
ثالثاً: السد يمد السودان بطاقة كهربائية نظيفة صديقة للبيئة، وبسعر تفضيلي مجز يمكن أن تبلغ الطاقة للسودان من اثيوبيا أكثر من الفين ميغاواط، وهو ما يعادل طاقة خزان مروي، وكجبار، دال، وأعالي عطبرة وستيت.
رابعاً: فترة التخزين الحرجة للسد لا تؤثر على السودان أو مصر، لأن السودان الآن- وكما قال البروفيسور سيف- لا يستغل عشرة مليارات متر مكعب من المياه في العام، بسبب تدني الزراعة في المشاريع المختلفة، وأنه وحسب الاتفاق اثيوبيا عند اكتمال السد تحتاج لتخزين سنوي أقل من عشرة مليارات متر مكعب.
خامساً: كل الآثار البيئية والاجتماعية السالبة في الجانب الأثيوبي، والسد لا يقلل من حصة مصر، ولا يقلل من التوليد الكهربائي لمصر، إذ أن التوليد المائي في مصر من السد العالي يبلغ 12% فقط من جملة التوليد الكهربائي في مصر (14 من 121 بليون كيلواط ساعة في 2010)، وأي نقص محتمل في قيام سد النهضة على كهرباء السد العالي سيكون أثره ضئيلاً جداً حوالي 3% من جملة الطاقة الكهربائية المصرية، إذا افترضنا أن سد النهضة يؤثر بنسبة 25% من طاقة السد العالي.
تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة