الشيخ “حسن “الترابي” في (شاهد على العصر) بقناة الجزيرة (الحلقة الثانية – الجزء الثانى)
{ “أحمد منصور”: “عبود” وعد حينما استولى على السلطة في العام 1958 أن يبقى لمدة وجيزة وأن يعيد السلطة إلى الشعب ولكنه بقي إلى العام 1964.. حكم باثني عشر ضابطاً ثم خفضهم إلى ستة وبقيت السلطة تحت قبضته وقبضتهم إلى العام 1964؟
– الشيخ “الترابي”: “عبود” في جنوب السودان.. سألتني بالمناسبة عن الجنوب، هو الذي طرد القسس الأجانب ولم يتعرض إلى الكنيسة وحرية الدين المسيحي والتبشير، ولكنه طردهم تماماً وبدأ يفتح المساجد وبدأت هنالك الحمية الدينية عالمياً.
{ “أحمد منصور”: ضده
– الشيخ “الترابي”: نعم، والخوف من السودان هذا، طبعاً المهدية كانت خطراً إسلامياً على السودان له تسعة جيران، إذا انتشر الإسلام أو انتشرت العروبة في السودان، معنى ذلك أنها ستمتد في تسع دول من الجوار الأفريقي، إذا استثنينا مصر وليبيا، عربية يعني.
{ “أحمد منصور”: ما أسباب تركيز أمريكا والغرب طوال العقود الماضية على السودان وجنوب السودان؟
– الشيخ “الترابي”: هو هذا، أن السودان بلد عربي أفريقي، لوناً وعجمة ولغة ولساناً، وثانياً تسعة جيران، والجيرة ليست فيها حواجز من الجبال أو البحار، بل نفس الشعب بنفس اللون بنفس التقاطيع بنفس اللهجات.
{ “أحمد منصور”: إذا انتشرت العربية والدين.
– الشيخ “الترابي”: وهذا هو الذي جرى أيام الإنقاذ هذه طبعاً، انتشر الدين وانتشرت العربية، والعربية لأول مرة في السودان تصبح قومية في هذا العهد، حتى عهد “عبود” والذي تلاه والذي تلاه شمال السودان ما كان يتحدث العربية.
{ “أحمد منصور”: شمال السودان.
– الشيخ “الترابي”: نوبية إلا المثقفين. دارفور، كثير من القبائل لا تتحدث العربية إلا علماؤها ورجال الدين فيها، في الشرق كان كثير من السواد واسع يتحدث البجاوية، أما الجنوب فيتحدث لغات كثيرة إلا جوبا العاصمة فيها نسميها “عربية جوبا”، وفيها لكنة مشهورة يعني، مشهورة “عربية جوبا” تسمى.
{ “أحمد منصور”: يعني الهدف هنا كان هو الحاجز.. أن يظل الإسلام والعروبة محصورة في هذا البلد؟
– الشيخ “الترابي”: عند استقلال السودان كانت العربية نحو (40%).
{ “أحمد منصور”: فقط؟ والآن؟
– الشيخ “الترابي”: الآن كل السودان يتكلم العربية جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً.
{ “أحمد منصور”: والخوف من أن يخرج إلى الجيران الثمانية؟
– الشيخ “الترابي”: وخرج، الإسلام خرج إلى أفريقيا طبعاً، اللغات تحمل الرسالات، والعالم الآن كله الاشتراكية، وكل الأفكار الآن تنتشر، فالغربيون يخشون أن هذا البلد الذي يسمى السودان، إذا امتلأ عروبة أو امتلأ إسلاماً يمكن أن يفيض على مناطق بالنسبة لهم حساسة.
{ “أحمد منصور”: من أهمها؟
– الشيخ “الترابي”: إثيوبيا مثلاً، بلد مسيحية قبل الإسلام، والإسلام فيها أصبح هو السواد الأعظم في السكان.
{ “أحمد منصور”: في إثيوبيا؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، نعم، واللغة أصولها من ذات أصول اللغة العربية أصلاً، بيسر يمكن أن يتحدثوا العربية، والحدود واسعة جداً، كذلك غرب أفريقيا تشاد بعضها يتكلم اللغة العربية، فقط لغة أم ومسلمون، شمالهم وجنوبهم ليس بمسلم لكن ينتشر فيه الإسلام، وهكذا يعني، والشرق الأفريقي السواحلي لغة أفريقية، ولكن غلبت عليها اللغة العربية وسمتها سواحلية من تلقاء الجنوب، فالسودان يبنى على أصول قديمة، فيمكن أن يمتد على كل هذه المناطق، وفيها ثروات هائلة ومناطق مستقبلاً الأسواق و….
{ “أحمد منصور”: بكر؟
– الشيخ “الترابي”: نعم.
{ “أحمد منصور”: في كل شيء؟
– الشيخ “الترابي”: نعم.
{ “أحمد منصور”: وهذا الذي يجعلنا الآن نفهم سر الاهتمام بالجنوب وفصله عن شمال السودان؟
– الشيخ “الترابي”: ودارفور أيضاً، ودارفور أيضاً.
{ “أحمد منصور”: في العام 1959 سافرت إلى باريس وتحديداً إلى جامعة (استن بورن) للحصول على درجة الدكتوراه في القانون.. دراستك للماجستير في لندن بالإنجليزية ودراستك في المراحل السابقة كانت بالإنجليزية.. لماذا قررت الاستمرار في دراسة الدكتوراه بلغة أخرى هي الفرنسية؟
– الشيخ “الترابي”: حدثتك أن نشأتي أولاً كانت ممتدة في السودان، ما كانت منحصرة محلياً، وثانياً ثقافتي ما كانت تقليدية وحسب، حتى آخر عمري أتوب إلى الله وأتعلم العلوم الحديثة ولا كنت متعلماً تعليماً غربياً فقط، أو العكس، ولكن اتحدت في نفسي العلوم، ومنذ بريطانيا بدأ المد العالمي يتسع في نفسي، وكان الإصرار شديداً وكان عسيراً عليّ جداً لأن الجامعة كلها يسيطر عليه البريطانيون، أن أخرج إلى فرنسا، ثقافة أخرى لها علاقات مع عالم عربي آخر.
{ “أحمد منصور”: كانت لك أهداف أخرى غير الدراسة؟
– الشيخ “الترابي”: طبعاً كثير، الحضارة وصراعات بين الدين والسياسة فيها وكانت أحد وأشد وأبلغ كتابة، البريطانيون، كان انتقالاً بطيئاً ومتدرجاً وما تزال الملكة رئيسة الكنيسة وما يزال رجال الدين أعضاء في مجلس الشيوخ أو اللوردات.
{ “أحمد منصور”: فرنسا الوضع مختلف؟
– الشيخ “الترابي”: أه طبعاً، هنالك..
{ “أحمد منصور”: حتى التاريخ مختلف؟
– الشيخ “الترابي”: نعم، فأردت أن أدرس التجارب الحضارية، وطبعاً العرب دخلوا فرنسا من قبل.
{ “أحمد منصور”: وقفوا على أسوار باريس
– الشيخ “الترابي”: والتحام فرنسا مع العرب كان حاداً جداً في الجزائر وفي دمشق، وثانياً اللغات لاتينية، “اللاتيني” كان هو اللغة الغالبة في العالم، واللغة الإنجليزية مأخوذة من إنجليزي قديم قليل جداً.
{ “أحمد منصور”: يعني الأمريكان هم الذين لعبوا دوراً كبيراً جداً في قوة اللغة الإنجليزية عالمياً بعد الحرب العالمية؟
– الشيخ “الترابي”: طبعاً، طبعاً، اللغة الألمانية أصلاً والإنجليزية قليلة وشيئاً من اللاتينية، لكن الأمريكان هم الذين بسطوا، طبعاً البريطانيون نفسهم كانوا حكام العالم، الهند وأستراليا.
{ “أحمد منصور”: ولكن حينما انكفأوا على أنفسهم بعد الحرب العالمية الثانية الأمريكيون هم الذين حملوا اللغة ونشروها.
– الشيخ “الترابي”: طبعاً، طبعاً، القانون كله والدبلوماسية كانت باللغة الفرنسية كما تعلم وإلى الآن تحمل الكلمات الفرنسية.
{ “أحمد منصور”: كانت رسالتك التي اخترتها حول حالات الطوارئ في الفقه الدستوري.. لماذا اخترت هذا الموضوع؟
– الشيخ “الترابي”: طبعاً لأنني أعلم بلدي والبلاد حولي، دائماً فيها طوارئ.
{ “أحمد منصور”: ما هي النماذج التطبيقية التي اخترتها؟
– الشيخ “الترابي”: طبعاً جربت الحرب في فرنسا وفي بريطانيا وفي أمريكا ماذا فعلت بالحريات؟ كيف بحجة الضروريات زحفت السلطة نحوها وحاصرتها جداً، حاصرتها جداً حصاراً شديداً، تجارياً والبشرية والمساواة وكل شيء يعني وحاصرت الاقتصاد كذلك، حتى التموين في بريطانيا لأنها محاصرة بريطانيا بغواصات ألمانيا، فأردت دراسات المقارنة هذه أن تأتيني فرصة، حتى الأزمات الاقتصادية والأزمات الأمنية و…
{ “أحمد منصور”: وهي حالات تطبق إلى اليوم.
– الشيخ “الترابي”: إلى اليوم دائماً حالة طوارئ، حالة طوارئ.
{ “أحمد منصور”: نعم.
– الشيخ “الترابي”: فأردت أن أهيئ نفسي لهذا الأمر، ودرست ولكن صوبت نحو الدين والسياسة.
{ “أحمد منصور”: كيف؟
– الشيخ “الترابي”: طبعاً أنت تعرف أن الشهادة هذا شيء، الورقة التي تقدمها، هنالك دبلومة عليا فركزت فيها على الدين والسياسة وتاريخ فرنسا وتاريخ المسلمين وتاريخ تركيا بالذات وتاريخ اليهود بين السياسة والدين، حتى تكون ثقافتي في تجربة الإنسان كله في العالم القديم.
{ “أحمد منصور”: معنى ذلك أن فترة إقامتك في فرنسا كانت نقلة أخرى بالنسبة لك؟
– الشيخ “الترابي”: نفعتني جداً، والله أقول لك الحق، الورقة كانت من أقل كسبي.
{ “أحمد منصور”: اللي هي الدكتوراه نفسها؟
– الشيخ “الترابي”: نعم.
{ “أحمد منصور”: ما هي الأشياء الأخرى التي اكتسبتها؟
– الشيخ “الترابي”: أولاً لغة أخرى، ثانياً أقمنا جمعيات دينية أيضاً طبعاً بإذن من مجلس الوزراء في فرنسا، الأمور متعثرة شيئاً ما، اتصالات مع جنيف مركز إسلامي هنالك وبريطانيا أسافر وآتي مع الحركات الإسلامية كلها، والمسلمون الأوربيون وغيرهم ومع الأفارقة والعرب والآسيويين والفرنسيين أكثر انفتاحاً من البريطانيين، تدخل على مجتمعهم فتعرفه بعيبه وبعلله وبمزاياه وفضائله، الثقافة عامة الفرنسية منفتحة وبريطانيا شعب منغلق، منغلق جداً، من العسير عليك أن تخترقه وتخترق آفاقه.
{ “أحمد منصور”: أحببت اللغة الفرنسية؟
– الشيخ “الترابي”: طبعاً حبي للغة العربية الأصل، هو الأصل، هو الذي حببني في اللغة الإنجليزية، على الرغم من أنني في التعليم قفزت سنة كاملة لكن كنت خيراً من غيري، لأنني أحب اللغات، في الثانوي قفزت سنة كاملة وجئت أول كل الشهادة الثانوية العامة يعني، مع أنني امتحنت ثلاث سنوات بدلاً عن أربع سنوات في الثانوي، وبعد ذلك دخلت في الفرنسية منذ أن كنت في بريطانيا وبدأت أقرأ فرنسية، ورابعاً لما دخلت السجن بدأت الألمانية وقرأت عشرات الكتب.
{ “أحمد منصور”: يعني تتقن الألمانية؟
– الشيخ “الترابي”: أتقن الألمانية لكنني ما تحدثتها كثيراً، لكن عشرات الكتب من أعلى الفكر.
{ “أحمد منصور”: قرأتها؟
– الشيخ “الترابي”: لأنني كنت أجد كتباً مترجمة عن الدين وعن التاريخ وعن القانون بالألمانية، فقلت أقرأها بالأصل، فحب اللغة الذي صرفني في أول الأمر بين الطب و…
{ “أحمد منصور”: وأي هذه اللغات بدون تحيز للغة العربية وجدتها لغة غنية ثرية تمكنك من البلاغة والفصاحة والدقة؟
– الشيخ “الترابي”: اللغة لا أهلها، لا تقارن لي الأهل، قارن لي اللغة.
{ “أحمد منصور”: أنا أسالك عن اللغة؟
– الشيخ “الترابي”: هم أسوأ الناس أهلاً ولكن هي خير اللغات، اللغة العربية يا أخي، وجدت جذراً واحداً للفعل يمكن أن ينصرف ثلاثين فعلاً، لا للماضي ولا المستقبل، لكن طريقة الفعل، الفاعل ثمانية المصدر عدة، الهيئات الجلسة وهكذا، وتخرج من جذر واحد عشرات مئات الكلمات أحياناً حسب اتساع عقلك، إذا اتسع عقلك يمكن أن تستخرج أنت من اللغة العربية كلمات باشتقاقاتها.
{ “أحمد منصور”: نعم.
– الشيخ “الترابي”: وتوسع حسب عقلك، إذا ضاق بالطبع تختصر الكلمات على ما هو قليل، وطريقة تركيب الجمل ليس مثلها شيء، درجات التأكيد لا تبلغها لغة أخرى.
{ “أحمد منصور”: يا سلام.
– الشيخ “الترابي”: وإذا تقدم الظرف في أول اللغة إذا أردت أن تركز عليه أو المبتدأ أو الفعل إذا أردت أو الحال إذا أردت.
{ “أحمد منصور”: وكل هذا لا يحتاج إلى خبرة كبيرة في اللغة تمارسها وتستمع بها.
– الشيخ “الترابي”: المقارنة هي التي تدرك بها ميزة بلد على بلد أو فرد على فرد آخر، إذا قارنت.
{ “أحمد منصور”: معنى ذلك أن أهل العربية لا يعرفون قيمتها؟
– الشيخ “الترابي”: لا حول ولا قوة إلا بالله، الفرنسيون طبعاً أشد الناس حماساً للغتهم.
{ “أحمد منصور”: كل اللغات أنا قابلت عالم تاريخ لغات وعلوم قال لي لن تنهض أمة بغير لغتها ومعنى ذلك أن العرب لن يعودوا للنهوض من دون لغتهم.
– الشيخ “الترابي”: لذلك نحن الآن لما تمكنت سلطة لنا بها صلة، عرّبنا السودان أولاً، لا بالسلطة، ولكن بالمد هكذا شمالاً نحو مصر وصلنا مصر عبر النوبة وشرقاً وغرباً والجنوب كله تعرب.
{ “أحمد منصور”: ولم يأخذ وقتاً طويلاً؟
– الشيخ “الترابي”: لم يأخذ وقتاً طويلاً وكل العلوم العربية من الذي عربها؟ لا أساتذة اللغة العربية لأن مستواهم كان مثل أهلهم، لكن أساتذة هندسة درسوا اللغة العربية في بيوتهم وكانوا شديدي الحمية لها.
{ “أحمد منصور”: لذلك مجامع اللغة تضم الكل أطباء ومهندسين و…
– الشيخ “الترابي”: كل الطب والهندسة والزراعة، كلها تدرس بالعربية الآن في السودان، وحاولنا ذلك أن نقارنه مع بلاد عربية حتى نتعاون، ولكن البلاد المستعربة كاليمن مثلاً تعسر عليها ذلك، العربية العاربة المستعربة الشام وحدها، لأنها عربت من الترك بعد الحرب الأولى لأنهم طبعاً خرجوا من تركيا فعربوا الأتراك، أما أن تعرب من الفرنسية والإنجليزية كان عسيراً على كل البلاد العربية ذلك.
المجهر
هذا العجوز اصيب اخر ايامه بمرض الزهايمر..حلقات هزيلة علي عكس المتوقع..و كان يلف و يدور كعادته دائماً ..لم يريحنا و هو حي و لن يريحنا و هو ميت ..