لماذا فاتن حمامة أعظم ممثلة في تاريخ السينما المصرية؟
في نهاية التسعينيات، صدرت قائمة بأفضل 100 فيلم مصري من قبل النقاد، كان لفاتن حمامة 8 منها، كأكبر عدد من الأفلام لفنانة، ولذلك اختاروها كـ”أهم ممثلة مصرية في القرن”. ولكن في الحقيقة أن تلك الأفلام الثمانية ليست السبب الأهم للنظر إلى فاتن حمامة كأهم ممثلة مصرية، فهناك منظور آخر يتعلق بأنها الوحيدة التي استطاعت أن تعيش وتتعامل مع 4 أجيال و10 مخرجين عظماء في تاريخ السينما المصرية، وأن تغيّر جلدها وطبيعة الأدوار التي تقوم بأدائها مع مرور السنين، وتترك بصمة أو أكثر لا تنسى في كل مرحلة.
العصر الذهبي (الخمسينيات والستينيات)
في ذلك الوقت كانت السينما المصرية تبحث عن أيقوناتها على نمط هوليوود، هند رستم مثلاً كانت رمزاً للإغراء (كمارلين مونرو)، سعاد حسني رمزاً للحركة والخفة، نادية لطفي هي الشقراء الجميلة، وغيرهن، أما فاتن حمامة فقد كانت أحياناً هي الفتاة البريئة والأنيقة، وأحياناً أخرى هي (السيدة)، ذلك الخليط من أودري هيبورن وإنغريد بيرغمان وكاثرين هيبورن.
لذلك تنوعت أفلامها جداً في تلك الفترة. كانت الممثلة الأولى، في عشرات الأفلام الناجحة، ولكن ما جعلها تعيش فعلاً هي حرصها على خوض مغامرات مع مخرجين جدد وتجارب سينمائية مختلفة وطموحة صارت في ما بعد من أهم الأفلام المصرية. ومن الملفت فعلاً أنه لا يوجد مخرج مصري مهم لم تتعامل معه فاتن حمامة في تلك المرحلة.
في وقت مبكر كان التعاون مع المخرج المصري الذي درس في أميركا يوسف شاهين في “بابا أمين” (1950)، ثم “ابن النيل” (1951)، و”المهرج الكبير” (1952) والأهم كلاسيكية “صراع في الوادي” (1954)، ولاحقاً “صراع في الميناء” (1957). لاحقاً تعاونت مع المخرج الشاب الذي يحاول صنع أفلام إثارة وغموض، أي كمال الشيخ، فكانت بطلة لـ”المنزل رقم 13″ (1952) و”الليلة الأخيرة” (1963). ومع الشاب الآخر الذي يقدم شكلاً ثورياً للأفلام الكوميدية، فطين عبد الوهاب، كانت بطلة لـ”الأستاذة فاطمة” (1952).
عملها مع صلاح أبو سيف (رمز الواقعية في هذا الوقت)، كان بشكل مختلف كبطلة لـ”لا أنام” (1957) و”لا وقت للحب” (1963). لهنري بركات كانت الفتاة التي تكتشف نفسها في واحد من أفضل الأفلام النسوية المصرية في “الباب المفتوح” (1963)، ثم “الفلاحة البطلة” (في تجربة طموحة وشكل مختلف تماماً عن أدوارها الأسبق)، وفي “الحرام” (1965). ومع عز الدين ذو الفقار (زوجها لفترة)، كانت بطلة لعدد مهم من الأفلام الكلاسيكية الرومانسية على رأسها “بين الأطلال” (1959) و”نهر الحب” (1960).
هؤلاء الستة كانوا مخرجي السينما المصرية الأهم وقتها، وكل فيلم من هذه الأفلام ليس فقط حقق نجاحاً في وقت صدوره، ولكن الأهم أنه عاش طويلاً في تاريخ السينما، لتكون صاحبة الحصة الأهم من الأفلام القوية في العصر الذهبي.
ومع نهاية الستينيات، وبسبب اختلافات سياسية مع السلطة، هاجرت للبنان، انقطعت مسيرتها لـ4 سنوات، وحين عادت لم تعد “فتاة”، أدركت بذكائها أنه لم يعد مقبولاً أن تقدم هذا الدور، فصارت تقدم أدواراً مختلفة، مع جيل آخر من المخرجين، بتغيير كامل لجلدها ونمط اختياراتها.
السبعينيات والقضايا الكبيرة والتواجد المحدود
ترنحت السينما المصرية كثيراً في السبعينيات، انقطع إنتاج الدولة للأفلام، قل الإنتاج، واتجه أغلب المخرجين لتجارب تجارية، ولكن مع ذلك ظلت فاتن حمامة تحاول، في مرحلة جديدة من مسيرتها، أن تقدم أفلاماً قيّمة.
نتاج تلك الفترة كان أفلاماً من قبيل “إمبراطورية ميم” (1972)، مع المخرج حسين كمال، التجربة الاجتماعية عن الأسرة والتناول المختلف للعلاقة بين أم وأولادها، لاحقاً كان هناك “أريد حلاً” (1975)، مع المخرج سعيد مرزوق، كفيلم نسوي آخر يحمل قضية لها علاقة بقانون الطلاق في المحاكم المصرية، واعتبر الفيلم من أهم الأفلام في تلك المرحلة مع مخرج قوي ومميّز وبرؤية سينمائية مميزة مثل “مرزوق”، الذي تعاونت معه لاحقاً في “حكاية ورا كل باب” (1979).
وبالمجمل لم تقدم خلال وقت مترنح في السينما مثل السبعينيات إلا 6 أفلام فقط، لأنها أدركت ضرورة الاختيار بحكمة، وأنها لم تعد نجمة الشاشة كذي قبل، ولكنها الممثلة الكبيرة التي يجب أن تختار بدقة، ولذلك كانت أغلب أفلامها مهمة.
جيل الواقعية الجديدة
من أكبر المميّزات الواضحة في فاتن حمامة هي المرونة والحكمة والقدرة على اختيار المناسب، وتجلى ذلك في قدرتها على التعاون مع هذا الجيل الجديد والثوري في السينما المصرية الذي ظهر مع نهاية السبعينيات، فحتى إن ظلت تقدم أفلاماً بنكهة كلاسيكية مع مخرج مثل هنري بركات، كـ”أفواه وأرانب” (1977) و”لا عزاء للسيدات” (1979) و”ليلة القبض على فاطمة” (1984)، إلا أنها خرجت بعيداً عن دوائر أمنها، فقررت التعاون مع المخرج خيري بشارة في فيلمه “يوم مر ويوم حلو” (1988)، مقدمة شخصية أرملة فقيرة من شبرا تحاول تربية أبنائها الخمسة، وبذلت فيه مجهوداً كبيراً لتناسب رؤية مخرج شاب وجديد يرغب الواقعية والتصوير في الشارع والأماكن الحقيقية بشكل لم تعتده من قبل.
أما آخر أفلامها على الإطلاق فكان مع رمز آخر لجيل الواقعية وهو داوود عبد السيد، في فيلم “أرض الأحلام” (1993)، وأظهرت فيه المرونة نفسها، أن تؤدي دور جدة، وأن يكون دوراً كوميدياً، وأن تصور كثيراً في الشارع وفي تجربة غرائبية أكثر تجريبية من أي فيلم آخر لها، مع الكثير من الشغف والرغبة في صنع أفلام جيدة مع رموز كل جيل من المخرجين.
ولكل هذه الأسباب، وللقائمة الطويلة من الأفلام العظيمة التي ذكرت هنا، مع 10 مخرجين أصحاب رؤى وبصمة فنية، مع أجيال وحكايات وطبيعة أدوار مختلفة، كفتاة وكسيدة وكأم وكجدة، كان لفاتن حمامة أن تعيش طويلاً رغم رحيلها، وأن نحتفل بعيد ميلادها الخامس والثمانين رغم الغياب، وأن نذكرها كـ”أعظم ممثلة مصرية”، لأنها الوحيدة التي استطاعت أن تستمر بتلك القوة طوال 5 عقود أو يزيد.
العربي الجديد
الصورة ماهي فاتن حمامة
دي سعاد حسني !!!