سياسية

القرارات الدولية.. فلسفتها.. أهدافها والتعامل معها

فلسفة قرارات الأمم المتحدة تعود الى محتوى ومضمون ميثاق الأمم المتحدة.. هذا المحتوى والمضمون كانت وراءهما آثار الحروب على البشرية خاصة الحرب العالمية الأولى والثانية.. الحرب العالمية الأولى بدأت وتركزت في أوروبا في 28 يوليو 1914، واستمرت حتى 11 نوفمبر 1918، شارك فيها أكثر من 70 مليون فرد عسكري- 60 مليون منهم أوربيين مات في هذه الحرب الطويلة 9 ملايين عسكري، و7 ملايين مدني، وكان طرفا الحرب الحلفاء وهم- فرنسا، وانجلترا، وروسيا (التي تحولت الى الطرف الثاني بعد 1917)، وأمريكا وايطاليا والطرف الآخر هم قوى وسط أوروبا وضمت المانيا، والنمسا، والمجر، والامبراطورية العثمانية، وبلغاريا.. كانت شرارة الحرب إغتيال ولي عهد النمسا الدوق فردناند على يد مواطن يوغسلافي في سراييفو في 28 يونيو 1914. أدت الحرب الى انهيار أربع امبراطوريات هي الألمانية، والروسية، والنمساوية والعثمانية، والامبراطورية الروسية (القياصرة) انهارت على يد الثورة البلشفية الشيوعية في مارس 1917 مما أدى الى تحول الاتحاد السوفييتي (روسيا) الى حلف وسط أوروبا بعد ان كانت من الحلفاء من 1914-1917.

أدت الحرب العالمية الأولى الى إعادة رسم خارطة أوروبا وإنشاء عصبة الأمم في 10 يناير 1920 وكان مقر رئاستها في جنيف..
الحرب العالمية الثانية 1939-1945 كانت بين قوتي الحلفاء والمحور- قادة ودول الحلفاء كانوا جوزيف ستالين (روسيا)، روزفلت (أمريكا)، تشرشل (انجلترا)، تشاي كاي شيك (الصين).. والمحور بقيادة هتلر (المانيا)، هيرو هيتو (اليابان) وموسليني (ايطاليا)، حصيلة الحرب موت 16 مليون عسكري و45 مليون مدني من الحلفاء و8 ملايين عسكري و4 ملايين مدني من دول المحور.. استعملت في الحرب لأول وآخر مرة القنبلة الذرية، بواسطة أمريكا في هيروشيما ونجازاكي باليابان أيام 6 و9 أغسطس 1945 قتل في الحال 129 ألف ياباني، ومات الملايين من اليابانيين فيما بعد بسبب آثار القنابل الممتدة حتى اليوم. شارك في الحرب العالمية الثانية ما يزيد عن مائة مليون فرد عسكري من ثلاثين دولة.. تم في الحرب تدمير كافة المنشآت الصناعية الأوروبية وموت أكثر من 60 (ستين) مليون شخص وفيها تم القتل الجماعي والإبادة، مثل قتل هتلر لأكثر من 11 مليون يهودي في محرقة (الهولوكوست) الشهيرة- لذلك تم إنشاء الأمم المتحدة في 24 أكتوبر 1945 بعضوية 51، دولة والآن 193.. آثار الحرب المدمرة أدت الى أن يكون ميثاقها منصباً في جوهره على بسط الأمن والسلم الدوليين، وحماية حقوق الإنسان ومراعاة النواحي الإنسانية واعتبار الجرائم ضد البشرية مثل القتل الجماعي، الإبادة العرقية، والقتل المنظم جرائم جسيمة- لذلك تدرج دائماً تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح في مادته (41) التي تفرض عقوبات منها وقف الصلات الإقتصادية، والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية، والبريدية، والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياًوقطع العلاقات الدبلوماسية وإن رأى مجلس الأمن أن التدابير في المادة (41) لا تفي بالغرض يجوز له وفقاً للمادة (42) أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين لإعادته لنصابه.
لذلك عند التعامل مع قرارات مجلس الأمن يجب أولاً إبعاد نظرية المؤامرة التي كثيراً ما تحجب الدوافع والأهداف الحقيقية من إصدار القرار وتبعد متخذي القرار في أية دولة من جوهر القرار وخطورته.
ثانياً يجب عدم الاستهانة بأي قرار يصدر تحت الفصل السابع بل يجب التعامل معه بكل جدية ودراسة وتمحيص من متخصصين في الشؤون الدولية واحترام وجهة نظرهم مهما كانت مخالفة أومتشائمة ويجب أيضاً عدم الركون الى أن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن مكررة أو غير ذات فعالية- سياسة مجلس الأمن في إصدار القرارات هي وضع مسوغ قانوني دولي لا يُهمل أو يُنسى بل يكون تغطية قانونية دولية لأي فعل وتدخل عسكري مباشر في وقت تحدده آليات وتقارير مندوبيها في الدولة المعنية، ويبدأ عادة بعقوبات وحظر طيران عسكري يضعف قوة تلك الدولة كما حدث في العراق، وليبيا.
ثالثاً: يجب عدم الإعتماد الكامل على روسيا والصين في استعمال حق النقض (الفيتو)، إذ أن القرارت الدولية عندما تركز على النواحي الإنسانية ومعاناة المدنيين ونزوحهم تجعل الدولتين في موقف صعب وحرج لاستعمال الفيتو إضافة الى مراعاة مصالحهما مع امريكا وأوروبا- فمثلاً صادرات الصين الى أمريكا عام 2015 كانت 386 بليون دولار ووارداتها من أمريكا في نفس العام 130 بليون دولار- أي حجم التبادل بينهما كان في 2015 يساوي 516 بليون دولار- أين هذا الرقم من حجم تبادل بين السودان والصين عام 2015 الذي لم يتجاوز اثنين بليون دولار.. روسيا الآن تحت عقوبات اقتصادية أمريكية أوروبية أدت الى خفض معدل نموها من 1.3% عام 2013 الى سالب 3.9% عام 2015- علماً بأن هناك اتفاق جنتلمان بين هذه الدول الكبرى على عدم المساس بعلاقاتهم بسب طرف ثالث مهما كانت الأسباب.. لذلك رأينا أن كل القرارت الخطيرة على السودان تحت الفصل السابع صدرت بيسر في امتناع عن التصويت من روسيا والصين، أو موافقة صريحة كما حدث من روسيا في القرار 1593 الذي أحال مشكلة دارفور الى المحكمة الجنائية.
لكل ما تقدم نوصي بالآتي بكل تجرد وروح وطنية عالية:
أولاً: يجب على كافة أجهزة الدولةعدم الإستخفاف بكل القرارت السابقة واللاحقة تحت الفصل السابع أو الإستهانة بها إذ يعني بلغة ما يسمى الشرعية الدولية الإعداد لاتخاذ خطوات خطيرة وفق المادتين (41) و(42) من الفصل السابع.
ثانياً: ينبغي إنشاء ثلاث مجموعات عمل وطنية متخصصة بقيادة وزارة الخارجية ومشاركة وزارة العدل والدفاع وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وشخصيات مختارة تمثل المجتمع المدني هي: فريق عمل قرارت مجلس الأمن، فريق عمل العقوبات الإقتصادية الأحادية والدولية على السودان، وأخيراً فريق عمل المحكمة الجنائية الدولية. تؤلف هذه المجموعات فريق عمل رئيسي ومشترك لدراسة كافة القرارت تحت الفصل السابع الصادرة على السودان يتولى تحديد السبل والوسائل للتجاوب مع المتطلبات الواردة في القرارت وفق جداول زمنية ومصفوفات تحدد زمن ومسؤولية كل جهة حكومية بصورة تساعد في رفع تقارير إيجابية متوازنة قبل أغسطس 2016 ويناير 2017 وهي التواريخ التي حددها القرار 2265 لفريق خبراء الأمم المتحدة لرفع تقرير أولي وتقرير نهائي.
ثالثاً: الإستباق السريع الفعال مع الدول الأفريقية الأعضاء في مجلس السلم والأمن الأفريقي والأعضاء في مجلس الأمن الدولي وبذل كل الجهود الدبلوماسية لإحاطة تلك الدول بجهود الحكومة في حل مشاكل السودان بطريقة سلمية وديمقراطية.
رابعاً: التعامل مع الآلية الأفريقية رفيعة المستوى باحترام وجدية وحذر والتجاوب مع مبادراتها مثل ما تم مؤخراً من قبول الحكومة لخارطة الطريق.
خامساً: التأكيد المستمر على جدية رئاسة الجمهورية والحكومة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وتأكيد مشاركة الجميع في الحوار.
سادساً: تقوية بعثتي السودان في نيويورك وأديس أبابا بكوادر متمرسة ونشطة في الدبلوماسية متعددة الأطراف.
سابعاً: تأهيل وتفعيل دور الإعلام الرسمي للدولة وتبصيره بالقضايا الخارجية المرتبطة بالأمن القومي وبجهود الحكومة في احترام التزاماتها الدولية.
ثامناً: التركيز على أعمال مجلس السلم والأمن الأفريقي والتواصل المستمر معهم ومتابعة مداولاته وقراراته بصورة لصيقة.
تاسعاً: استدامة المواقف السياسية الملتزمة خاصة مع الإتحاد الأفريقي وتفادي النكوص عنها أو تعديلها.

اخر لحظة