عائشة سلطان : المدن التي تحتال علينا
تتشابه المدن كما يتشابه الناس، وتقترب أمزجة المدن من بعضها تماماً كما تقترب أمزجة الأصدقاء، بيننا وبين المدن التي نقع في غرامها منطقة التقاء حميمة في كيمياء أرواحنا وكيمياء المدينة، منطقة قد تكون في الطبيعة، في الجبال، في البحر، في الأسواق الشعبية، في المقاهي الصغيرة والطرقات المرصوفة بالحجارة العتيقة، في الأغنيات ورقصات الدراويش والحمامات، في دكاكين بيع السجاد والتحف، في المآذن والقباب وبسطات بيع البضائع التي نشتريها ولا نستخدمها. مناطق كثيرة تجمعنا ببعض المدن تجعلنا نهوى مدينة ولا نحب أخرى، ونتعلق بمدينة ونكرر الذهاب اليها، بينما نخرج من بعض المدن ونغلق أبوابها ونرمي المفتاح!
بعض نقاط الالتقاء بالمدن التي نحبها تبقى غامضة لبعضنا أو لمثيرين منا، فنراهم يتخبطون، يضيعون أوقاتهم على المقاهي والمطاعم والأسواق في كل مرة يذهبون فيها للمدينة نفسها، وبمنتهى الملل وعدم الاستمتاع، دون أن يعرفوا طريق الخلاص، يدورون حول علامات مشتركة دون أن يصلوا لنقطة الحقيقة، بينما الحقيقة متطلبة كامرأة حسناء لا يمكن الوصول اليها بسهولة، لذلك علينا أن نعرف أنفسنا وكيمياء أرواحنا لنعرف ما نحب وأي مزاج في المدن يتفق معنا!
الأمور ليست صعبة وليست مستحيلة وليست من قبيل الفذلكة الفارغة، لكنها تتعلق بمدى اهتمامنا بالتفاصيل التي تبهجنا، وتتعلق بتقييمنا لأنفسنا وأوقاتنا ورغباتنا واحتياجاتنا، نحن لا نسافر لأن الآخرين يسافرون ويجب أن نفعل مثلهم، ولا نسافر لأن لدينا من المال ما يكفي لشراء فندق وطائرة وجزيرة، ولا نسافر لأن الطقس أصبح حاراً وعلينا أن نفر منه الى أي مكان، في الحقيقة نحن نسافر لأن السفر احتياج حقيقي، حاجة للسعادة، للهدوء، لتقييم الذات، لتحقيق الرضا، وللأمان أحياناً، ربما لا يسافر الجميع بحثاً عن أمان وهدوء وراحة لكن كثيرين يفعلون، هذه القائمة من الاحتياجات والمزاجات هي بالضبط ما يحدد أي مدينة يجب أن نذهب اليها، وأي مدينة علينا أن نعقد معها اتفاق صداقة طويل الأمد!
من يعطينا مفاتيح المدن، حتى تتاح لنا الخرائط المغلقة والصعبة فيها؟ أحياناً يعطينا أصدقاؤنا هذه المفاتيح فتتحول المدينة إلى خرائط متعة وفرح واكتشاف بدل أن تكون خرائط تيه وضياع وقت ومللاً، وأحياناً نعرفها بالتجربة والخطأ، وأحياناً بالصدفة وأحياناً ببذل الكثير أو القليل من الجهد، في كل الأحوال المدن مثل البشر قد تضحك أو تحتال علينا بسهولة تامة، وقد تخاصمنا وقد وقد، لذلك يجب أن نصبر ونتصف بالحكمة لنعرفها جيداً ولنجني ثمار تلك المعرفة!
البيان