طه سليمان.. فات الكبار والقدرو
منذ انفصاله عن فرقة أولاد البيت واتجاهه للغناء منفرداً، لم يشغل الساحة الفنية مغنٍ كما شغلها طه سليمان، حيناً باغنياته وجرأتها، وحيناً بتقليعاته، وأحايين كثيرة بمشروعاته الفنية المتجاوزة، لم يكن اولها الفيديو كليب (عايز اعيش) الذي بث عبر عدد من القنوات العربية، كما أكاد أجزم انه لن يكن آخرها مسلسله (وتر حساس) او برنامجه (ستديو 5) الذي بدأه قبل فترة وبلغ ذروته في رمضان لهذا العام..
في اعتقادي الخاص أن ما قدمه طه من خلال الحلقات الثماني التي شاهدتها منه، له أكثر من جانب ايجابي فيما يخص الدراما السودانية ورفده اياها بمسلسل فني وان كان لا يحاكي مسلسلات السيرة الذاتية للفنانين علي وجه الدقة، لكنه يقدم دراما تقارب الواقعية ويتجاوز طموح بطله في ان يصبح فناناً عالمياً، ليتلمس المسلسل بعضاً من مشكلات الواقع، ويعكس صورا اجتماعية عبر (سيد الدكان، ثقافة العمل الطوعي، اهتمامات الشباب، وغير ذلك).
اضافة لما ضمه المسلسل من شخصيات درامية ذات ثقل فني كبير، وتقديمه لنجوم جدد علي رأسهم المذيعة اسراء سليمان، كما قدم المسلسل لعوض شكسبير ككاتب ماتع ذو رؤية ثاقبة وهو يستصحب معه الكثير من المعالجات الاجتماعية، دون ان تستغرقه هذه التفاصيل بعيداً عن هدف المسلسل، في مواءمة سلسلة حكت عن موهبة شكسبير.
وفيما يخص جماليات الشاشة اعتقد ان المسلسل تم تصويره بتقنيات جديدة ومتطورة وركز علي عكس جمال (البيت، الحدائق، الطرقات، المتنزهات السودانية) بما قدمه من لقطات مأخوذة بعناية فائقة جملت لدي المتلقي الصورة الذهنية المرتبطة (بالبشتنة وعدم النظام).. وان كانت هناك بعض الهنات والمشكلات في المونتاج التي عكست الصورة في بعض المشاهد لكنها لا تنتقص من جمالية المشهد ككل..
الذين عابوا علي طه تقديمه للمسلسل اعتقد انهم ارتكزوا علي نظرة انطباعية عن التخصصية، فالفنان عليه ان يغني فقط وان يترك التمثيل لغيره، وهذه لعمري نظرة قاصرة لم تطلع علي تجارب كثيرة ذخرت بها السينما العربية، بل والعالمية لفنانين اسسوا لنجومية مماثلة للغناء علي شاشات السينما والتلفاز..
يجب أن تخضع التجربة للتقيم لا التحطيم، فقد القي طه بحجر عله يحرك ساكن بركة الابداع، فقد مللنا التكرار في كل شيء، نحن نحتاج لمبادرات تتجاوز المألوف علنا ننزع عنا عباءة الجمود التي زهدنا فيها، ونطمع في ان تنهض الفنون عندنا بما يقارب الارث الفني والثقافي والتاريخي العظيم الذي نركن اليه ولا نفعل حياله شيئاً سوي اجترار أمجاده..
نشأت الامام
نحييك الفنان الشامل طه سليمان