والي شمال دارفور..لا يمكن التأكيد على اختفاء الجريمة من الفاشر
لإجراء حوار مع والي شمال دارفور، عبد الواحد يوسف، كان لزاما علينا التحلي بالصبر وذلك لأن الرجل يقضي نهاره في العمل المكتبي، أما عقب صلاة التراويح فيبدأ جولاته الميدانية على أنحاء مختلفة من الفاشر للوقوف على الأوضاع الأمنية والخدمية، ولم نجد غير مرافقته في جولة ليلية تفقد خلالها الأسواق ومواقع إنتاج الكهرباء ومياه الشرب استمرت حتى الساعات الأولى من الصباح لنجد بعد نهايتها فرصة الجلوس إليه، وطرحنا عليه عديد أسئلة ذات صلة بالمشهد العام بولاية بدأت العافية تدب في أوصالها إلا أنها لم تصل بعد المرحلة التي ينشدها المواطنون، ولنتابع بماذا أجاب يوسف على أسئلتنا:ـ
*البعض يخشى من أن تكون إجراءاتكم الأمنية الأخيرة مؤقتة وبعدها تعود الأوضاع لطبيعتها المتفلتة؟
– كل الإجراءات التي نعمل على تنفيذها فيما يتعلق بالجانب الأمني بمدينة الفاشر وكافة أنحاء الولاية فإن الغرض الأساسي منها ليس أن تكون احترازية مؤقتة بل نسعى لاستمراريتها واكسباها صفة الديمومة حتى تكون من الثوابت التي تميز شمال دارفور حتى الأمن مستقر، وقد جاءت الإجراءات نتيجة للانفلات الكبير الذي كانت تشهده الأوضاع الأمنية، ونستطيع التأكيد على أن المشهد الأمني العام بالولاية يوضح حدوث انحسار واضح وكبير في التفلتات الأمنية وتغير الواقع عما كان عليه.
*ولكن ونحن في الفاشر اغتال متفلتون مساعد في جهاز الأمن؟
– نعم تحدث جرائم هنا وهناك مثل حادثة مقتل شهيد جهاز الأمن، ومن المستحيل القول بعدم وقوع الجريمة نهائيا، ولكن يبقى التحدي في كيفية وصول الأجهزة الأمنية السريع إلى مرتكب الجريمة وقدرتها على ملاحقة المجرم والسيطرة عليه واسترداد الأموال المنهوبة وهذا كل ما حدث في عدد من الجرائم ومنها الأخيرة التي راح ضحيتها شهيد جهاز الأمن، فخلال أربع وعشرين ساعة فقط توصلت الأجهزة الأمنية إلى المجرمين وحتى العربة التي تم نهبها أعادتها الأجهزة الأمنية في اقل من ساعة.
*مواطنو الولاية الذين تحدثوا إلينا أكدوا حدوث استقرار أمني، إلى ماذا ترجعه؟
– في تقديري أن استتباب الأمن بالولاية عامة والفاشر على وجه الخصوص يعود بشكل مباشر إلى وجود غرفة بحاضرة الولاية تمتلك أكثر من أربعين عربة عسكرية متواجدة في إحدى عشرة نقطة ارتكاز ثابتة مربوطة بأجهزة اتصال حديثة، وتوجد ايضا قوات متحركة “موبايل” وهي تتدخل سريعا في حالة حدوث جريمة أو تفلت، بالتالي فإن معظم الجرائم التي حدثت تم حل غموضها سريعا والسيطرة على المجرمين قبل أن يلوذوا بالفرار أو يختفوا.
*حسنا.. هل يمكنكم التأكيد باختفاء الجريمة من الفاشر؟
– لا.. لا يمكننا كما أشرت سالفا القول باختفاء الجريمة نهائيا من الفاشر مهما كانت درجة الاستعداد الأمني وذلك لأن أي مجتمع يوجد فيه من يخالف القانون، ولكن ما نسعى إليه محاصرة الجريمة وتقليلها إلى ادنى المستويات حتى لا تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه ووصولها إلى درجة الانفلات، وما تحقق من أمن في كافة أنحاء الولاية يبدو واضحا والجرائم التي تقع فإن الأجهزة الأمنية تمتلك القدرة التي تخول لها التعامل معها، وعبركم اطمئن المواطنين أن الإجراءات التي اتخذناها وظللنا نعمل على تنفيذها فإن الهدف الأساسي منها ديمومة الاستقرار الأمني.
*ولكن ماتزال مظاهر حمل السلاح ماثلة؟
– فيما يتعلق بجمع السلاح فقد شهدت الفاشر انعقاد ورشة بهذا الخصوص وطلب من أي ولاية تحديد خطتها في هذا الإطار، وخطتنا واضحة وترتكز على عدد من المحاور منها جمع السلاع طوعا واختيارا وتعويض أصحابه ماديا، والمرحلة الثانية تتمثل في جمع السلاح بالقوة، بالإضافة إلى تقنين وتنظيم الذين تفرض عليهم الضرورة حمل السلاح لحماية ممتلكاتهم مثل الرعاة الذين يمتلكون ثروة حيوانية ضخمة ويتحركون في مناطق ربما لا توجد بها قوات نظامية وهؤلاء يسمح لهم بحمل أسلحة خفيفة لحماية أنفسهم وثروتهم، وأسلحتهم سيتم تسجيلها رسميا وفقا لأرقام متسلسلة وذلك تحوطا إذا ما ارتكبت بها جريمة حتى يمكن الوصول إلى الجاني.
*هل تعتمدون على النجاعة الأمنية فقط في حفظ الأمن؟
– استتباب الأمن له العديد من الوسائل والأساليب، فنحن لا نعتمد فقط على بسط هيبة الدولة وتطبيق القانون، ونعمل في محاور أخرى تصب في ذات القناة الأمنية، وفي تقديري بوصفنا حكومة فإننا مسؤولون عن المجتمع كاملا صالحه وطالحه، لذا فإن الإستراتيجية الأمنية في هذا الإطار تذهب ناحية فتح باب التوبة للمجرمين لأن رب العباد يتوب على من يرتكب معصية، وبفضل هذه السياسة فقد حضر إلينا عدد مقدر من المجرمين وأعلنوا توبتهم وأكدوا إقلاعهم عن التفلت الأمني.
*وماذا فعلتم لهم حتى لا يعودوا إلى الإجرام الذي كان ربما دافعه تردي الواقع الاقتصادي والبطالة؟
– استقبلناهم بصدر رحب وجمعناهم وبعثنا بهم إلى الخرطوم وخضعوا لدورة تدريبية نهلوا من خلالها جرعات إيمانية كبيرة لمدة ثلاثة أسابيع، وبعد عودتهم إلى الفاشر ولأننا نظرنا إلى توبتهم بعين الاعتبار والتقدير كان لزاما علينا أن نقابلهم بالتي هي احسن فكان أن استقر القرار المنطقي على تمليكهم وسائل إنتاج تعينهم على مجابهة تكاليف الحياة وتكون لهم مصدر دخل حلال يغنيهم عن العودة إلى التفلت، ولأننا تعهدنا لهم بمساعدتهم حتى في جرائم الحق الخاص أوفينا بهذا الجانب، وكذلك عملنا على إدماجهم في المجتمع من خلال تمليكهم أكشاك ومنحهم بعض المال، وآخرين تم تمليكهم مواتر نقل وهؤلاء باتوا جزءا من المجتمع، ومنهجنا هذا لن يتوقف تجاه كل من يأتي إلينا ويعلن توبته عن الإجرام.
*بالانتقال إلى محور آخر، ماذا عن اختلالات الخدمة المدنية؟
– فيما يتعلق بالخدمة المدنية فهي بكل تأكيد تعتبر حجر الزاوية في تسيير دولاب العمل الحكومي، وحاليا نعمل في مرحلة مراجعة الفصل الأول وحوسبة الأجور، وأول مرتب تم صرفه عبر النظام الجديد كان في هذا الشهر وقد استخلصنا منه نتائج جيدة، وفي مرتب هذا الشهر ستتم التنقية من خلال معرفة الغياب والأسماء الوهمية والذين يصرفون بتوكيل وغير موجودين وبعد ذلك ستظهر لنا المخالفات.
*خطابكم بمجلس الولايات وجد إشادة الأعضاء، على ماذا احتوى؟
– أولا نشكر الإخوة في مجلس الولايات على إشادتهم بخطابنا الذي استعرضناه أمامهم والذي جاء متماشيا مع الخطة الخمسية، وتم تبويبه حسب الإستراتيجية، وقد أوردنا كافة المعلومات بمقارنات وأرقام توضح كيف كان الوضع في كافة مناحي الخدمات في 2015 وفي هذا العام، وكانت المعلومات جيدة وقد مكنت الأعضاء من عقد المقارنة بصورة جيدة، ونستطيع القول إن الخطاب كان شاملا وأرقامه واقعية وأوردنا كل المعلومات بأمانة فقد أوضحنا الإيجابيات والسلبيات.
*تعملون على عدد من المحاور، فكيف توفقون بينها؟
– نعم.. فالعمل في الولاية يمضي بتوازن أمني وتنموي وخدمي، وعلى صعيد التنمية فقد تقدمنا مبكرا بمشروعاتنا المقترحة إلى الحكومة الاتحادية وتم تضمينها في موازنة العام 2016، وللأمانة في أن وزارة المالية لم تقصر معنا فقد منحتنا أموالا للطرق والطاقة الشمسية ولإكمال العمل في عدد من المستشفيات المتخصصة بالفاشر وتشييد مستشفى الحوادث وإنارة أربعة مدن بالولاية بتكلفة ستين ملياراً، وموارد الولاية أيضا صوبناها نحو التنمية، وفي ذات الوقت عملنا على تطوير إيرادات الولاية وإدارتها بشكل جيد وعملنا على تقليل أوجه الإنفاق، ونشير إلى التنمية مضت إلى جانب العمل الأمني ولم تتأثر أو تتوقف.
*الولاية شهدت مؤخرا موجات نزوح جديدة عقب أحداث جبل مرة؟
– نازحو جبل مرة معظمهم من ولاية وسط دارفور ومتواجدون في بعض محليات الولاية مثل طويلة والترتيبات التي اتخذناها تجاههم تمثلت في توفير معينات إنسانية مثل مواد غذائية وإيوائية وأجرينا تنسيقا مع مفوضية العون الإنساني وتم تكوين لجنة اتحادية برئاسة الوزيرة سمية أكد، وبدأ العمل في صعيدين، يتمثل الأول في توفير وسائل لإرجاعهم إلى مناطقهم وتقديم معينات الغذاء والإيواء وهذا في وسط دارفور، وما يلي شمال دارفور فإن النازحين تحركوا من مناطقهم بسبب مخاوف وشائعات كان يطلقها البعض وهؤلاء عملنا على طمأنتهم والعدد الأكبر عادوا إلى مناطقهم، في سرتوني بمحلية كبكابية أيضا يوجد نازحين 50% من وسط دارفور وهؤلاء عادوا وكان المعسكر به 47 ألف والآن يوجد 17 ألف وايضا في طريقهم للعودة وذلك ليدركوا فصل الخريف.
*بمناسبة فصل الخريف، ماهي إجراءاتكم لمنع الاحتكاكات بين المزارعين والرعاة؟
– تم تكوين لجنة برئاسة نائب الوالي غرضها حماية وانجاح الموسم الزراعي وهي معنية ايضا بإزالة كل أسباب الاحتكاك بين المزارعين والرعاة وذلك عبر فتح المسارات وتحديد الصواني، واللجنة تضم كل المكونات من مزارعين ورعاة وإدارة أهلية وستبدأ عملها في الأيام القادمة، وعملها لن يتوقف حتى نهاية الموسم الزراعي وذلك لتدخلها إذا اقتضى الأمر لحل أي نزاع قد يحدث، ونسعى هذا العام إلى تقليل الاحتكاكات إلى ادنى مستوياته.
*وماذا عن الإعداد للموسم الزراعي؟
– نعم فقد أفردنا أيضا اهتماما كبيرا لإنجاح الموسم الزراعي وقد ترأست قبل فترة اجتماع مطول بوزارة الزراعة ضم كل الجهات ذات الصلة بالعملية الإنتاجية في الموسمين الصيفي والشتوي، ووقفنا على الاستعدادات والمساحات والمحاصيل المتوقع زراعتها، وقد وصلت التقاوى وتم توزيها ولأول مرة تصل في وقت مبكر وتسلم للمحليات قبل وقت كاف من بداية الموسم الزراعي، وايضا استلمنا كمية كبيرة من المعدات الزراعية والجرارات وحاصدات هوائية وغيرها من آليات.
*ولكن المشاريع المروية بالولاية ماتزال متوقفة؟
– هذه نسميها المشاريع الرائدة وفي خطتنا أن نحدث فيها اختراقا كبيرا هذا العام، فيما يتعلق بمشروع البياضة بشمال الولاية فقد زاره قبل فترة محدودة فريق هندسي زراعي وقف على أوضاعه، وهو مشروع كبير يمتلك بنية تحتية جيدة تتمثل في عدد مقدر من آبار المياه بالإضافة إلى وحدات ري محوري وقد اجرى الفريق دراسة وقررنا أن نبدأ فيه الإنتاج هذا العام، أما مشروع ساق النعام فقد أعددنا دراسات ونبحث عن تمويل، أما مشروع أبو حمرة فهو يحتاج لعمل ولكن ايضا تم وضعها ضمن الخطة، وهذه المشاريع الثلاثة إذا عاودت الإنتاج ستسهم في تحريك الاقتصاد بالولاية ومن شأنها الانتقال بالزراعة من التقليدية إلى المشاريع المستدامة، وهنا أشير إلى أن غرب الولاية في محليات كتم وكبكابية والسريف وسرف عُمرة يوجد بها قطاع بستاني جيد ونهدف لتطويره عبر صناديق الضمان الاجتماعي وبعض البنوك لزيادة المساحة وإدخال وحدات ري حديثة.
*حتى الآن لم تستنفروا الجهد الشعبي كما فعلت عدد من الولايات لدعم التنمية؟
– نضع في خططنا استنهاض الجهد الشعبي للإسهام في التنمية، ولكن حتى يتفاعل معنا المواطن في هذا الصدد لابد من أن نقدم له عربون يتمثل في عمل واضح على الأرض، ولابد أن يثق فينا ويتأكد من جديتنا، وفي الفترة الماضية كان الحديث عن ضرورة توفير الأمن وبعد أن استقر بدأ الحديث يدور عن الكهرباء وهذا أمر جيد يعني حدوث تطور، وفي المستقبل بإذن الله سنتيح المجال واسعا للجهد الشعبي عبر استنفاره.
*ماذا عن اللاجئين الذين عادوا من تشاد؟
– فيما يتعلق بعودة اللاجئين من دولة تشاد فقد وضح لنا من خلال زيارتنا لمحليات وادي هور رفقة نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن، رغبة حقيقية وأكيدة من اللاجئين توضح جديتهم في الاستقرار بمناطقهم ولم يطلبوا منا سوى توفير مياه الشرب، وقد قابلنا حديثهم التشجيعي هذا بأن نوفر لهم مواد غذائية وإيوائية وقد أوفينا بوعدنا، والآن توجد سبع آبار مياه في أمبرو ومثلها في الطينة وكرنو وقد عملنا على توفير مياه الشرب وأخيرا وصلت المنطقة 24 شاحنة تحمل مواد عينية غذائية وبطاطين ومشمعات.
*وأخيرا ماتزال معسكرات النازحين بالولاية ماثلة؟
– نعم، ولكن إستراتيجيتنا تجاه النازحين في معسكرات أبوشوك وزمزم وغيرها تذهب ناحية تخطيط المعسكرات، وهي مفتوحة ونتعامل مع قادتها وكذلك النازحين ونلتقيهم باستمرار وهي عبارة عن أحياء عشوائية ونريد تخطيطها حتى نوفر لهم الخدمات، والباب مفتوح لمن يريد العودة إلى منطقتهم الأصلية ونعمل ايضا على توفير الأمن والخدمات بها، وفي النهاية النازحين مواطنين سودانيين لهم الحرية في الاستقرار بالمعسكرات بعد تخطيطها أو التوجه إلى أي مكان في السودان للاستقرار فيه أو العودة لمناطقهم الأصلية.
صديق رمضان: صحيفة الصيحة