عبد الباقي الظافر

أحلام مراهقة..!!


أغلقت باب الغرفة الطينية بإحكام.. كومت على فراشي عدداً من كراسات اللغة الإنجليزية وبعض الكتب التي أهداني لها أستاذ عبدالغني.. كلما أنظر إلى خطه الجميل تزداد لوعتي.. حينما طرقت أمي على الباب مسحت دموعي وهرعت نحو الباب.. قرأت أمي الحزن على وجهي.. سألتني ببعض القلق “سجمي مالك يا منوية”.. قبل أن أرد على السؤال الصعب كانت أمي تتطوع وتخبرني بالإجابة غير الصحيحة.. حضنتني أمي وهي تطمئنني “لن تتركك أختك فدوى وحيدة ..والدك لم يوافق وفدوى مترددة” ..قالت أمي عبارتها ثم انصرفت إلى الضيوف الذين جاءوا ليطلبوا يد شقيقتي الكبرى
توسدت كتاب (أبكيك يا وطني الحبيب) الذي أوصاني أستاذ عبدالغني بقراءته خلال العطلة الصيفية.. أغمضت عيني هاربة من الواقع فواجهني الماضي .. قبل ثلاثة أعوام جاء أستاذ عبدالغني ليعمل أستاذاً في مدرسة قريتنا الثانوية ..كان بيتنا في طرف الحلة ولكنه أقرب البيوت إلى المدرسة ..في ذاك اليوم مضيت مع أمي وأختي فدوى للتعرف على الأسرة الجديدة..من الباب تشعر أن البيت يختلف عن بيوت القرية..ثلاجة تعمل بالجازولين وتلفاز يعتمد على بطارية سيارات..لفتت نظري مكتبة منظمة ومليئة بالكتب
حينما دخل أستاذ عبدالغني كان امتداداً لتلك الأناقة..رجل في مستهل الأربعينات فارع الطول وسيم التقاطيع ..كان أشبه بتلك النخلة التي تشمخ أمام باب بيتنا..حياني بمودة وطبع قبلة على رأسي وبعدها سألني عن اسمي ومدرستي.. حينما أخبرته أنني بالصف الثامن مضى إلى مكتبه وأهداني كتاب وعلبة ألوان.. منذ ذلك الحين بدا لى الأستاذ مختلفاً عن سائر رجال القرية..يرتدي دائماً قميصاً محشواً بعناية في بنطال ..يدخن السجائر من غير إسراف معتمداً على كدوس أبيض..
حينما عادت أمي وأختي إلى البيت تحدثتا بشكل سالب عن الأستاذ الجديد وزوجته.. كانت أمي حريصة على التنقيب في أصوله العرقية.. فيما أختي فدوى تخصصت في إبراز عيوب زوجته التي لم تنجب له أطفالاً بعد..انشغلت أنا برسم صورة لجارتا الغريب والطيب.. بعد يوم زارتنا زوجته نفيسة ..سيدة بسيطة وطيبة وثرثارة.. بعيد ساعة تمكنت أمي من معرفة اللغز.. أستاذ عبدالغني والدته من قبيلة الزاندي بجنوب السودان ووالده من مروي .. نفيسة كانت أبنة عمه ..ضاع عبد الغني في بلاد أوربا سنوات ثم عاد ليتزوج من أبنة عمه..مرت ست سنوات ولم يرزق الزوجان بذرية..
أقام الزوجان في قريتنا ثلاث سنوات.. فرحت عندما دخلت الثانوية.. الآن أصبح أستاذ عبدالغني مديراً للمدرسة بعد أن تقاعد عم محمد خيرالمدير السابق.. منذ اليوم الأول كنت الطالبة الأقرب إلى قلب المدير.. يطلب مني أن أمسح السبورة وأحضر التباشير.. كان يدللني بكنية منوية.. حينما أصبحت أنثى أحببته.. بات يشغل خيالي.. احتفظت بهذه المشاعر.. كان لدي يقين أنني سأتزوجه في يوم ما.. لم أكن متعجلة.
عدت ذات يوم من المدرسة ووجدت أمي توزع الحلوى .. أخبرتنيى أن نفيسة وضعت ولداً ذكراً في مستشفى مروي.. شعرت أن حلمي في الزواج من أستاذ عبدالغني قد تبخر.. منحتني أمي قطعة من الحلوى مصحوبة بمزيد من التفاصيل.. نفيسة مريضة لديها نزيف لهذا سنمضي في الحال إلى المستشفى.. حينما يعود والدك من السوق أعدي له طعام الغداء.. كل تلك المعلومات والتعليمات وأمي في طريقها للباب
لم تمضِ سوى خمس دقائق وعادت أمي تصرخ.. ماتت نفيسة.. شعرت بالخجل لأن الخبر لم يحزنني كسائر الناس.. كنت قلقة على أستاذ عبدالغني.. كيف سيتحمل الفاجعة.. حينما تذكرت حال الطفل الرضيع نزلت من عيني دمعة.. من وسط الحزن تعالت آمالي في الزواج من أستاذي.. حينما يعود سأخبره بمشاعري
غاب أستاذ عبدالغني ستة أشهر.. حينما عاد لبيتنا طلب الزواج من أختي فدوى التي مازالت مترددة فيما أنا أبكي.


تعليق واحد

  1. (أخبرته أنني بالصف الثامن ) زمن تلفزيون البطارية وتلاجة الجاز لم يكن هنالك ما يسمى سنة تامنة … أعد