رأي ومقالات

في موسم الحج.. الخليجيون يحجون شرقاً

• في موسم الحج يتوجه أهل الخليج غربا بحكم الموقع الجغرافي لأداء مناسك الحج عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى وكثير دعواهم اللهم اهلك أهل الكفر أمريكا وإيران وروسيا واللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك في كل بقاع الأرض في سوريا واليمن والعراق كما هي دعواهم من على المنابر وعقب الصلوات.
• هكذا يدعوا اهل الخليج في موسم الحج لاعتقادهم الجازم بان بأنهم مستهدفين من هذه البلاد مستهدفين في دينهم وعقيدتهم وبلدانهم وان لا حيلة لهم غير الدعاء عسى أن يستجيب الله لهم ويبعد عنهم الشرور ما ظهر منها وما بطن. والدعاء مشروع لا شك في ذلك وهو من أيسر الأسلحة وأمضاها إذا صدقت النوايا مع الله سبحانه وتعالى، ولأن أهل الخليج لا سلاح لهم ولا قوة لهم مادية لمواجهة أمريكا وروسيا وإيران وغيرها من الدول التي تستهدفهم غير التوجه إلى الله.
• الولايات المتحدة الأمريكية كانت تمثل لدول الخليج الملجأ والملاذ الأمني والحامي لهم من أطماع الدول الاخرى خاصة إيران ومن قبل صدام وقد استغلت أمريكا هذه الحاجة الأمنية بصورة قذرة طمعا في خيرات هذه البلاد، وأصبحت هي الخليل الأمر والناهي تأمر فتطاع وتطلب فتلبى طلباتها دون شروط أو قيود.
• الدول الغربية مدعومة من استخباراتها ومراكز دراساتها الإستراتيجية إذا أرادت أن تفعل شئ درسته جيدا ثم خططت له لتنفيذه عبر سنوات طويلة لكي تحقق أهدافها.
• هذا بالضبط ما تنفذه الآن الدول الغربية تجاه الدول الخليجية وخاصة السعودية مستهدفة في المقام الأول الإسلام السني.
• أمريكا درست الشرق الأوسط جيدا ووجدت أن الإسلام السني هو الخطر القادم لها وهو المهدد الأول والأخير لها في هذه المنطقة ووجدت أن البديل له شيئان الشيعة والصوفية لسبب واحد وقوي وهو أن الشيعة لها مرجع ديني واحد وهو آية الله خامنئي او من يعقبه وهو الذي يأمر وينهي ثم يطاع والأهم من ذلك أن العقيدة الشيعية لا تؤمن بفقه الجهاد لذلك يمكن خلق صداقة مع مرجعها لتوجيهه نحو مصالحهم.
• أما الصوفية فهي طريقة مسالمة تقول أنها تأخذ الوسطية طريقا لنشر الدعوة كما أن الصوفية تشابه العقيدة الشيعية في المشيخة بحيث لكل طريقة شيخ يأمر فيطاع لذلك يمكن السيطرة عليها باحتواء هؤلاء الشيوخ هكذا ينظر الغرب لهذه الطريقة.
• الشئ الأهم والأخطر أن الصوفية في خلاف قوي مع أنصار السنة يصل الخلاف لدرجة التكفير يكفر كل الآخر وهذا يمثل منفذا قويا لخلق فتنة دينية في أوساط السنة وهو ما يخطط له أعداء الإسلام وبدأت بوادره في الظهور من خلال مؤتمر غروزني (الصوفي) الذي عقد في الشيشان واخرج أنصار السنة والإخوان المسلمين من مسمى أهل السنة والجماعة.
• بعد أن تمكنت أمريكا من الساحة تماما وبعد أن حانت ساعة الصفر لتنفيذ مخططها الإجرامي قلبت ظهرها للدول الخليجية وانحازت إلى إيران في عملية غير أخلاقية وهذا ديدن السياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة.
• أمريكا أصبحت تكيل بمكيالين إلى الدول الخليجية وتشن هجوم قوي ضد السعودية ومن طبيعة أمريكان أنها تبدأ الهجوم عبر بوابات الأمم المتحدة الحقوقية وتركز كثيرا على حقوق الإنسان والإرهاب وهما هاجسان دوليان يمكن إن يوجهان الرأي العام حيثما شاءوا لذلك كان الهجوم على السعودية بهذين الملفين مع التركيز أكثر على الإرهاب.
• أما في الاتجاه الآخر فأمريكا كشفت عن علاقتها التي كانت مغطاءة بالكذب والشعارات الجوفاء مع إيران وأصبحت إيران هي الصديق القوي واختفت لافتات أمريكا الشيطان الأكبر من شوارع إيران ثم أعادت بريطانيا علاقاتها الدبلوماسية معها وهكذا بدأ شهر العسل الإيراني الغربي الأمريكي الروسي من اجل تأسيس لوبي قوي يسعى لضرب الخليج للتفرق دماءه بين الدول.
• السعودية وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان انتبها لهذا المخطط وعرفا اتجاه بوصلة الشر وبدأ العمل بجد لتجاوز أي محنة يمكن أن تمر بهذه الأمة.
• ولي ولي العهد السعودي هذا الشاب المشوق فارع الطول والتفكير ذو الكاريزمة القوية وذو النظرات الذكية الذي فرض نفسه في الساحة السياسية والاقتصادية بقوة، يستمد قوته من ارض أجداده ومن نفحات إيمانه ومن مكة والمدينة ارض الوحي والرسالة بدأ مشواره السياسي بمواقف وتفكير وخطوات ثابتة وصامدة في اتجاه واحد وصادمة للقوة الكبرى يسعى لأن تظل المملكة العربية السعودية قوية لا تهزها العواصف الغربية ولا تزعزعها المؤامرات التي تحاك ضدها.
• خرج للناس بإستراتيجية اقتصادية (الرؤية الاقتصادية للمملكة 2030م) لأجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة لا يمثل البترول فيها العمود الفقري إنما الاقتصاد الحر والانفتاح الاقتصادي وتحقيق تنمية شاملة تعتمد على نوافذ تمويلية متعددة.
• أسندت له كل الملفات الحساسة الاقتصادية والسياسية بينما أسندت الملفات الأمنية لولي العهد فكان التحدي كبير بالنسبة له لذلك بدا يخوض غمار المعركة بإيمان ثابت لا يتزعزع وقلب قوي وعزيمة لا تهتز في مواجهة أمواج متلاطمة من المؤامرات والدسائس من الأصدقاء والأعداء شرقا وغربا شمالا وجنوبا.
• كان التفكير القوي هو كيفية تجاوز محطة امريكا الصديق العدو بصورة غير تصادمية وإنما بسياسة لينة ولكنها تشكل ضربة قوية للتآمر الأمريكي وتثبت مقدرة السعودية على لعب السياسة بكل تعاريجها ومنعطفاتها وحتى وسخها.
• الآن يقوم ولي ولي العهد بزيارة إلى روسيا والصين واليابان من اجل كسب أصدقاء جدد وفتح نوافذ اقتصادية جديدة خاصة وان دول شرق آسيا تعتبر من الدول القوية اقتصاديا مثل الصين واليابان كما أن روسيا تعتبر من الدول القوية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا رغم الطغيان الأمريكي إلا أن روسيا بدأت الآن تتبوا مكانتها وسط دول العالم عسكريا واقتصاديا.
• الحج شرقا يشكل ضربه قوية لأمريكا وطعنه لها من الأمام وليست من الظهر كما تفعل هي دائما وهي رسالة تقول بان ارض الله واسعة وان العالم لا يمثل فقط أمريكا هناك خيارات أخرى كثيرة وقوية.
• هذه الخطوة هزت أمريكا التي كانت تعتقد أنها هي رب العالم تأمر وتنهي ولكن التوجه شرقا زعزعت قناعاتها وقد شاهد العالم كله الرئيس الأمريكي اوباما كيف كان يجوب قاعة اجتماعات قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الصين بحثا عن ولي ولي السعودية حتى وجده وصافحة وتحدث معه ثم انصرف.
• لا خلاف حول أن أمريكا دعمت الدول الخليج امنيا وعسكريا لكن في نفس الوقت نجد أن الدول الخليجية هي جزء أساسي من الثراء الأمريكي ومن الاقتصادي الأمريكي وحينما هددت السعودية ببيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار في حال إقرار الكونغرس لمشروع قانون يحمل المملكة مسؤولية معينة في اعتداءات 11 سبتمبر 2001. هاجت وماجت أمريكا وسارع الرئيس الأمريكي إلى التأكيد على أن هذا القانون لن يتم إقراره.
• الدول الخليجية تستطيع أن تجعل أمريكا تعيد حساباته مليون مرة إذا توحدت في رأيها وقراراتها وضغطت على أمريكا لإعادة علاقاتها واتفاقياتها مع إيران.
• لكن للأسف نجد أن الدول الخليجية متفرقة كل لها رؤيته وسياسته وعلاقاته الخارجية وهذا ما يجعل أمريكا تستاسد عليهم وتصطادهم واحد تلو الآخر.
• في ذات السياق نجد أن الملك حمد بن عسى آل خليفة ملك البحرين يتواجد هذه الأيام في روسيا لحضور منتدى (أرميا 2016) الذي سيفتتح اليوم في موسكو ولمتابعة الأجندة التي تم التباحث فيها خلال الزيارة السابقة خاصة فيما يتعلق بإنشاء لجان مشتركة بين الجانبين سياسية واقتصادية وعسكرية إضافة إلى ما تم الاتفاق عليه إبان الزيارة الأولى وهي جعل البحرين مرفأ للغاز الروسي وموزع له في المنطقة وكيفية تنفيذ هذا الاتفاق.
• البحرين تسعى لدعم قواتها المسلحة بأسلحة متطورة لذلك ستطلب من روسيا تزويدها بأسلحة s300 لتعزيز ودعم منظومتها الدفاعية وهي ذات الأسلحة التي زودت بها روسيا إيران.
• البحرين أيضاً من الدول المستهدفة بقوة مستهدفة في قيادتها وفي حكمها وخير دليل على ذلك ما حدث في العام 2011م عندما تحركت مجاميع الشيعة التي كانت تتظاهر في الدوار لاحتلال البلاد ووصلت حتى الديوان الملكي ولولا تدخل درع الجزيرة بقيادة السعودية كان سيحدث ما لا يحمد عقباه.
• ولا زالت المؤامرات تحاك ضد البحرين خاصة من إيران وعبر خلاياها في الداخل وقد أعلنت إيران ذلك مرارا وتكرارا بأنها تدعم ما قالت إنها الشعوب المظلومة وتقصد بهم الشيعة.
• لذلك سافر ملكها إلى روسيا للمرة الثانية هذا العام لخلق علاقة سياسية واقتصادية وعسكريا وتسعى البحرين لان تكون منفذا تسويقيا للغاز الروسي لدول المنطقة.
• إذا يمكن القول بان التوجه شرقا يشكل ضربة قوية لأمريكا يجعلها تعيد حساباتها في علاقاتها مع الدول الخليجية والتي إن قررت الانصراف عنها والتوجه إلى الصين وروسيا واليابان والهند فان امريكا هي التي سوف تخسر سياسيا واقتصاديا وان تلك الدول المنافسة لها سوف تتقوى أكثر بالدول الخليجية وان إيران وحدها لن تكون حليفا مانعا جامعا لكل أسباب القوة السياسية والاقتصادية بالنسبة لأمريكا.
• يجب أن تنتبه الجماعات الدينية السنية إلى المؤامرات الخطيرة جدا التي تقودها امريكا بدعم خفي من قبل دول خليجية لتمزيق السنة وضرب بعضهم ببعض خاصة الطرق الصوفية والسلفيين وأنصار السنة وبدلا من التوجه لنشر الدعوة الإسلامية نشرع سيوفنا في وجوه بعضنا البعض لتسيل دماءنا ويتفرق دمنا ويقتل بعضنا البعض.

تحليل سياسي
ابراهيم ارقي – مهتم بالشأن الخليجي