الإعلام في تغطية صحة كلينتون.. ذكورية وأشياء أخرى
أظهر الإعلام الأميركي ذكورية واضحة في تغطية الوعكة الصحية التي تعرضت لها مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون. إذ كانت وسائل الاعلام قد تجاهلت سابقاً الوعكات الصحية لعدد من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، ولم ترَ أن هذا الأمر قد يؤثر في أدائهم. لكنها وجهت كل تركيزها في حالة كلينتون من أجل التلميح إلى عدم أهليتها لتولي الرئاسة، متجاهلة في الوقت نفسه فضائح منافسها المالية.
وكانت كلينتون قد تعرضت لوعكة صحية الأسبوع الماضي، فاضطرت إلى مغادرة مراسم إحياء ذكرى 11 سبتمبر/أيلول، وأرجأت جولة لجمع التبرعات في ولاية كاليفورنيا ضمن حملتها الانتخابية.
تبين لاحقاً أن كلينتون تعاني من التهاب رئوي، ثم أعلنت طبيبتها ليزا بارداك أن “كلينتون تتمتع بكامل الصحة واللياقة التي تؤهلها لشغل منصب الرئيس”. وسرعان ما أصبح هذا الخبر الأول على وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تكتفِ وسائل الإعلام بملاحقة أخبار كلينتون الصحية والتدقيق في تفاصيلها، من أجل معرفة مدى تأثير هذا الأمر على معركة الرئاسة الأميركية، إنما وصل الأمر إلى حد تناقل نظريات المؤامرة المتعلقة بالموضوع، كاتهامها أنها تخفي عوارض صحية أكثر خطورة، كما فعلت “فوكس نيوز” و”ناشونال إنكويرير”، واتهامها على مواقع التواصل الاجتماعي بالاستعانة بشبيهة لها من أجل دحض الشائعات حول سوء صحتها.
وعزز هذا الأمر تصريح سابق لمنافسها، المرشح الجمهوري دونالد ترامب، قال فيه إن “كلينتون تفتقد للقدرة العقلية والجسدية على التحمل لتولي رئاسة البلاد وقيادة حرب الولايات المتحدة ضد داعش”، في أغسطس/آب الماضي.
ووصل الأمر بقناة “أي بي سي 7” المحلية الأميركية إلى أن أعلن مقدم النشرة المسائية فيها، جو توريس، خبر وفاة كلينتون، ليعود ويصحح كلامه بالقول إن أطباء كلينتون شخصوا إصابتها بالالتهاب الرئوي.
ونشرت صحيفة “ترود” مقالاً جاء فيه أن “قسماً من المراقبين لا يصدقون أن كلينتون مريضة حقاً، ويرون أنها تحاول ببساطة التملص من المناظرات مع ترامب”. وأضاف المقال: “كما أن المراسلين والمعلقين لم يقتنعوا بالرواية الرسمية عن صحة هيلاري، ويعتقدون أن وضعها الصحي أسوأ من ذلك بكثير”.
واللافت أن وسائل الاعلام لم تكن لتتعامل مع الموضوع بالطريقة نفسها، لو لم تكن المرشحة للرئاسة الأميركية امرأة بالمقام الأول.
فقد أظهرت التقارير الأخيرة أنّ شبكات “سي إن إن” و”فوكس نيوز” وإم إس إن بي سي” خصصت 13 ساعة ونصف الساعة يومياً خلال الفترة الماضية، لتغطية حالة كلينتون الصحية والإشاعات المحيطة بها، بينما خصصت أقلّ من ساعة فقط لتسليط الضوء على المعاملات المالية المشبوهة المتورط بها ترامب في مؤسسة “ترامب فاونديشين”، وفتحت ولاية نيويورك تقريراً بشأنها.
وقالت رئيسة التحرير السابقة لصحيفة “ذا نيويورك تايمز”، جيل أبرامسون، أنّ “التغطية الإعلامية لحالة كلينتون الصحية قامت على أساس التمييز الجندري بين المرشحين، وغذّت نظريات المؤامرة التي يروج لها منافسها دونالد ترامب”، في حديثها لموقع “بي بي سي” الإلكتروني.
وأضافت أبرامسون أنّ “الإعلام بتغطيته هذه يروج أكثر للصور النمطية عن المرأة التي تظهرها كائناً ضعيفاً، وغير قادرة جسدياً وذهنياً على تولي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وأكبر دليل على ذلك البث المتتالي للفيديو الذي يظهر كلينتون وهي تترنح أثناء مغادرتها مراسم إحياء ذكرى 11 سبتمبر، وحاجتها للمساعدة في الوصول إلى السيارة”.
كما كتب أحد معدّي برنامج “ذا تونايت شو” الشهير، تشايس متشل، أن “هذه هي المرة الأولى التي يهتم الجمهوريون فيها بصحة المرأة”، في إشارة إلى تصريحات سابقة لترامب، أهان فيها النساء.
بدورها، قالت مذيعة قناة “سي إن إن”، كريستيان أمانبور: “ألا تستطيع المرأة أن تمرض ليوم أو يومين؟” وأضافت: “لا تدعوني أبداً، عندما يتعلق الأمر بالنساء المؤهلات اللواتي عليهن المحاولة مئات المرات بصعوبة أكثر من الرجال غير المؤهلين، من أجل الحصول على استراحة أو فرص متكافئة، فكلنا نعرف هذه القصة”.
وأشارت أمانبور في تقريرها إلى أن الإعلام الأميركي لم يتعامل مع الموضوع نفسه عندما كان المعني رجلاً. وأعطت مثالاً عن الرئيس فرانكلين بيرس الذي أغمي عليه مرتين خلال معركتين في 1847. كما تحدثت عن الرئيس جورج بوش الأب الذي تقيأ على رئيس الوزراء الياباني أثناء مأدبة عشاء، لكنه شهد انهيار الاتحاد السوفييتي وربح حرب الخليج الأولى، على حد تعبيرها. ولفتت إلى تغاضي الإعلام الأميركي عن معاناة جون كينيدي مع مرض أديسون، وإصرار الإعلام على إبقاء صور فرانكلين روزفلت على كرسيه المتحرك سراً. ولم تفوت وسائل الإعلام نفسها فرصة تسليط الضوء على صحة كلينتون، وربطها بعدم أهليتها لتولي الرئاسة.
لكن هذا لا يعني أن “سي إن إن” لم تكن جزءاً من التغطية الإعلامية هذه. إذ في محاولة الشبكة لتوضيح تساؤلاتها حول إذا ما كان “الالتهاب الرئوي سبباً في انهيار كلينتون”، لمحت إلى أن كلينتون تعرضت لارتجاج دماغي في 2012، قد يكون “ترك أثراً على قدراتها الذهنية”، واستضافت أطباء مختصين من أجل مناقشة هذا الموضوع.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحتل المرتبة 97 في تمثيلها النساء في الحكومة بين ديمقراطيات العالم. وكانت التساؤلات أثيرت سابقاً حول التغطية الإعلامية غير العادلة بين المرشحين بسبب التمييز الجندري.
العربي الجديد