أحمد عز يعظ ويتفاءل ويخدع المصريين
لا أحد ينكر مهارات أحمد عز السياسية قبل ثورة 25 يناير في مصر، ولا أحد ينكر أنه كان واحداً من أبرز رجال الأعمال في منطقة الشرق الأوسط، والمحتكر الأوحد للحديد في مصر لسنوات طويلة، وأنه حقق أرباحاً وإيرادات بمليارات الدولارات عندما ساعدته حكومة أحمد نظيف على احتكار واحدة من أهم مواد البناء والتشييد، وهي الحديد، والأعلى تكلفة في قطاع العقارات.
ولا أحد ينكر كيف أن شاباً في مقتبل العمر حديث التخرج لا يملك والده سوى دكان صغير في منطقة السبتية بوسط القاهرة، استطاع وفي غضون سنوات قليلة أن يصبح صاحب أكبر شركة حديد في المنطقة، وأن يستحوذ على واحدة من أهم شركات الحديد المملوكة للدولة (الدخيلة) من خلال القروض المصرفية، إذ فتحت له البنوك أبوابها على مصراعيها، وكذا من خلال تضخيم الأصول والتلاعب في دراسات الجدوى، وشراء مصنع حديد خردة من الخارج، وإعادة تقييمه بسعر أعلى وإدخاله ضمن بند الأصول.
هذه المؤهلات دفعت بالرجل لأن يكون الرجل القوي في الحزب الوطني الحاكم في نهاية فترة مبارك، فقد شغل منصب أمين التنظيم، وأن يتسابق نحوه الوزراء والمسؤولون ورؤساء الأحزاب لكسب رضاه وأحياناً ماله، وأن يمتلك ثروة طائلة ناهزت 18 مليار جنيه في عام 2010 بما يعادل 3.2 مليارات دولار بأسعار ذلك الوقت.
ومن العزف على البيانو في فترة الثمانينيات إلى العزف في السياسة، انطلق أحمد عز بسرعة الصاروخ في عالم البزنس والمال والصناعة والسياسة ليترأس واحدة من أخطر لجان البرلمان في ذلك الوقت وهي لجنة الخطة والموازنة، وليجلس على كرسي أباطرة الاقتصاد في مصر مثل د. علي لطفي وغيره.
وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011 حدث ما حدث لأحمد عز، إذ تم اتهامه في ثلاث قضايا منها التربح بقيمة خمسة مليارات جنيه، والإضرار العمدي بالمال العام، والاستيلاء على شركة الدخيلة للحديد التي كانت فخر صناعة الحديد في منطقة الشرق الأوسط.
وفي مارس/آذار من عام 2013 قضت محكمة الجنايات في الجيزة بسجن أحمد عز 37 عاماً وتغريمه بملياري جنيه، وفي أغسطس/آب 2014 خرج الرجل بكفالة قيمتها 250 مليون جنيه عن القضايا الثلاث المتهم بها، ثم تم خفض الكفالة بشكل حاد في جلسات لاحقة.
وبعد خروجه من السجن اعتزل عز العمل السياسي والعمل العام، إلا أنه وبعد عامين من الصمت، خرج علينا يوم الأربعاء الماضي بمقال في صحيفة “المصري اليوم” تحت عنوان “دعوة للتفاؤل” يؤكد فيه أن تحليل مؤشرات الاقتصاد المصري يشير إلى ست ملاحظات رئيسية، مضمونها أنه لا مبرر للتشاؤم أو الانزعاج المبالغ فيه، ولذا يدعو الجميع للتفاؤل.
ويخلص عز في مقاله إلى أن “الأزمة التي نمر بها لا تتطلب انزعاجاً. عجز الموازنة.. الدين العام.. الديون الخارجية. تقييم آثارها ليس بقيمها وأرقامها المجردة، وإنما من خلال تنسيبها لحجم الاقتصاد. النمو كفيل بتجاوز هذه المشكلات. النمو هو مفتاح الحل”.
مقال عز يدعو المصريين للتفاؤل لا إلى التشاؤم، لأنه كما جاء به فإن مصر مرت بأزمات أعنف من تلك التي تمر بها البلاد حالياً، وأنه إذا كان البعض يسوق أرقاماً ليدلل على عمق الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تمر بها مصر حالياً، فإن أرقام سنوات مضت كانت أسوأ وأكثر ظلامية من الأرقام الحالية.
مقال عز يحمل العديد من المغالطات، فهو يتحدث عن أرقام مجردة تشبه تلك التي كانت تطلقها حكومات مبارك المتعاقبة، خاصة في نهاية عهدها، كمعدلات النمو التي كانت تفوق 7% سنوياً، والاستثمارات الأجنبية الضخمة التي كان يتم جذبها من الخارج، رغم أن معدلات النمو في أيام مبارك لم تنعكس على حياة المواطن.
كما كان الجزء الأكبر من الاستثمارات الأجنبية يوجه لقطاعي البترول والعقارات، أو عبارة عن حصيلة بيع أصول وشركات تابعة للدولة مثل بنك الإسكندرية وشركة الاتصالات الثالثة، ولم تكن موجهة لاستثمارات مباشرة أو لقطاعات حيوية مثل الصناعة.
عز تحدث في مقاله عن تعافي مصر من الأزمات التي مرت بها في فترتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ونسى أو تناسى أن مصر كانت تنعم بحالة استقرار سياسي نسبي في ذلك الوقت ساعدها على التعافي من بعض هذه الأزمات.
كما لعبت عوامل خارجية دوراً مهماً في التخفيف من الأزمات الاقتصادية التي كان الاقتصاد يعاني منها في فترة حكم مبارك مثل إسقاط نحو 50% من الديون الخارجية المستحقة على مصر، والتي تجاوزت 52 مليار دولار في عام 1991 بسبب مشاركة البلاد في حرب الخليج الثانية ومساندة الكويت ودول الخليج ضد العراق.
والملفت أن أحمد عز لم يتطرق في مقاله من قريب أو بعيد إلى المساعدات الخليجية التي تلقتها مصر منذ 3 يوليو/تموز 2013 وحتى الآن، والتي تجاوزت بكثير 60 مليار دولار وكيف أنه لم تتم الاستفادة منها في تعويم الاقتصاد وإخراجه من كبوته.
والملفت ثانياً أن أحمد عز وضع مصر وفرنسا واليابان وألمانيا وإيطاليا في سلة واحدة من حيث الأزمات الاقتصادية ليقول لنا إن العالم كله يتعرض لأزمات، وهذا تضليل واضح لأن اليابان على سبيل المثال لم تشهد قفزات في الأسعار أو تنامياً في معدلات الفقر والبطالة، وأن مشاكلها هيكيلة تتعلق بمؤشرات الاقتصاد وزيادة حجم الدين وتراجع معدلات النمو.
والملفت أن عز تفادى الحديث مطلقاً في مقاله عن تأثيرات الأزمة السياسة التي تمر بها البلاد حاليا على الاقتصاد طوال السنوات الثلاث الماضية، وفشل الإدارة الحاكمة الذريع في إدارة ملف الاقتصاد، أو تخفيف حدة الأزمات المعيشية المتواصلة.
السؤال: ما هي الرسائل التي يود أحمد عز أن يبعث بها للمصريين من خلال المقال، هل يبعث رسالة تخدير للمصريين كما كان نظام مبارك يبعث بها في نهاية حكمه، أم رسالة للنظام الحاكم مفادها أنه موجود وعلى أتم استعداد لتقديم خدماته ونصائحه وأمواله؟
أم يرسل رسالة بأن نظام مبارك تغلب على كل المشاكل الاقتصادية المتلاحقة التي كانت تواجهه مع توفير استقرار سياسي للبلاد؟
الغريب أنه في اليوم التالي لرسائل التفاؤل التي بعث بها أحمد عز للمصريين، خرجت علينا شركته، حديد عز، لتؤكد تفاقم خسائرها في النصف الأول من العام الجاري لتبلغ 376.4 مليون جنيه.
فيتو