كيف تعمل إسرائيل على منع سقوط نظام السيسي؟
عبر الكثير من رجال الرأي الإسرائيليين في فترات سابقة، عن حظهم الكبير بتمكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من السيطرة على مقاليد الحكم في مصر، ووصفوه بالحليف الإستراتيجي، وحامي اتفاقية «كامب ديفيد».
تغير الوضع في الأيام الأخيرة نحو القلق على مصير الحليف السيسي، فالمتابعات الإسرائيلية الدقيقة للشئون المصرية الداخلية تشير إلى عديد التهديدات التي تواجه النظام المصري، لعدة أسباب، أبرزها تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وسخط الشاب المصري من النظام السياسي، لذلك سارعت إسرائيل لتكثيف المساعدات الاقتصادية والعسكرية والاستخبارية والسياسية لنظام السيسي، من أجل تمكينه، بل حملت إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية التخلي عن النظام المصري، وطالبت الأمريكان بتوظيف المزيد من الموارد لدعم نظام السيسي.
إسرائيل تتوقع انهيار النظام المصري
تنتاب إسرائيل حالة من القلق بسبب الهديدات التي تحيط بالنظام المصري، والتي قد تؤدي إلى عدم قدرته على الصمود للعام المقبل، فخسارة السيسي الذي تربطه بإسرائيل منظومة علاقات وثيقة، وتحالف أمني غير مسبوق ستكون مفجعة، كونه تصدى بشكل كبير لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وعمل بصرامة تجاه قطاع غزة، وتجاه سيناء التي تشكل أحد أهم المناطق الجغرافية المثيرة للمخاوف على الأمن الإسرائيلي.
وتخرج نتائج أبحاث إسرائيلية، أعد أهمها في شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» لتؤكد «أن إسرائيل تنطلق من افتراض مفاده أن مواصلة تأمين الدعم السياسي، وتدفق المساعدات الاقتصادية للنظام المصري مهم جدًّا، على اعتبار أنهما قد يسهمان في تقليص فرص انهياره»، وتؤكد معلقة الشؤون العربية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سمدار بيري، على: «أنّ قلقًا يسود دوائر صنع القرار في تل أبيب على مصير نظام السيسي، وأن تل أبيب تدرك أن نظام السيسي يمر بأزمات أمنية، واقتصادية، وسياسية، ودبلوماسية»، وتابعت القول: «مشاكل السيسي تزداد، وأجهزته الأمنية لم تعد قادرة على مواجهة النزاعات الداخلية، واستشراء الفساد تسبب في تهاوي ثقة المصريين بنظام السيسي».
وسبق أن اعتبر وزير الإسكان الإسرائيلي «يوآف غالنت» أن عدم الاستقرار في مصر له تداعيات خطيرة أكثر من تداعيات الوضع في العراق ولبنان، وقال: «إن من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة مواصلة دعم النظام الحالي في مصر، فالسيسي أكثر ليبرالية من الرئيس المعزول محمد مرسي الذي انتخب بطريقة ديمقراطية، وهو الرجل الصحيح في الموقع الصحيح، غير أنه يواجه مشاكل عصيبة، لذلك على إسرائيل أن تتدخل من أجل مصر».
أما الكاتب «يوني بن مناحيم» فقد رأى في إطار التعليق على التحرك المصري لإحياء المفاوضات أن السيسي قد يواجه مصير الراحل أنور السادات، ويضيف مناحيم في مقاله على موقع »نيوز ون« الإخباري أن »الغرض المصري من الحراك السياسي الأخير يهدف إلى حرمان تركيا من أي موطئ قدم لها في قطاع غزة، وعودة القاهرة لدورها التاريخي في قيادة العالم العربي عبر بوابة القضية الفلسطينية«، وأضاف الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية »بن مناحيم»: «عقب خطاب السيسي الأخير، الذي دعا فيه لتجديد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، صدرت تهديدات ضده من الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة، وهو ما قد يجعل مصيره مشابهًا لمصير الرئيس المصري الراحل أنور السادات«.
الخروج من «محور السعودية»
استبشرت إسرائيل أخيرًا بعد تحالف النظام المصري مع السعودية، على اعتبار أن قرب الحليف السيسي؛ مما تعتبره إسرائيل »محور الاعتدال«، يزيد من فاعلية القوى الإقليمية العربية المناهضة لإيران، ويحقق أكبر قدر من التأثير في مواجهة إيران.
لكن هذه السعادة الإسرائيلية لن تدوم بعد حدوث الأزمة السعودية المصرية التي أضعفت السيسي سياسيًّا واقتصاديًّا، وهو ما نجم عنه انفتاح مصر على إيران وروسيا والصين، هذا الانفتاح تراه إسرائيل سيفضي لإخلال التوازن الإستراتيجي في المنطقة، بعد أن فقد السيسي السعودية التي ترى في إيران مصدر التهديد الأول على أمنها، كما إسرائيل.
ويظهر تقرير أعده »مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة« أن: »الخلاف بين نظام السيسي والسعودية يهدد بانهيار المحور السني المعتدل، الذي يساعد على مواجهة الإرهاب السني، ويساهم في التصدي لإيران«، ويشير المركز المرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب إلى: »أن انهيار هذا المحور يوجه ضربة قوية لرؤية السلام الإقليمي التي يتشبث بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، القائمة على تحقيق تسوية سياسية للصراع تتجاوز الفلسطينيين، وتضمن لإسرائيل الاحتفاظ بخارطة مصالحها في الضفة الغربية«.
إسرائيل تدعم السيسي بمشاريع اقتصادية
أدركت إسرائيل خطورة تبعيات تدهور الوضع الاقتصادي، وتدهور أوضاع المعيشة في مصر، بعد تراجع قيمة العملة المصرية، واضطرار رجال الأعمال المصريين للتعامل مع السوق السوداء، بعد فرض قيود من قبل البنك المركزي المصري على استخدام الدولار.
ومما يزيد من التخوف الإسرائيلي التوقعات بألا يحدث تغيير ملموس على الأوضاع الاقتصادية خلال عام 2017، خاصةً أن رغبة مصر بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، قوبل بسلسلة شروط من شأنها زيادة حالة الغليان العامة، وترى إسرائيل أن التحدي الاقتصادي هو أكبر تحدي لحليفها السيسي، والذي سيصيب إسرائيل بالضرر البالغ في حالة انهيارية، فزعزعة الاستقرار الأمني لمصر ستهدد الأمن الإسرائيلي.
وسارعت إسرائيل لمد يد العون لنظام المصري حفاظًا على استقراره، وأخذت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث بشكل واضح عن آليات مساعدة النظام المصري اقتصاديًّا، وحسب صحيفة »يديعوت أحرونوت« عدة مشاريع استثمارية ستنفذ من قبل إسرائيل بناءً على طلب مصري، وذلك بعد سنوات من غياب التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتتعلق أبرز هذه المشاريع بالمياه، في ظل مخاوف انحسار مستوى مياه نهر النيل، كذلك تستعد إسرائيل لدخول مجالات الطاقة الشمسية، وإنتاج الطاقة والزراعة والري والغاز بمصر، بالإضافة إلى قطاع السياحة الذي يعاني من أزمة خانقة.
ويكشف المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، أنّه من المرتقب قيام إسرائيل بتنفيذ عدة مشاريع استثمارية في مصر، وقال فيشمان: »مصر قدّمت لإسرائيل قائمة تطلب فيها التعاون لإنجاز مشاريع إنماء وتطوير للبنى التحتية، ومن المشاريع التي تطلب فيها مصر المساعدة إسرائيلية، مشروع لتحلية مياه البحر، وذلك بفعل انخفاض منسوب المياه في نهر النيل إلى درجة تهدد قدرتها بعد عقد من الزمن، على توفير مياه الشرب، ومياه الري للزراعة، في ظل الكثافة السكانية«.
من جانبه، يقول الخبير الإسرائيلي باقتصاديات الشرق الأوسط دورون باسكين: »إن تل أبيب ترى في السيسي حليفًا، خاصةً بسبب سياسته الصارمة تجاه حركة حماس، والحرب التي يشنها ضد الجهاديين في سيناء، لكنه يفقد المزيد من شعبيته بأوساط المصريين في الساحة الداخلية، كما أن السيسي وفريقه الاقتصادي لم ينجحوا في إنقاذ الاقتصاد من الورطة التي وقع فيها، حيث ثبت عدم جدوى الخطوات التي قاموا بها«.
غضب إسرائيلي من تراجع الدعم الأمريكي للسيسي
عمل كبار مستشاري الحكومة الإسرائيلية على إقناع الأمريكيين بتقديم دعم للنظام المصري، بهدف الحفاظ على حليفهم و«حامي اتفاقية كامب ديفيد»، لذلك لم يكن مفاجئًا الكشف عن أن من دفع مجلس الشيوخ الأمريكي للموافقة على تقديم مبلغ مليار ونصف المليار دولار لمصر هم الإسرائيليون.
لكن يبدو أن الأمور في الفترة الأخيرة لم تكن متوافقة مع الرغبة الإسرائيلية بتحرك الأمريكان بقوة لدعم السيسي، إذ أبدت إسرائيل مخاوفها من احتمال حدوث تحوّل في موقف الإدارة الأمريكية تجاه النظام المصري، وعلى سبيل المثال، شكل اعتزام الولايات المتحدة سحب قواتها من إحدى القواعد العسكرية في شبه جزيرة سيناء جزئيًّا، قلق لإسرائيل التي دعت مرارًا وتكرارًا الأمريكيان لاستثمار تجاوب السيسي مع الرغبات الإسرائيلية في محاربة الحركات «الإرهابية»، لذلك عنونت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقرير صحافي نشر مؤخرًا بـ«الولايات المتحدة تتخلى عن السيسي، وهذا سيؤثر بشكل جدي على إسرائيل«، وكشفت الصحفية عن إجراء اتصالات إسرائيلية- أمريكية في الآونة الأخيرة لبحث الوضع المصري، في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية في مصر، مؤكدة على أن «المباحثات مع الجانب الأمريكي ركزت على ضرورة انعاش الاقتصاد المصري خلال العام المقبل، والعمل على منع تقويض حكم السيسي«.
تقول الكاتبة اليمينية الإسرائيلية «كارولين كليغ»: «إن الولايات المتحدة الأمريكية تمهد الطريق للتخلي عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، وعلى إسرائيل بذل أقصى جهودها للوقوف بجانب الرئيس السيسي»، وأضافت كليغ في مقال بصحيفة «معاريف» بعنوان «الخروج من مصر»، «أعلنت القيادة الأمريكية للقوة نيتها إخلاء القاعدة في العريش، ونقل مركز الثقل لقاعدة على مقربة من قناة السويس، فضلًا عن وجود تقارير هذا الأسبوع عن أن القوة الكندية تدرس إخلاء قواتها من سيناء تمامًا أو نقلها للسويس».
وترجع كليغ تغير الموقف الأمريكي من مصر إلى الخلاف المتعلق بسجل حقوق الإنسان في مصر، وقالت كليغ: «الاعتبار الذي يجب أن يحكم الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع نظام السيسي، هو دوره في مواجهة تنظيم (ولاية سيناء) المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وما قد يترتب على إسرائيل تبعًا لذلك«، وتابعت القول: «الأمريكيين غير معنيين بكل هذا، وبدلًا من دعم الرئيس المصري في حربه ونضاله ضد الجهاديين، فإن إدارة أوباما تمهد الطريق للتخلي عن السيسي، من الصعب تفهم ما تتبناه واشنطن من سياسة متعنتة تجاه القاهرة، وهي السياسية التي لا تتسم بأي منطقية، لكن لا مفر، وهذا الوضع يدفع تل أبيب إلى فعل كل شيء لدعم السيسي«.
من جانبه يقول الكاتب الإسرائيلي رؤوبن باركو «:يبدو أن الأمريكيين، الذين يتواجد جزء من جيشهم في قطر، إلى جانب الأوروبيين، ومعهم شريكتهم تركيا في حلف الناتو يتبعون سياسة بعدي الطوفان، وسلموا بتقسيم الشرق الأوسط الآخذ في الاضمحلال، ما بين الإسلاميين السنة المتآمرين، وبين الإيرانيين الغزاة الذين يسيطرون على مواقع مهمة ورأس جسر في العراق وسوريا ولبنان وكذلك في البحرين واليمن، ويتحرك كلا المعسكرين السني والشيعي الآن باتجاه سباق للتسلح، ومواجهة حاسمة مدمرة عصيّة على التفادي بموازاة استكمال المشروع النووي الإيراني، في غياب عقوبات أو اتفاق ملزم لكبحه».
ساسة بوست