منوعات

«إنترنت الأشياء».. كيف تمكن القراصنة من إسقاط شبكة الإنترنت في أمريكا؟

نقلت شبكة بي بي سي البريطانية عن خبراء أمنيين متخصصين في القرصنة الإلكترونية قولهم إن القراصنة الذين شنوا هجمات يوم الجمعة 21 أكتوبر (تشرين الأول) على شبكة الإنترنت بالولايات المتحدة، استخدموا أجهزة منزلية متصلة بالإنترنت، مثل كاميرا الدوائر التلفزيونية المغلقة والطابعات.

وذكر الخبراء أن أبرز المواقع التي تعرضت للهجوم شملت مواقع «تويتر» و(Spotify) و(Reddit)، وجميع هذه المواقع تستخدم شركة تسمى «دين – Dyn»، من أجل تحويل المستخدمين إلى واقعها الإلكترونية. هذه الشركة تحديدًا كانت هي هدف الهجوم القوي.

و«دين» هي خدمة من خدمات الدي إن إس (DNS) – نظام اسم الخادوم الخاص بالمواقع – وتمثل دليل الهاتف بالنسبة لشبكة الإنترنت، والتي توصل المستخدمين إلى عنوان الإنترنت حيث يوجد الموقع الذي يريد المستخدم الدخول عليه. هذه الخدمة تمثل جزءًا حاسمًا فيما يتعلق بالبنية التحتية لشبكة الإنترنت.

هذه الخدمة تعرضت يوم الجمعة لهجوم يسمى «DDoS» والتي تعني «هجمات الحرمان من الخدمات». وتتم هذه الهجمات عبر إغلاق المواقع بسيل كبير من البيانات غير الهامة أو غير ذات قيمة، ويجري إرسالها عبر أجهزة مصابة ببرامج معينة، مما يمكن القراصنة من الهجوم عن بعد بإرهاق المواقع بسيل البيانات، مما يتسبب في بطيء خدمة الإنترنت وحدوث زحام كبير على المواقع المستهدفة.

ويعتقد المحللون الأمنيون الآن أن هذا الهجوم استخدم «إنترنت الأشياء – Internet of things» – الأجهزة المنزلية الموصولة على شبكة الإنترنت – لإطلاق الهجوم. فما هي هذه التقنية تحديدًا؟ وكيف تتم؟

إنترنت الأشياء

إنترنت الأشياء، ويعرف اختصارًا باسم (Iot)، هو تقنية خاصة بالارتباط بالإنترنت من خلال الأجهزة المادية والأجهزة الوسيطة (الأجهزة الوسيطة يشار إليها أيضًا باسم «الأجهزة المتصلة» و «الأجهزة الذكية»)، والمباني، وغيرها من المواد المحسوسة، التي تمثل جزءًا لا يتجزأ مع الإلكترونيات والبرمجيات، وأجهزة الاستشعار، والمشغلات، والاتصال بالشبكات والتي تمكن هذه المواد من جمع وتبادل البيانات. بعبارة أخرى (ضع فكرة المنزل الذكي في رأسك حتى يمكنك استيعاب المعنى)، فإن هذا التعبير يمثل مصطلح برز حديثًا، والذي يقصد به الجيل الجديد من الإنترنت المتمثل في الشبكات، الذي يوفر التفاهم بين الأجهزة المترابطة معًا، فهذه الأشياء تتخاطب وتتفاهم عبر الإنترنت دون تدخل من البشر. هذا الترابط يجري من خلال ما يسمى بروتوكول الإنترنت. ويشمل إنترنت الأشياء أيضًا أجهزة الذكاء الاصطناعي.

لاحظ هنا أنه لا يوجد تعريف رسمي محدد لإنترنت الأشياء، هذا الأمر يعود ببساطة لعدم وجود جهة محددة تمتلك أو تتحكم بإنترنت الأشياء. وقد ذكر أحد المواقع تعريفًا أكثر تبسيطًا جاء فيه أن «إنترنت الأشياء هو مفهوم متطور لشبكة الإنترنت، بحيث تمتلك كل الأشياء في حياتنا قابلية الاتصال بالإنترنت أو ببعضها البعض لإرسال واستقبال البيانات لأداء وظائف محددة من خلال الشبكة».

هذه التقنية أو المفهوم الجديد يتخطى المفهوم التقليدي السابق الذي يتضمن تواصل الشخص مع الحاسوب والهواتف الذكية عبر شبكة واحدة عالمية ومن خلال البروتوكل التقليدي الخاص بشبكة الإنترنت. وأهم ما يميز إنترنت الأشياء هو أنه يتيح للإنسان التحرر من المكان، بمعنى أن الإنسان يمكنه التحكم في الأدوات من دون الحاجة للتواجد في مكان محدد.

إنترنت الأشياء سيربط كل أدواتك ببعضها البعض دون تدخل منك
في عام 2013، حددت «المبادرة العالمية الخاصة بمعايير إنترنت الأشياء»، هذه التقنية بأنها «البنية التحتية لمجتمع المعلومات». ويسمح إنترنت الأشياء للأجهزة المادية بأن تكون حساسة أو أن يتم التحكم فيها عن بعد، عبر البنية التحتية للشبكة الحالية، وهو ما يؤدي إلى خلق فرص لمزيد من التكامل المباشر بين العالم المادي والنظم الحاسوبية، ويؤدي إلى تحسين الكفاءة والدقة والفائدة الاقتصادية.

وعندما يزداد تكامل وربط إنترنت الأشياء مع أجهزة الاستشعار والمحركات، ستصبح التكنولوجيا مثالًا على فئة أعم من الأنظمة الإلكترونية المادية، والتي تشمل أيضًا تقنيات مثل الشبكات الذكية والمنازل الذكية والنقل الذكي والمدن الذكية. ويقدر الخبراء أن إنترنت الأشياء سيتألف من نحو 50 مليار جسم بحلول عام 2020.

ويقصد بالأشياء هنا أي جهاز أو طرف معين يمكن تعريفه على شبكة الإنترنت من خلال إلصاق بروتوكول الإنترنت (IP) به. هذا يعني أن هذه الأشياء يمكن أن تكون غير محدودة، مثل السيارة والتلفزيون ونظارات «جوجل» وساعات «أبل» والثلاجات وأجهزة الإنذار وأجهزة فتح وغلق الأبواب، وصولًا إلى الكائنات الحية الأخرى مثل الحيوانات. فهذه الأشياء هي حرفيًا كل الأشياء المحيطة بنا.

تطور الإنترنت

ويمكننا أن نستوعب الكلام السابق بصورة أقل تعقيدًا، إذا ما تابعنا تاريخ تطور الإنترنت، وعليك هنا أن تتصور الإنترنت بأنها مجرد شبكة توصيل ليس إلا.

في الفترة بين الحرب العالمية الثانية وبين مطلع تسعينيات القرن الماضي، كانت شبكة الإنترنت حكرًا على الاستخدامات العسكرية التابعة للجيش الأمريكي فقط، ليصدر قرارًا تاريخيًا بعد ذلك بفتح الشبكة تجاه الاستخدامات المدنية، وسط دهشة من الانتشار غير المسبوق للشبكة حول العالم. في ذلك الوقت كان هذا العصر هو عصر الحواسيب المكتبية.

مع انتشار تكنولوجيا الهاتف النقال وتطوره بشكل سريع، ظهرت تكنولوجيا خاصة بالهواتف الذكية والهواتف اللوحية وغيرها؛ مما أنتج خدمات موازية خاصة بنقل البيانات عبر الهاتف مثل (2G – 3G – 4G)، فتحت الباب على مصراعيه لانتشار وتوسع ظاهرة التواصل الاجتماعي إلكترونيًا، هذا الأمر أدى لظهور جيل ثالث من شبكة الإنترنت يسمى الإنترنت الدلالي (semantic web)، والذي يقصد به توافر أدوات للإنترنت، مثل محركات البحث، وتتمثل أهمية هذه الأدوات في بناء روابط بين المفاهيم ودلالة المفردات.

في نفس هذا الوقت، كان هناك عملية توسع موازية تجري على صعيد استخدام تكنولوجيا الأجهزة الذكية المزودة بالمستشعرات الحساسة والمحتوية على الخوارزميات البسيطة، والمحتوية على التكنولوجيا التي تعمل بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، أضف إلى هذا تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، وإمكانية توصيل الأجهزة سلكيًا ولاسلكيًا («الواي فاي» و«البلوتوث» مثلًا). هذا التطور هو ما سمح لاحقًا بظهور ظاهرة التخاطب بين الأجهزة المختلفة من خلال شبكة الإنترنت.

سوق ينمو بلا توقف

طبقًا لبعض المعلومات التي نشرتها مواقع أجنبية مثل بيزنس إنسايدر، فيتوقع أن يبلغ سوق إنترنت الأشياء خلال عام2020 أكثر من ضعفي حجم أسواق كل من الحواسيب والهواتف النقالة والأجهزة اللوحية مجتمعة.

ويتوقع أيضًا أن يصل إجمالي إيرادات سوق إنترنت الأشياء عام2020 قرابة600 مليار دولار أمريكي، وسنضطر نتيجة لهذا النمو الجبار إلى إنشاء وحدات قياس جديدة خاصة بحجم البيانات. في البداية كان العالم يتكلم بالكيلوبايت كوحدة كبيرة، ثم ظهرت الميغابايت، والجيجابايت، وخلال الأعوام القليلة الماضية ظهرت أجهزة وبيانات يجري التعامل بها بالتيرابايت، لكننا بحلول عام 2020، سنضطر للتعامل مع وحدة جديدة تسمى «إكسابايت» (الأجهزة المرتبطة بإنترنت الأشياء يتوقع أن تولد كمية بيانات تقدر بحوالي40 إكسابايت بحلول عام 2020).

إكسابايت= تريليون جيجابايت. وإذا تحدثنا عن40 إكسابايت، فنحن نتحدث تقريبًا عن تسجيل جميع الكلام الذي نطق به البشر منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا وبجودة عالية.

ويتوقع الخبراء أن تكون أنظمة المنازل الذكية هي السوق الأكبر لإنترنت الأشياء في قطاع المستهلكين، لكن على الصعيد الحكومي، ستشكل أنظمة البنية التحتية بالطبع أهم سوق إنترنت الأشياء.

كيف سيصبح العالم مع إنترنت الأشياء؟

موقع عالم التقنية، ذكر لنا بعض النماذج المتوقعة لما سيكون عليه عالمنا في ذروة حقبة إنترنت الأشياء، فذكر أنك ستستيقظ من نومك وتدخل الحمام لتنظف أسنانك، لتخبرك فرشاة أسنانك الذكية بالوقت الذي استخدمتها فيه، وما إذا قمت بتغطية جميع أجزاء أسنانك خلال عملية التنظيف.

عندما ترتدي ملابسك، ثم تقف أمام المرآة الذكية، ستجد معلومات كاملة عليها عن حالة الطقس وآخر التحديثات عن حالة المرور في الطرق الواصلة إلى مكان عملك، بالإضافة لأبرز وأهم الأخبار، وعندما تتجه لشراء قهوتك الصباحية، سيمكنك أن تطلب من البائع أن يضعها لك في كوبك الذكي الذي سيخبرك بنوع القهوة الموضوعة به.

إذا أردت تشغيل التكييف في مكتبك، فكل ما عليك فعله هو فتح تطبيق التكييف على هاتفك الذكي، وعند عودتك من العمل، سيمكنك فتح تطبيق الثلاجة الخاصة بك؛ لتعرف ما يوجد بها من مأكولات ومشروبات، وما إذا كنت بحاجة إلى صنف ما ناقص. بالمناسبة، فإن أغلب هذه الأشياء هي تكنولوجيا موجودة بالفعل ويمكنك شراؤها.

ساسة بوست