مصر لا تقف موقفاً الا فيه مصلحتها بغض النظر عن اخلاقيات الموقف
مصر امتصت الصفعة السعودية وسارت على الجليد للوصول لروسيا
هل تصمت أمريكا والدب الروسي يسرح ويمرح في مرعاها القديم؟
روسيا تقود علاقتها الاخطبوطية بصورة احترافية اربكت أمريكا
• إبراهيم أرقي – مهتم بالشأن الخليجي
• سنوات اوباما قلبت الطاولة على العلاقات الإستراتيجية بين أمريكا والشرق الأوسط حيث كانت الكلمة العليا لها في كل ما يتعلق بالجوانب السياسية والعسكرية خاصة مع دول الخليج ومصر فكانت أمريكا هي سيدة الموقف وهي الآمر والناهي.
• لكن بعد ثورات 2011م ظهر وجه أخر لأمريكا لم يألفه الجميع وظهرت سياسات وعلاقات إستراتيجية جديدة جعلت تلك الدول تعمل خطوات تنظيم لعلاقاتها مع أمريكا لتحديد مسارها ودراسة المستجدات الجديدة الطارئة واتجاهاتها.
• أمريكا قلبت وجهها إلى السعودية ومصر والبحرين والإمارات واليمن ومدت يدها بيضاء من غير سوء إلى ما كان يعتقد أنها العدو اللدود لها وهي إيران المشهورة بعدائها الظاهر لأمريكا إبان الثورة الخمينية الإيرانية، تشهد على ذلك لافتاتها المعلقة في شوارع طهران تبصم بأن أمريكا هي (الشيطان الأكبر) لذلك تستحق الموت (الموت لأمريكا).
• هذه المواقف دفعت الدول الخليجية ومصر للبحث عن حلفاء جدد سياسيين واقتصاديين من أجل (سد الفرقة) السياسية والاقتصادية التي سيخلفها مفارقة الطريق الأمريكي، وللطم أمريكا على خدها والتأكيد بأنها ليست الخيار الأوحد في العلاقات، وان كثير من الطرق تقود إلى ماسواها، فكانت روسيا هي الحليف الجديد رغم اختلاف وجهات النظر الموجعة بينهم فيما يختص بالشأن السوري وحتى الاختلاف الأيدلوجي الذي أصبح مهمشاً في ظل التداخلات الدولية الاقتصادية والسياسية.
• أمريكا أدارت ظهرها للسعودية ومصر، وكان يفترض أن ينطبق عليهما المثل (المصائب يجمعن المصابينا) لكن نجد أن الدولتين فرقت بينهما مصالح أخرى ولم تجمعهما، حيث جاء موقف مصر الأخير وتصويتها لصالح روسيا في مجلس الأمن بشان القضية السورية ملفت للنظر وشاذ من وجهة النظر العربية مما عمق نظرة الشك تجاهها ودفع السعودية لتوقيع شراكة مع شركات تركية لتصدير البترول لها وإيقاف التعامل مع مصر. كنوع من الصفعة القوية للاقتصاد المصري ولفت نظر قوي لها بأنها تسير في الاتجاه الخطأ.
• ولكن مصر الحليف الخليجي السابق لم تأبه كثيراً للصفعة السعودية وسعت للتقليل من تأثيرها سواء كان حقيقة أو مكابرة ولا اعتقد أن السعودية ستوقف خطواتها الضاغطة على الاقتصاد المصري عند هذه الصفعة ولكنها ستتخذ مزيداً من الضغوط لتأكيد قوتها وتأثيرها وصحة موقفها تجاه مصر.
• مصر قبلت التحدي وسارت على طريق معبد بالجليد للوصول إلى الدب الروسي تعميقاً للعلاقة وتأكيداً علي أن العلاقة بينهما علاقة إستراتيجية ودافعها في ذلك كثير، فروسيا هي دولة عظمى وهي أكثر الدول زفاً للسياح، ولمصر معها اتفاقيات عسكرية واقتصادية يمكن أن تشكل بديلا للقمح الأمريكي والمعونة العسكرية الأمريكية التي كانت تصل مصر أيام حسنى مبارك وأوقفت بعد أن أطاح السيسي بحكومة الأخوان وبديلا أيضاً عن المساعدات الخليجية.
• الرهان المصري على العلاقات الروسية مبنى على المصالح المشتركة بين الدولتين واعتقاد مصر بان روسيا هي الدولة العظمي الثانية في العالم وأنها يمكن أن تشكل حليف قوي مع حلفاء آخرين مثل إيران والصين لمواجهة التحديات الراهنة والمتمثل في أمريكا والإرهاب.
• هناك مشاريع إستراتيجية تم توقيع اتفاقيات في شأنها بين مصر وروسيا لكنها لم تنفذ من أهم هذه المشاريع المشروع النووى والذي تقدر كلفته بـ (25 مليار دولار)، وشراء الأسلحة الحديثة (10) مليارات دولار.
• اتفاقية بناء وتشغيل المحطات النووية لتوليد الكهرباء بين مصر وروسيا تم التوقيع عليها في نوفمبر 2015م ولكن لم تنفذ لأسباب تتعلق بالجانب المصري بالرغم من أن روسيا أرسلت مهندسيها إلى مصر للتنفيذ إلا تضارب المصالح في الداخل، والتخوف من التعامل مع روسيا في مشاريع ضخمة كهذه جلعت مصر تتردد في البدء في تنفيذ هذا المشروع مما يوحي بان مصر تتخذ علاقتها مع روسيا علاقة مرحلية للضغط على أمريكا والخليج لعودة العلاقات برؤى جديدة وفهم جديد لا تكون فيه مصر هي التابع فقط.
• ومصر كانت تتحسب لهذه المرحلة في العلاقات الأمريكية لذلك استمرت في علاقتها الجيدة مع روسيا في الكثير من الجوانب حتى العسكرية ولكن كانت العلاقات الاقتصادية بينهما هي الأقوى وقد أصدرت إدارة شئون أوروبا بجهاز التمثيل التجاري المصري التابع لوزارة التجارة والصناعة المصرية، تقريراً حول مؤشر العلاقات الاقتصادية بين مصر ورسيا الاتحادية خلال الفترة من 2012 حتى 2015.
• ذكر التقرير أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في عام 2012 نحو 3 مليارات و554 مليون و90 ألف دولار، وفي عام 2013 بلغ نحو 2 مليار و944 مليون و50 ألف دولار، وفي 2014 بلغ نحو 5 مليارات و478 و50 ألف دولار، وبلغ في 2015 نحو 5 مليارات و88 مليون و820 ألف دولار، بمعدل تغير «-25.37».
• الصادرات المصرية إلى روسيا في عام 2012 بلغت نحو 342 مليون و700 ألف دولار أمريكي، وفي 2013 بلغت نحو 441 مليون و100 ألآف دولار، وفي 2014 بلغت نحو 539 مليون و800 ألف دولار، وبلغت في 2015 نحو 413 مليون و660 ألف دولار، بمعدل تغير «-23.37%».
• ما يعني ارتفاع الصادارات المصرية إلى روسيا بنسبة 22.4% خلال عام 2014 بالمقارنة بعام 2013، وانخفاضها بنسبة 23.3% خلال عام 2015 مقارنة بعام 2014، فضلًا عن ارتفاع الواردات المصرية من روسيا بنسبة 97.3% خلال عام 2014 مقارنة بعام 2013. وغيرها وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام 2008 حوالي 2.065 مليار دولار. وتشغل الخامات والمواد الغذائية وزناً نوعياً عالياً في الصادرات الروسية بينما تشكل المنتجات الزراعية والسلع الاستهلاكية البنود الأساسية في الصادرات المصرية.
• الاقتصاد المصري منذ أن تسلم السيسي الحكم واجهته صعوبات وعقبات عدة كان أولها مطالبة قطر بمبلغ الـ 3 مليار التي دفعتها إبان حكم مرسي ولكن أكثر الأحداث التي اثرت كثيرا في الاقتصادي المصري هي إيقاف السياح الروس من الذهاب الى مصر بعد حادثة الطائرة الروسية التي تحطمت قرب العريش وسط شبه جزيرة سيناء ووفاة ركابها الـ 224 معظمهم من الروس.
• السياحة تعتبر مصدر دخل مؤثر جدا في ميزانية مصر وترفد الميزانية بمليار دولار سنوياً وتعد السياح الروس مصدراً مهماً لدعم موارد مصر من العملات الصعبة، ومحركاً لتنشيط عدة قطاعات أخرى، خصوصا أنها يمثلون 50% من إجمالي السياحة الوافدة إلى مصر. ويمثل الروس الرقم الأول من حيث وصل عددهم في عام 2008 زهاء 1.8 مليون شخص وهو رقم غير مقارن بأي أرقام أخرى من السياح من أي دولة أخرى.
• وفي عام 2014، حافظت مصر على مكانتها كأهم وجهة سياحية للمواطنين الروس، وبلغ عدد السياح الروس، الذين زاروا مصر لأول مرة في ذاك العام 47% من جملة الوافدين.
• مصر سعت جاهدة لتنشيط وزيادة العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياحية بينها وبين روسيا خاصة في ظل المواقف المتأزمة بينها وبين أمريكا وايقاف أمريكا دعمها لمصر سواء للجيش او للاقتصاد.
• روسيا كانت من الدول التي أعلنت وقف الخضروات والفواكه المصرية بعد إعلان أمريكا أن الفراولة المصرية المجمدة تحتوى على فضلات بشرية وإنها تتسبب في مرض التهاب الكبد الوبائي وأعلنت إيقافها. ثم تبعتها عدة دول من ضمنها روسيا، ولما كانت روسيا هي الدولة الأكثر استيرادا للخضروات والفواكه المصرية كثفت مصر تواصلها مع روسيا ودعمها لها مما حدا بروسيا رفع الدعم عن هذه المحظورات وسمحت باستيرادها.
• مصر كان لا بد لها أن تكافئ روسيا على مواقفها الايجابية تجاهها وللتقرب منها أكثر فأكثر فكان موقفها المشهود في مجلس الأمن حيث صوتت لصالح الفيتو الروسي ضد مشروع القرار الفرنسي الإسباني حول وقف إطلاق النار في حلب.
• هذا الموقف اغضب العرب منها خاصة الدول الخليجية وبالأخص السعودية حيث أعلنت شركة (أرامكو) السعودية وقف صادرات المشتقات النفطية إلى مصر عن شهر أكتوبر، بموجب اتفاق موقع مع الهيئة المصرية العامة للبترول، في ربيع العام الجاري – وارامكو السعودية تغطي 40% من احتياجات مصر من المشتقات النفطية.
• الموقف الروسي من الحرب السورية كان لمصر كطوق نجاة فأعلنت مصر انحيازها للجانب الروسي في حربه ضد الإرهاب ودعم الموقف السوري الرسمي في القضاء على الإرهاب والمعارضين له وهي بذلك تخطو خطوه تجاه روسيا.
• أيضا وهذا مهم جدا أن مصر تخاف من انتصار المعارضة والتي يشكل فيها الأخوان المسلمين ضلعا أساسيا وإزاحة حكم الأسد ومن ثم إمكانية تطبيق هذا النموذج في مصر لإزاحة حكم السيسي لذلك سعى النظام المصري لإعلان موقفه الداعم للنظام السوري من اجل خمد هذه الثورة وإبطال مفعولها والقضاء عليها. ويكون بذلك ضرب عصفورين بحجر قضى على الأخوان وهزم تخطيط قطر وتركيا وقرب من روسيا كثيراً.
• مصر الرسمية لا تقف موقفاً إلا وهي تضع نصب أعينها مصلحتها أولاً بغض النظر عن أخلاقيات الموقف ولكن الأهم عندها مصلحتها.
• إضافة إلى ذلك فان الموقف المصري يأتي مغايراً للموقف التركي والموقف القطري والموقف السعودي والذين تعتبرهم مصر يسعون لان يكونوا أندادا لها هي (أم الدنيا) وحامي حمى العروبة وقائدتهم، إضافة لمواقف تركيا وقطر من الحكومة المصرية وموقفهم الداعم للإخوان المسلمين وضد حكم السيسي.
• الموقف المصري دفع روسيا والتي هي أيضا تبحث عن تحالفات مع دول لها اعتبارها ووزنها في الشرق الأوسط دفعها للتواصل إيجابا مع النظام المصري خاصة في ظل الجفاء مابين مصر وأمريكا وروسيا وأمريكا والقاعدة تقول (عدو عدوي صديقي).
• أرادت روسيا ومصر أن يقفزا بالعلاقات بينهما إلى مستوى متقدم فكانت المناورات العسكرية بنيهما تحت اسم (حماية الصداقة 2016م) تحت عنوان (مكافحة الإرهاب) وهي الأولى بينهما على مدى التاريخ الحديث، وهما أرادا أن يسكتا أي نقد لهما أو تطاول عليها فكانا أن اختارا ذات العنوان الذي يتدثر به الغرب وأمريكا في محاربتها لأي مجموعات أو دول ترفع صوتها فوق صوتهم أو تسعى لان تستقل بعيدا عنهم حيث كان يسلط عليها سلاح الإرهاب وعندما تأتي روسيا ومصر ويعلنا محاربة الإرهاب سيصمت الجميع ولان يتجرأ أحد ليقول لهما لا.
• المناورات شملت عمليات إنزال لآليات عسكرية وقوات مظلية روسية من الطائرات، وتُعتبر الأولى للجيش الروسي في مصر وإفريقيا، واستهدفت التدريب في المناخ الصحراوي المصري.
• إذاً روسيا تريد أن تستغل علاقتها مع مصر أفضل استقلال وهي تنظر بعيداً بعد دخولها لمنطقة الشرق الأوسط بجيشها وسلاحها وصواريخها في روسيا وهي بذلك تتحسب لأي طارئ يمكن أن يحدث في ظل علاقاتها المتمددة في الشرق الأوسط وإفريقيا ولا نريد أن نسبق الأحداث ونقول أن روسيا تتحسب لخوض معارك أخرى في مواقع أخرى قد يكون مسرحها أفريقيا أو الشرق الأوسط وهي بذلك تدرب جيشها تهيئة على مناخات أخرى مختلفة عن المناخات الروسية أو الآسيوية.
• هناك ملاحظة مهمة وهي أن السعودية والدول الخليجية في ظل جفاء العلاقات الأمريكية الخليجية يممت وجهها شطر آسيا خاصة دولتي روسيا والصين وهما من الدول القوية والتي تشكل قطب منافس للقطب الأمريكي.
• إذا روسيا تلعب على كل الحبال في علاقاتها تمد رجلها في الخليج ورجلها الاخرى في مصر وقلبها وعقلها في سوريا وإيران، علاقة أخطبوطية تلعب على كل التناقضات وان كانت روسيا تدير هذه العلاقات حتى الآن باحترافية مذهلة ساعدها في ذلك سوء علاقة تلك الدول مع أمريكا إلا أن الواقع يقول يصعب الاستمرار في مثل هكذا علاقات مزدوجة المصالح مما يتوقع أن يحدث طلاقاً ما بينهما وبين عدد من الدول خاصة إذا أحست أمريكا بخطورة الدب الروسي الذي يسرح ويمرح في مرعاها القديم فيمكن لأمريكا أن تسعى للعمل من جديد على كسب ود تلك الدول خاصة الخليجية والتي سوف تمد لها يمينها بقوة إذا أرادت أمريكا ذلك فالدول الخليجية لم تذهب لروسيا إلا لإغاظة أمريكا والتأكيد لها أن البديل موجود.
• لذلك أتوقع فوز كلينتون سوف يقلب طاولة العلاقات الهشة القائمة الآن بين الدب الروسي وبين الدولة (الزعلانة) من أمريكا ستظهر تحالفات قديمة جديدة على الساحة السياسية.
• إبراهيم أرقي
مهتم بالشأن الخليجي