سارة جاد الله جبارة.. قصة سينمائية وبطلة دولية منحت للمرأة السودانية مجدها
تشارك المخرجة السودانية سارة جاد الله جبارة في أيام قرطاج السينمائية في إطار احتفالية الخمسينية بالتعاون مع الفدرالية الأفريقية للسينمائيين، بتقديم فيلم عن والدها جاد الله جبارة، وهو أحد رواد السينما السودانية، وأكثر السينمائيين غزارة في الإنتاج، وثق تاريخ السودان منذ استقلاله في منتصف الخمسينات ولغاية وفاته في 2008، وكان له دور في نشأة السينما الأفريقية وتمثيلها في المحافل الدولية.
تتواصل فعاليات أيام قرطاج السينمائية بالعاصمة تونس التي تستمر لغاية 5 نوفمبر المقبل، حيث تنظم في إطار تظاهرة الخمسينية المخلدة للذكرى الـ50 لنشأة المهرجان، احتفالية بالسينما الأفريقية بالتعاون مع الفدرالية الإفريقية للسينمائيين، وسيكون فيها تكريم للسينما السودانية من خلال عرض فيلم عن رائدها جاد الله جبارة الذي يعد السينمائي السوداني الأكثر غزارة في الإنتاج حيث يحفظ سجله السينمائي أكثر من 300 فيلم وثائقي و4 أفلام روائية تنوعت بين القصيرة والطويلة، كما ارتبط الفن السابع في السودان باسمه حتى بعد رحيله عام 2008.
وتحضر السينمائية والمخرجة سارة جاد الله جبارة لقرطاج لأول مرة لتقديم هذا الفيلم والحديث عن تجربتها السينمائية التي استوحتها من تجربة والدها التي تريد إكمال مسيرته حتى وهي تقارب الستين عاما.
وقصة هذه السيدة السودانية مع الفن السابع لا تقل شجاعة وجرأة ومثابرة عن مسيرة والدها الذي كان من مؤسسي الفدرالية الأفريقية للسينمائيين التي رأت النور عام 1970 بعد اجتماع الجزائر للسينمائيين الأفارقة، وكان دورها تبني سياسة جريئة لمساعدة السينما والسمعي البصري في القارة السمراء، وخلق آليات تنظيمية لفائدة القطاع وتمويل البنية التحتية لتكوين جيل من السينمائيين.
بطلة دولية وسينمائية
رحلتها مع التحدي طويلة، بدأتها قبل 58 عاما، حيث كان عمرها عامين فقط، فرغم إعاقة في رجلها، دخلت جبارة أحواض السباحة متحدية الإعاقة أولا والمجتمع السوداني المحافظ، الذي “تغاضى” عن ذكوريته التي تحكمه ثانيا، بعدما كبرت البنت الصغيرة وصارت أحلامها أحلام بلد بأكمله مثلته في الكثير من المحافل العالمية وتحولت إلى بطلة دولية حازت على أكثر من خمس وثلاثين ميدالية، ونالت بطولة الجمهورية في بلادها تسع عشرة مرة متتالية.
ولأنها رضعت أولى لبنات السينما وهي صغيرة مع والد عشقها حتى النخاع حتى بعد فقد بصره لم يترك كاميرته الصغيرة، دخلت جبارة كذلك عالم السينما وهي شابة. وبعد رحلة لمصر دامت سنوات لتلقي دروس أكاديمية في السينما والإخراج، عادت لبلدها لتكمل مسيرة والدها الذي شاركته في إنتاج فيلم البؤساء بلمسة سودانية، لتصير اليوم واحدة من السينمائيات السودانيات النادرات، في مجال يبسط فيه الرجال سيطرتهم رغم قلة الإنتاج.
وعن هذا تقول جبارة في تصريح لفرانس24 “الساحة السينمائية السودانية لا تفتقر للسينمائيات فحسب، ولكن حتى الرجال هم قلائل في هذا المجال نظرا للوضع الاقتصادي الصعب الذي تعرفه البلاد، فصناعة السينما هي فن وتجارة في نفس الوقت ولا يمكن لواحد أن يغيب الآخر لأنهما متكاملان لتقديم العمل السينمائي، فلا دور عرض موجودة ولا منتجين يملكون أموالا كبيرة لإنتاج أفلام في المستوى”. لتضيف “رغم بعض المبادرات التي ظهرت مؤخرا من قبل شباب سوداني لتصوير أفلام عن طريق كاميرات رقمية تكلفتها أقل”.
توثيق تاريخ السودان
وأنجزت جبارة العديد من الأفلام الوثائقية والأشرطة القصيرة حول وضع المرأة في السودان والعادات المجتمعية الضارة التي تمارس ضدها، حيث تقول ” هنالك العديد من العادات التي لا تزال تمارس على المرأة في مختلف المناطق السودانية، فلا تنصفها كامرأة أولا، ولا كفرد يمكنه المساهمة في بناء بلده ثانيا، كختان الإناث الذي يعود للحضارة الفرعونية، والذي خصصت له ثماني أفلام، كانت وسيلة لتوعية السودانيين خاصة الذين يعيشون في المناطق النائية حول مخاطرها”.
وتضيف “رغم الصعوبات التي واجهتها عند عرض هذه الأفلام التي تمس بالمرأة السودانية وبعض العادات البالية التي صارت بمثابة دين سماوي مقدس لا يمكن المساس بها، إلا أنني متمسكة بهذا العمل، لأن لا أحد يمكنه الحديث عن المرأة ومأساتها خير من عدسة سينمائية أنثوية”.
وتسهم جبارة بقسط كبير كذلك في توثيق تاريخ السودان سينمائيا، حيث قامت بإنجاز عدة أفلام عن مدن سودانية من زاوية أخرى كذاك الذي خصصته للعاصمة الخرطوم الحديثة في مقاربة للفيلم السوداني الذي تناول نفس المدينة عام 1974.
بالإضافة إلى مشروع تشتغل عليه بمساعدة مؤسسة التراث الألمانية لتوثيق الأشرطة السينمائية السودانية وتحويلها إلى رقمية بفضل التقنيات الغربية التي وضعت تحت تصرفها نظرا لأهمية المشروع في أفريقيا.
مليكة كركود
france24