مخاطر الدولار القوي على النمو العالمي في 2017
تتزايد مخاطر الاقتصادات الناشئة في آسيا ودول أميركا اللاتينية وأفريقيا وحتى الدول العربية غير النفطية، من تداعيات رفع الفائدة الأميركية الأخير، الذي يدعم قوة الدولار، ويزيد من احتمالات ضعف النمو الاقتصادي وهروب الأموال من هذه الدول. وكان مجلس الاحتياط الفدرالي قد قرر الأسبوع الماضي رفع سعر الفائدة الرئيسي بواقع 25 نقطة أساس، وهي عملية الرفع الوحيدة في عام 2016، مع وجود توقعات بحدوث ثلاث حالات رفع أخرى في عام 2017. ورغم ضآلة نسبة رفع الفائدة إلا أن تداعياتها كبيرة جداً على الاقتصادات العالمية، نسبة لضخامة حجم التعامل الدولاري في التجارة العالمية والاستثمارات وعمليات التمويل.
وحسب تحليل لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، يرى مسؤول تجاري أوروبي بارز، أن رفع قيمة الدولار ربما يكون بداية لحرب تجارية. وفي ذات الصدد يتوقع اقتصاديون أن تقود الفائدة الأميركية إلى تباطؤ النمو في التجارة العالمية التي تعتمد في تسويتها على دولار قوي لا تملكه معظم الاقتصادات الناشئة، التي ستكون مثقلة بتكلفة ديونها التي أخذتها بالدولار.
وبالتالي، فإذا ما نفذ الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتعهداته التي قطعها للناخبين بإلغاء بعض الاتفاقات التجارية، فإن الدولار القوي سيكون من بين أسباب نشوب حرب تجارية بين الاقتصادات الكبرى، خاصة الصين التي تواجه حالياً معدلاً كبيراً في هروب الأموال والاستثمارات من أسواقها إلى الخارج، وسط مخاوف الأثرياء من تآكل ثرواتهم. وكلما تزايدت قوة الدولار تزايد ضعف اليوان الصيني.
ومن مخاطر الدولار القوي على الاقتصاد العالمي كذلك، أنه يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال إلى خارج الأسواق الناشئة، ولاسيما تلك التي تعتمد بشدة على التمويل الخارجي. وثبت تاريخياً، أنه في كل مرة يقوى فيها الدولار، وتعود فيها الدولارات إلى الولايات المتحدة، يتضرر الاقتصاد العالمي وتبدأ دورة انكماش اقتصادي. ويلاحظ اقتصاديون أن رفع سعر الفائدة الأميركية يحد من قدرة دول الاقتصادات الناشئة على سداد ديونها بالدولار، بل وقد يُحدث اضطرابات مالية وسياسية وفي سعر الصرف بتلك البلدان.
وعلى صعيد الاقتصادات الصناعية في كتلة الاتحاد الأوروبي، يلاحظ أن رفع الفائدة الأميركية زاد من الفارق على العوائد المتحققة من الاستثمارات، وبالتالي فهنالك مخاوف على تحسن النمو الاقتصادي. ومع انخفاض قيمة سعر صرف العملات الرئيسية مثل الإسترليني واليورو، من المحتمل أن تنخفض الاستثمارات المتدفقة على هذه الدول، خصوصا بلدانا مثل بريطانيا وسويسرا والنرويج. وتحتاج البلدان الأوروبية بشدة إلى استثمارات جديدة لرفع مستويات المعيشة وتقليل معدلات البطالة.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن رفع الفائدة قد يؤثر إيجاباً على الاقتصاد الأميركي الذي يشهد قوة في النمو، وزيادة في فرص العمل وسط ارتفاع مؤشرات الأسواق المالية، وربما تقود الفائدة تلقائياً إلى خفض معدل التضخم الأميركي الذي بلغ 2.1% في المتوسط. لكن الخطوة لا تخلو من المخاطر، حيث إنها ستدعم بكل تأكيد قوة الدولار الأميركي، الذي بلغ بالفعل أعلى مستوى له منذ 14 عاماً. لكن قوة الدولار ليست كلها إيجابية على الاقتصاد الأميركي، حيث إنها ستعمل على توسيع فجوة العجز التجاري الأميركي. وعادة ما تضعف العملة المرتفعة من القوة التنافسية لصادرات السلع في الأسواق الخارجية. كما تحد من الأرباح الخارجية للشركات الأميركية. ويتناقض ارتفاع العجز الأميركي مع بعض الأهداف الاقتصادية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب. وكان ترامب قد تعهد خلال الحملة الانتخابية بخفض العجز في الميزان التجاري وتحسين ظروف العمال ذوي الدخل المنخفض.
وعلى صعيد برامج ترامب الخاصة بزيادة النفقات المالية وتسريع بناء البني التحتية، فإن قوة الدولار ربما تحد من قدرة الاستثمار الخارجي من السندات الأميركية، وسيؤدي هذا في النهاية إلى تدهور حالة عدم الاتزان في الاقتصاد الأميركي. كما يرى اقتصاديون أن وجود الدولار القوي سيخنق رغبة ترامب في إعادة فرص العمل في قطاع الصناعات التحويلية إلى الولايات المتحدة، لأن الدولار القوي يعني ارتفاع تكلفة الإنتاج بالنسبة للشركات.
العربي الجديد