تحقيقات وتقارير

وقف مع الذات لعام مضى وعام آت.. الصادق المهدي… (81) عاماً بين العام والخاص

هبط إلى مصر وله من الأمل أن تنعم بلاده بالسلم، وأن ينعم حزبه بالسكينة، وأن ينعم هو شخصياً بالعافية. الأخيرة تحققت لإمام الأنصار، زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، حد أن انتفت عنه مشكلة دهمت غدته اللعابية بدون تفاسير علمية، وبلا تدخل جراحي أصر عليه الأطباء، وهو ما يعد فعلاً غيبياً يستحق الثناء على الله، ويؤكد أن مصر مؤمنة (بأهل الله).

وبعدما اكتملت له العافية التي يقول إنها حصنها حساً ومعنى، بلوازم الإيمان، والمحبة، وانتفاء الحقد والغضب والحسد، وذّم الخمر، والدخان، والسمنة، وقلة وكثرة النوم؛ ركز المهدي في خطابه الذي درج على كتابته سنوياً بمناسبة ذكرى ميلاده، التي تصدف ميلاد المسيح عليه السلام وسماه هذه المرة (وقفة مع الذات: لعام مضى 2016 وعام آت 2017م)؛ ركز على عوامل إرساء السلام الوطني والمؤسسية الحزبية.

شؤون وطنية
لنبدأ بالوطن، فلا شيء يعدل الوطن، إذْ جدد المهدي في خطابه الذي تفوق كلماته الـ (4) آلاف كلمة، على قيمة نبذ العنف. وهو سمت رئيس في شخصية الإمام، يحاول أن يجعله متعدياً إلى أغياره، كما فعل بعد توقيعه على إعلان باريس، الذي عده فتحاً لكونه أوصد الباب أمام استخدام المعارضة للعنف، وأمن على وحدة السودان. يقول المهدي: (الغرس الذي زرعناه عام 2014م جعل قوى المقاومة الثورية المسلحة تلتزم بسودان واحد عادل بالوسائل المدنية سبيلاً إليه، وكان إنجازاً وطنياً مهماً).

وتعهد المهدي بالمضي قدماً في طريق تحقيق مطالب الشعب المشروعة في سلام عادل وشامل وتحول ديمقراطي بأقل خسائر في الدماء، من خلال تجميع الفصائل والقوى الرافضة للنظام في هيكل واحد (حد تعبيره) ذلك بالرغم من توقعه أن تجابه دعوته بسلوك عنفي من الحكومة القائمة، ولكن وإن تم ذلك فالمهدي يقول إنه لن يجدي.

ولذا من المرتقب، أن يتحرك المهدي لتوسعة مظلة (نداء السودان) لتشمل قوى الإجماع الوطني التي تملك مواقف متحفظة على منهاج وبعض قوى الإعلان. وإن كانت المهمة عسيرة، فالمهدي مصر على أن يكملها قبل عيد مولده المقبل.

الخرطوم .. أديس أبابا
جر المهدي، مسبحة الأنصار، وعدّ من (لالوبها) ما يصلح لأن يكون (زوادة) للسنة المقبلة. وكان أهم ما نوه إليه تواصلهم مع الأسرة الدولية لحين إعفاء السودان من ديونه الخارجية، ورفع العقوبات الاقتصادية عن كاهله، وإزالة اسمه من قوائم الإرهاب، وإيجاد معادلة للتوفيق بين المساءلة الجنائية والاستقرار.

بيد أن تلك الثمرات التي تشمل طريقاً ثالثاً يغمد سيف الجنائية، رهنه المهدي بإحراز الحكومة لتقدم ملموس في مسارات السلام والتحول الديمقراطي.

طريق لا يمكن المرور عليه دون بناء قنطرة بين قاعة الصداقة حيث تقام فعاليات الحوار الوطني، وقاعات فندق راديسون بلو بأديس أبابا مقر جولات التفاوض السودانية.

وفي شأن (الحوار الوطني) طالب المهدي بتجلية الموقف، وفرز المخرجات إيجابيّها وسلبيّها، ومن ثم رفد الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثابو أمبيكي بمطلوبات نداء السوان وفقاً للاستحقاقات الوطنية.

وفي حال جرى إنجاز وثيقة تجمع بين كل هذه الرؤى، فمن المؤكد أننا في طريق إنجاز ثالث بعد الاستقلال 1956م، واتفاق السلام الشامل “نيفاشا-2005م”.

العصيان المدني
أفرد المهدي في رسالته حيزاً مقدراً لمبادرة العصيان المدني، وأشاد بالنشطاء الذين دعوا لعصياني 27 نوفمبر، 19 ديسمبر لاختيارهم التعبير عن الرفض بوسائل سلمية، وهو ما يؤكد أبداً على نهجه في تبني الطروحات السلمية المعارضة. واعداً بدعم تلك المبادرة بجهود من جنسها، دون كثير إفصاح، هذا وإن أقر بشجاعة أن (القوى السياسية المدنية أيدت المبادرة، ولكنها لم تشترك في قيادتها ولا في التخطيط لها).

بيد أن أمام الأنصار عتب على الشباب نشطاء العصيان لتسييسهم قضايا مطلبية في الأساس ومما قاله: (رفع السقف من إسقاط الإجراءات المالية إلى إسقاط النظام، تصعيد اتخذ دون مراعاة استحقاقاته). ويتمثل هذا الاستحقاق في سؤال البديل، وهو قميص عادة ما يتم رفعه في وجه دعاة التغيير، مع استحضار نماذج العنف في دول الربيع العربي.

شؤون حزبية
(مولد رابع لحزب الأمة)، هذا ما يريده المهدي، الذي ينتوي الدخول إلى المؤتمر العام الثامن – ودعونا لأغراض الدقة نقتبس- (بتسمية جديدة، ورئاسة جديدة، ومؤسسات جديدة تراعي كافة المستجدات، بناء على ورشة لتصدر توصيات يقرر في أمرها المؤتمر العام الثامن).

ومع وجود التباس في هذه الجملة، التي يُفهم منها وجود نيات لدى الإمام بتغيير اسم الحزب، وإفساح المجال لصعود خليفة له، متى أخذنا الأمر على ظاهره. لكن يُفهم منها – كذلك ــ في تفسير العبارة المبطّن بأن المقصود هو اجتراح مرحلة جديدة قبيل الوصول إلى المؤتمر العام، يسند ذلك احتفاء الأنصار باسم حزبهم من دون أن تنشب بينهم معتركات حوله، حد أن المنشقين عن الأمة عادة ما يلوذون بالاسم مع إضافة لازمة له.

وفي الشأن الحزبي أرسل المهدي رسالة مبطنة إلى فرقاء حزبه الذين دعاهم في الخطاب غير ما مرة لتفويت الفرصة على خصومه، وأوصى خيراً بنوابه فضل الله برمة ناصر، والفريق صديق محمد إسماعيل، ومحمد عبد الله الدومة، وأثنى على بالأمين العام سارة نقد الله، وذكر بالخير رئيس المكتب السياسي محمد المهدي حسن.

وبذكر هذه الأسماء يريد المهدي بلا شك وقف السهام التي تنتاش جسد الفريق صديق على وجه الخصوص، مع الإشارة إلى وجود توافق وتناسق تام بينه وبين الأمانة العامة والمكتب السياسي.

أما شؤون الأنصار، فالمهدي بها لسار، وكال المديح لقائدها الأمير عبد المحمود أبو، ونائبه آدم أحمد يوسف لأعمالهما الجليلة والكبيرة في الدعوة والإرشاد.

(إس. إم. إس)
رسالة قصيرة جداً، بعث بها المهدي، إلى خليفة الراحل د. حسن عبد الله الترابي، حثه فيها على الاعتراف بخطل انقلاب 1989م، ليتم تعميدهم في المعسكر الديمقراطي، وذلك بعدما رفض الترابي الخطوة مع يقينه بصحتها (طبقاً للمكتوب) ومما قاله المهدي: (ربط أية دعوة رسالية بالانقلاب العسكري وربط شعار الإسلام بالاستبداد يتطلبان التبرئة).

المهدي وبنوه
العلاقة بين المهدي وأنجاله فريدة من نوعها، وفيها من الحب والغزل المتبادل ما هو حقيق بالحكايات والروايات. وفي فاصل غزل مهم في دفتي مبعوثه، امتدح الصديق ومحمد أحمد المتحملين للاقتصادي والاجتماعي في زمان قاسٍ، ومريم التي هي خير مبعوثة عن والدها ولسان حاله، ورباح الوريثة الفكرية والمنافسة اللدودة اللحوحة في تسابق الوالد والابنة، ورندة وزينب وطاهرة ممن هم سفارة آل المهدي في المساق المهني، وكل أولئكم مشمولين بعاطفة وأمومة أم سلمة.

ومع إدخالهما في كنفه، وأمومة أم سلمة، استحق رجالات السلك العسكري في بيت المهدي فقرات حمد بأتمها. فبشرى نال المديح لخلعه بزة العسكر ولبسه جبة البر ليكون حرساً ورصداً لأبيه من كل خطر.

أما عبد الرحمن فقد أولاه المهدي عناية خاصة، ودفع عنه تهم ممالأة الأنقاذ، فقال عنه: (هو في النظام وليس منه) وقال بمبررات ابنه لاتخاذ هذا الموقف- رغم عدم اقتناعه شخصياً بها- وممثلة في إصلاح النظام بالمباصرة لا المعارضة.

ورأى المهدي أن المباصرة نهج لا يفلح مع من يخاف المساءلة، وبالتالي سأل لابنه الهداية والرشد، ودعا لابنه (أن يتبين أن للمباصرة حدوداً تحول دون ما يريد).

حواشٍ محببة
كعادته، وظّف المهدي الحواشي واللطائف المحببة في ثنايا مبعوثه كمن يزخرف دار عبادة. فدعا إلى ممارسة الرياضة وبدا منزعجاً من كون 86.8% من السودانيين لا يمارسون إلا الخمول، ما زاد من معدلات المرض والسمنة.

كذلك بدا المهدي كارهاً لتربية الأبناء تربية منغلقة ترفض أنشطة الحياة العامة، أو تربية تفضي لأن (يتحنكشوا) حد تعبيره.

وطالب الإمام كذلك، بخفض مصروفات الزواج، واعتبر المغالاة في المهور جريمة، أجبرت البنات على التغني قائلات: (نحن البايرات يا جماعة .. ولي الله يدينا بنرفع/ شعارنا عريس متواضع ..يا حي يا واهب أسمع/ ما همنا حفلة وشيلة .. بي حاجة قليلة بنقنع).

قراءة: مقداد خالد
صحيفة الصيحة

تعليق واحد