التشكيليون مَصدومون لهدم الجَرّافات لـ “عزيز قاليري” والسلطات تمنع صاحبته من تنظيم مؤتمر صحفي
إيثار صاحبة “القاليري”: نعم انكسر الجدران لكن لم تنكسر إرادة الفنان التشكيلي
راشد دياب لـ(التيار) مُتحسِّراً: “لا مسرح ولا متحف تَشكيلي وحتى مُحاولات الشباب يتم هدمها”
الشرطة تفرض سياجاً حول المكان ومحلية الخرطوم تدافع عن موقفها
صدم التشكيليون السُّودانيون عقب إزالة السلطات لمرسم “عزيز قاليري” وهو أحد مراكز الفن التشكيلي بحدائق الهيلتون في الخرطوم، حتى أن البعض انبرى في بكاءٍ هستيري.
وعلى نحوٍ مُفاجيءٍ، تفاجأ الصحَفيون أمس بمنع السلطات المُختصة لقيام المؤتمر الصحفي للتشكيلية إيثار عبد العزيز صاحبة “القاليري” وأُحيط بركام الإزالة بسياج من قوات الشرطة.. ولاحظت الصحيفة إزالة عدد من المواقع الأخرى على مقربة من “القاليري”.
تقول إيثار بحسرة والدموع من عينيها تتساقط لـ(التيار)، إنّ السلطات بدّدت سبع سنوات من عُمرها قضتها في تشييد “القاليري” في صورة كيان جمالي يجمع التشكيليين الشباب، رغم أنّ محلية الخرطوم في عُهود سابقة كَانت دَاعمة لنشاط المركز، الذي تعاون أيضاً معها في العديد من المناشط المُختلفة، وحمّلت مسؤولية الإزالة لمُعتمد الخرطوم حسب إفادة جهاز حماية الأراضي بولاية الخرطوم أثناء عملية هدم المركز، وتضيف: “نعم انكسر الجدران.. لكن لم تنكسر إرادة الفنان التشكيلي الذي بداخلها”، وتُشير إلى أن هنالك تداخلاً في الاختصاصات بين ولاية الخرطوم ومحلية الخرطوم، واختتمت بقولها: “أنا حزينة جداً لأنّ وزارة العدل لم تدافع عن ختمها فيه رغم دفعي لرسوم توقيع العقد”.
الفنان العالمي د. راشد دياب لم يخفِ قلقه إزاء هدم جرّافات السلطات المحلية للمرسم الذي يضم مجموعة من الشباب، ووجّه رِسَالَة مَفَادَها أنّ الأمن الثقافي يُعادل أمن الدولة، ودعا الجهات المُختصة بإيلاء العُنصر الثقافي ما يحتاج من الأهمية، لا أن يتذيّل الأولويات كما يجري الآن.
وقال دياب لـ(التيار)، إنّ الثقافة محورٌ مُهمٌ للغاية للنهوض بالعقل البشري، لأن الثقافة والفن مرتبطان بصورة مباشرة مع تنمية الشعوب ويجب احترامهما، لأنّ العنصر الإبداعي مُهمٌ، وتحسّر دياب على وضع الثقافة والفن قائلاً: “لا مسرح ولا متحف تشكيلي حتى المحاولات التي تأتي من شباب يتم هدمها”، وأوجب دياب ضرورة تقنين الثقافة واحترام الشعوب، لأنّ السُّودان يتمتّع بثروة ثقافية لا تُقدّر بثمنٍ، ونادى بتسمية وزارة الثقافة بوزارة بـ “وزارة الثروة الثقافية”، وَتَابَعَ: “من الأجدى أن تكون وزارة مُنتجة للفنون والثقافة وليست مُستهلكة، وحَثّ الجهات المَسؤولة لضرورة اللجوء إلى المُختصين قبل أيِّ قرارٍ يَهدم أيِّ عملٍ إبداعي سَواء في شارع أو أيّة مَنطقة، كَمَا شَدّدَ على ضرورة الاستفادة من النظرة الفنية في أيِّ عمل لأنّها مُهمّة وأساسية.
الفنانة التشكيلية سعدية عبد الله عضوة المرسم، تقول لـ (التيار) إن مديرة المرسم إيثار عبد العزيز انهارت ودخلت في نوبة من البكاء عندما شاهدت المرسم مُحطّماً، وتُشير إلى أنّ المرسم يضم (200) تشكيلي من الخرطوم، وقد سَاهَمَ بعددٍ من المعارض لصالح المحلية، وزادت: إنّ السلطات أخبرتهم بعزمها على إزالة المَرسم شفاهةً دُون إخطارٍ مَكتوبٍ، وأبانت أن عَدَدَاً من التشكيليين حَاولوا مُقابلة الوالي أمس الأول، دُون جَدوى، ورأت سعدية أنّ الإزالة التي قرّرها مُعتمد الخرطوم أبو شنب بغير القانونية، لأنّ هناك عقداً مُبرماً بين المرسم والفندق والمحلية بتخصيص 200 متر للمرسم لمدة (10) سنوات، لكنهم فُوجئوا بسلطة المحلية تُحطِّم المرسم مع وجود عدد من رجال الشرطة، وتابعت: إنّ تحطيم المرسم تسبّب في خسارات مالية ضخمة.
وكانت مديرة المركز إيثار أودعت مجهودها الفني كله من لوحات ومُجسّمات منذ تخرجها عام 2008م داخل المرسم الذي تمّت إزالته، وخَفّ عَدَدٌ من التشكيليين إلى حديقة الهيلتون للوقوف على الحدث.
الفنانة التَّشكيليَّة ماريا النمر تحدّثت بحسْرةٍ عن إزالة “عزيز قاليري”، وحمّلت الجهات المُختصة مسؤولية إزالة نقطة مُهمّة لتجمع زملائها في هذا المرسم، وشكّكت في المعلومات المُضلّلة التي تحدّثت بأنّ صاحبة المركز لا تملك التصديق، وتضيف النمر: “مجموعة من التّشكيليين الشَّباب نجحوا من خلال هذا المعرض في تقديم أعمال عالمية، ولكن ترى ماذا نفعل بعد هذه الكارثة”. وأعْلنت محلية الخرطوم عن التزامها برعاية وصيانة جميع الحُقوق القانونية والأدبية للمبدعين وتوفير المواعين المناسبة لعرض أنشطتهم، فيما نفت تنفيذ قرار إزالة مرسم “عزيز قاليري” شمال حدائق الهيلتون بالخرطوم، واكّدت أنّ ازالة الموقع جاء وفقاً لقرار وحدة مراقبة استخدامات الأراضي التابعة لوزارة التخطيط العمراني والتي نفّذت الإزالة لمخالفته إجراءات التشييد؛ وأكدت المحلية أن الوحدة هي المُختصة بمتابعة ضوابط وإجراءات تشييد المباني بولاية الخرطوم. وأشارت محلية الخرطوم حسب تعميم صادر عن المكتب الصحفي للمعتمد تلقّت (التيار) فحواه عدم اكتمال إجراءات تشييد المرسم مما أوجب على وحدة متابعة استخدامات الأراضي إنذار صاحبة المرسم ٧٢ ساعة للإزالة لعدم الالتزام باستكمال الإجراءات المتعلقة بتخصيص الموقع والتشييد وفقاً للقانون، فضلاً عن عدم التزام صاحبة المرسم بدفع قيمة الإيجار الشهري حسب العقد المُبرم، وأشار المكتب الصحفي إلى أن معتمد الخرطوم الفريق أحمد علي عثمان أبو شنب التقى بمديرة المرسم إيثار عبد العزيز في وقت سابق واطلع على مُلابسات الموقع، وأعلن عن التزامه بمنحها موقعاً بديلاً تختاره بشارع النيل أو بالموقع الحالي لحدائق الهيلتون بعد اكتمال تأهيل الحديقة، خَاصّةً وأنه تجرى فيه الآن أعمال تشييد أكبر الحدائق العامة المفتوحة للجمهور، المُؤمل أن تكون مُتنفِّساً للأُسر من جميع أنحاء السودان مع التأكيد على رعاية المحلية وفتح أبوابها لجميع التشكيليين ورعاية قضاياهم وإفساح جميع مواعينها الثقافية والفنية لعرض إبداعاتهم.
وخلص بيان صحفي باسم صاحبة “القاليري” سطّرها المحامي الشهير هاشم كنه، تناولت مأساة العدالة في السودان الى سلطة تنفيذية لا تحترم عقودها والتزاماتها العقدية تجاه الغير، كما أنّ وزارة العدل لا تُقدِّم على اتخاذ التدبير الوقائي الذي يمنع الإزالة قبل اللجوء الى القضاء، بل وتحيل المظلوم إلى الظالم لإيقاف ظلمه مُؤقّتاً، ويُشير كنّه إلى أنّ والي الولاية يمتنع عن النظر في تظلم مواطن بحجة عدم تدخله في شؤون المحلية خلافاً لما يوجبه عليه القانون، وأن مراحل تظلم لا جدوى منها في ظل مُؤازرة المُستويات التنفيذية الأعلى إلى الأدنى.
وأفاد بأن أي قرار إداري في البلاد لن يُحظى بالمراجعة الإدارية الأعلى حتى وإن كان القرار بالإزالة يستحيل تدارك نتائج تنفيذه ولا سبيل لإيقافه إدارياً أو حتى بواسطة وزارة العدل قبل طرق أبواب المحاكم التي أرجأ القانون تدخلها وليس أمام الطاعن سوى المُطالبة بقيمة الأنقاض.
الخرطوم: بهاء الدين عيسى
صحيفة التيار
عشوائي وأزيل تساقطت الدموع أم لم تتساقط. بكرة يتدخل الأمم المتحظة ومجلس الأمن كمان.