منوعات

شركات تشجع موظفيها على كتابة “دليل شخصي” عن طبائعهم

يمكن أن يؤدي البوح بطبائعك وصفاتك الشخصية للزملاء إلى ظهور أثر إيجابي على بيئة العمل الجماعية بشكل كبير، لذا تتجه بعض الشركات إلى تشجيع موظفيها على كتابة “دليل شخصي” عن طبائعهم وميولهم. لكن من يتبنون هذا النهج ينصحون أيضا بعدم الكشف عن قدر كبير من المعلومات الشخصية.

قضى إيفار كروغرود ست سنوات يعمل ضابطاً في البحرية النرويجية في تسعينات القرن الماضي، وكان يلتقي بأشخاص غرباء في شهر أغسطس/آب من كل عام.

تعد الخدمة العسكرية في النرويج إلزامية، وفي كل عام،كان كروغرود يستقبل مجموعة جديدة من المنضمين حديثا للقوات المسلحة.

ولأنهم يعملون في دوريات صغيرة نسبياً لساعات طويلة، يتعرف أعضاء الطاقم على بعضهم البعض بسرعة، ويعرفون صفات ومداخل بعضهم البعض وأفضل الطرق للعمل سويا. وفي وقت لاحق، انخرط كروغرود في عالم المال والأعمال ووجد أن الوضع مختلف تماماً عن العمل في البحرية.

في عام 2000، أسس كروغرود الذي يسكن في أوسلو شركة إحصاء ومعلومات على الإنترنت أطلق عليها اسم “كويستباك”، وأذهله كم كان من الصعب عليه أن يتعرف على زملائه. وخلال السنوات العشر التالية، تطورت الشركة ليصل عدد موظفيها إلى 300، لم يحفظ أسماء الكثيرين منهم، فضلاً عن مواصفاتهم الشخصية.

بعض الشركات تطلب من الموظفين كتابة دليل بمواصفاتهم الشخصية، أملاً في أن يمكن ذلك زملاءهم من فهم الأساليب الشخصية المختلفة في العمل

يقول كروغرود: “كنت أشعر بالذهول والإحباط في آن واحد من طول الوقت الذي يحتاجه المرء للتعرف على زملائه في عالم المال والأعمال.”

في عام 2011، وبينما كان كروغرود يشارك في مؤتمر بكلية لندن للأعمال (لندن بزنس سكول) ذكر أستاذ جامعي فكرة ظن كروغرود أنها ستساعد في حل مشكلته، وتتلخص في إنشاء دليل شخصي لكل موظف.

وعندما عاد إلى مكتبه، كتب صفحة عن أفضل السبل التي تساعد الآخرين على التعامل معه بسهولة. وضمت تلك الصفحة الأشياء التي يحبها والتي لا يحبها، وما يتوقعه من موظفيه. على سبيل المثال، أنه يفضل المناقشات والمداولات حتى عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرار من صميم صلاحياته.

وكانت نتيجة هذه الفكرة مشجعة للغاية، إذ قال الموظفون إن هذا الدليل قدم لهم رؤية كاشفة عن العمل مع بعضهم البعض بصورة فعالة. ومنذ ذلك الحين، يشجع كروغرود كل من يعرفه على كتابة دليل شخصي عن نفسه.

ويرى البعض أن فكرة كتابة دليل شخصي وسيلة فعالة في الانسجام مع الآخرين في مكان العمل، في حين يرى آخرون أنها مجرد كلام يكتب ليلائم أجواء الوظيفة في الشركة.

لكن الشركات التي تستخدم طريقة الدليل الشخصي تقول إنه يمثل وسيلة وأداة جيدة لمساعدة الزملاء على الانسجام في عصر يعمل فيه الكثير من الموظفين من منازلهم وليس لديهم الفرصة لمعرفة بعضهم البعض تحت سقف مكتب واحد، أو لا يفضلون التواصل عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

وإذا كنت تفكر في كتابة دليل شخصي خاص بك، فإليك بعض الأمور التي تحتاج لمعرفتها.
تعرفني وأعرفك

ظهرت فكرة الدليل الشخصي عندما كان لاري ستايبل ينتظر اجتماعاً في عام 2003. استغل ستايبل، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “ستايبل بيبودي وشركاه” في بوسطن، الوقت الذي سبق موعد الاجتماع في قراءة الإرشادات الخاصة بهاتفه المحمول الجديد.

“إذا ترك الناس ليكتشفوا بعضهم البعض من خلال العمل سويا فمن الممكن أن تنشأ بعض المشاكل”، حسب كروغرود

فكر استايبل في أنه قد يكون من المفيد أن يكون هناك دليل إرشادي لكل مسئول يقوم بتوظيفه، ثم جرب تلك الفكرة عن طريق كتابة دليل مستخدم خاص به. وبعد ذلك، طلب من جميع المديرين الذين عينهم في وظائف جديدة أن يكتب كل منهم دليل المستخدم الخاص به، انطلاقا من قناعته بأن هذه الوسيلة ستمكن الموظفين من معرفة بعضهم البعض.

ومع مرور الوقت، وجد ستايبل أن هذه الكتب الإرشادية ساعدت على كشف أفكار الموظف والعوامل النفسية التي تؤثر عليه، وكيف يمكن لمرؤوسيهم العمل معهم على خير وجه أو تلاشي العمل معهم.

فهناك أستاذ جامعي، على سبيل المثال، يشجع زملاءه على تحديد موعد مسبق لمقابلته في المكتب بدلاً من مجرد الحديث معه وهو يسير في الردهة، وهو الوقت الذي يحب أن يقضيه في التفكير. كما أن هناك مدير تنفيذي يعترف بأنه غالباً ما يسترجع الذكريات بشأن نفس القصص الحربية القديمة، ما يجعل مرؤوسيه الذين اطلعوا على الدليل الخاص به يقاطعونه عندما يشرع في الحديث عن ذكرياته.

يقول ستايبل: “ساعدت فكرة الدليل الشخصي على زيادة فرص نجاح الموظفين الجدد”.
متابعة

في الآونة الأخيرة، كان استعمال الدليل الشخصي أحد الموضوعات التي نوقشت في مؤتمر لمسؤولي الشركات، وطلبت بعض شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة من موظفيها كتابة مثل هذا الدليل.

وعلم ديفيد بوليتيس، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة بيتركلاود لتكنولوجيا المعلومات، بتلك الفكرة عن طريق أحد المؤتمرات العام الماضي، فخلال إحدى الجلسات طلب المتحدث من الحضور أن يكتبوا دليلا شخصيا في نفس اللحظة والمكان.

ويقول: “بالنسبة لي كانت لحظة الانتباه لأهمية الموضوع أثناء وجودي في القاعة. كان الجميع يركزون في الكتابة بكل جدية. ومن ثم أدركت أنه يمكنني أن أحمل تلك الفكرة إلى الشركة التي أعمل بها”.

وبعد أسبوعين، عقد بوليتيس اجتماعاً وطلب من موظفيه أن يكتبوا دليلا خاصا بهم. واقترح طرح مجموعة من الأسئلة المشتركة، مثل “ما هي أفضل وسيلة للتواصل معك؟” و”كيف ترغب في تلقي التعليقات والتوجيهات الخاصة بأي عمل تقوم به؟”. وقد نشرت الأسئلة في ملفات مشتركة ليقرأها كل من في الشركة. ونشر بوليتيس إجاباته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى أنه أرسل نسخة لأقاربه.

وكشفت فكرة الدليل الشخصي عن تفسيرات لأمور كانت تدور في الشركة. على سبيل المثال، أفصح المدير المؤسس للشركة في الدليل الخاص به عن أنه يحب العمل في الصباح الباكر، بينما كتب أحد زملائه أنه يحب العمل في ساعات الليل المتأخرة. وفجأة أدرك كل منهما سبب وجود تأخير في تلقي إجابات وردود على رسائل الإيميل التي يرسلها كل منهما إلى الأخر.

بالنسبة لبوليتيس، أفصح عن أنه عندما يكون هادئاً أثناء الاجتماعات، فلا ينبغي أن يشعر موظفوه بالقلق، ولكن أن يعرفوا أنه يعمل على استيعاب كل ما يدور ليهتم به.

الذين تبنوا فكرة الدليل الشخصي في مكان العمل يقولون إنها تساعدهم على فهمم أمور كانت تدور بين الموظفين دون تفسير

ويقول بوليتيس: “بإمكانك الآن أن تسمع الموظفين يشيرون إلى تلك الأدلة الشخصية طوال الوقت. عندما تدخل الاجتماع يقول لك أحدهم: لقد وضعت هذا الأمر على الجدول الساعة السابعة صباحاً لأنني رأيت في الدليل الخاص بك أنك تحب الاجتماعات المبكرة”.
معلومات زائدة عن الحد

ومع ذلك، لا تخلو فكرة الدليل الشخصي من العيوب، إذ يحذر ستايبل من أنه لا ينبغي أبداً أن تكون هذه الفكرة إلزامية، لأنها يمكن أن تعتبر تعدياً على خصوصية الموظف.

وهذا صحيح بشكل كبير في بلدان مثل اليابان، حيث العادات الشخصية من غير المرجح أن تناقش في مكان العمل.

وعلاوة على ذلك، يميل البعض إلى الكذب في إجاباتهم، ويدعون مثلا أن أكبر نقطة ضعف لديهم هي العمل بشكل مبالغ فيه. ويعطي بوليتيس حلاً بسيطاً لذلك بقوله: “إذا كان المدير التنفيذي سباقاً إلى الحديث بصدق وأمانة، فإن مرؤوسيه سيكونون على نفس نهجه من الصدق والأمانة”.

ويقول بن داتنر، عالم نفس مقيم في نيويورك، إن الفكرة هي أداة مساعدة للموظفين الذين يعملون عن بُعد، والذين ربما لا تتوفر لهم الفرصة للقاء زملائهم وجها لوجه.

لكنه يحذر من خطورة أن يكون الدليل الإرشادي الخاص بمسؤولك في العمل غير دقيق، فربما يزعم أنه يحب أن يتعرض للتحدي، وهو أمر ستعلم أنه غير صحيح بالمرة عندما يعاقبك عندما تتحداه.

وهناك أيضاً قلق من أن يستخدم الدليل الخاص بك ضدك، خصوصا إذا كنت تميل إلى الإفصاح عن كثير من الأمور الخاصة، كما يضيف.

حاول أن تكشف عن أنك لا تحب الاجتماعات التي تعقد في وقت مبكر، وستجد رئيسك في العمل يطلب منك التكيف والتعود على ذلك.

يقول داتنر: “بشكل ما، هذا أمر اختياري تطوعي، لذا عليك اتباع بعض الحيطة فيما تكتبه في الدليل الخاص بك، وما تثق به من صفات في دليل المستخدم الخاص بالآخرين”.

تصرف بطريقة صحيحة، علما بأن كروغرود وجد أن دليل المستخدم الشخصي يمكن أن يسهل على الموظفين الجدد التعرف على زملائهم في العمل. وهو لا يطلب من موظفيه أن يكتبوا دليل المستخدم الخاص بهم في شركته الحالية “ماجيك غاردن” التي تساعد المشروعات الناشئة على تطوير أعمالها. لكن كروغرود مازال يحتفظ بدليله الشخصي الذي كتبه أول مرة، ويعكف على تحديثه بين الفينة والأخرى.

BBC