رأي ومقالات

الأخ صحفي؟!

(1) لقب او صفة صحفي، فيما يبدو لي، من الألقاب والصفات الطيبة المستلذة شديدة الجاذبية في باحات الحياة الاجتماعية داخل السودان وخارجه. هناك أعداد غفيرة من السودانيين يحملون هذه الصفة، تسأل: الاخ شغال شنو؟ وتأتي الاجابة: الحقيقة انا صحفي!
أعرف رجلاً فاضلاً لا يعمل اصلا في ميدان الصحافة، أنما كانت له بها صلة عابرة في زمن عتيق، وظل خلال السنوات العشرين الماضية يدير مغلقاً للوازم البناء. وقد سمعته ذات يوم يقدم نفسه في مناسبة اجتماعية: “فلان الفلاني، صحفي”! ذلك مع ان الحال الاقتصادي والمستوى المعيشي والوضع الاجتماعي الذي يستمتع به صاحبنا يفوق بما لا يقاس كل الصحافيين الذي أعرفهم!
(2)
ما زلت عند الهالة التي تحيط بصفة الصحفي، وأنا أجتهد لأتذكر شيئا من أغاني البنات في تمجيد الصحفي فلا تسعفني الذاكرة. غريبة، لماذا لم تغن البنات للصحفي؟ المهن الجذابة دائما يغني لها البنات. أذكر تماما تلك الاغنيات العديدة التي تعلي من شأن المدرس، مثل تلك التي تقول كلماتها: (يا ماشي لي باريس جيب لي معاكا عريس/ شرطاً يكون لبيس من هيئة التدريس).
وهناك أغاني خاصة بالضباط واخرى بالدبلوماسيين وغيرهم. ولكن نصيب الأسد في هذا الصنف من الاغاني التي تمجد المهنيين حظي به الأطباء. فهناك مئات الاغنيات في مدح الاطباء خلدها تاريخ غناء البنات. عموماً عدم وقوفي على أغنيات تمجد الصحفي لا تعني انها غير موجودة!
(3)
ولكن الذي يحيرني حقا هو تلك الحشود الحاشدة من سوادنة المهاجر، بما فيها الولايات المتحدة كندا واوربا، من اخواننا واخواتنا الذين يحملون – ويحملن – صفة صحفي ويستعصمون بها، ولا يرضون عنها بديلا. مع انهم في واقع الحياة لا يمارسون الصحافة. وهذا ما يؤكد الجاذبية غير العادية التي تتسربل بها صفة الصحفي.
في المملكة السعودية، مثالاً، هناك اتحادات وروابط وجمعيات للصحفيين، تتصارع فيما بينها، على مدار الأعوام، صراع الديكة. حول ماذا؟ لا أعرف. وتنضوى تحت لواء هذه الاتحادات والروابط عضويات مهولة تندّ عن الحصر وتستعصى على الاحصاء. هل كل هؤلاء صحافيون حقاً؟ أي صحف تستوعب وتستوظف هذه الجموع في بلدان المهجر؟ هل في المملكة السعودية عدد من الصحف واجهزة الاعلام قادر على استيعاب جيوش الصحفيين المفترضين هذه؟ أم هم جميعا مراسلون لصحف أجنبية مثلاً، وما هي هذه الصحف الاجنبية التي توظف كل هؤلاء المراسلين؟!
الحقيقة المؤكدة بطبيعة الحال هي ان هناك نسبة محدودة للغاية وسط هذا الكم الهائل لها صلة حقيقية بالعمل الصحافي في المملكة السعودية، بمعنى ان تمارس الصحافة كمهنة وتعتاش من عوائدها. أما البقية فليست لها صلة يعتد بها لا بالصحافة ولا الاعلام، فهي تحصل على رغيفها ورغيف عيالها من الاعمال الاعتيادية التي يعرفها سواد الناس في دول الاغتراب. كل ما في الامر هو انها تعشق الهالة الجذابة والشحنة المعنوية التي ترافق لقب الصحفي. وكل مرادها هو ان تعيش وهي تحمل صفة (صحفي)، وتموت وشارة الصحافة علي صدرها، وان تحشر يوم القيامة في زمرة الصحافيين!
(4)
في احدي المواقع الالكترونية التفاعلية قرأت لشخص سوداني كتب اسمه مقروناً بصفة (رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين بالقاهرة). لاحظت انه يكتب بصورة غير متسقة، وأنه يعجز تقريباً عن كتابة سطر واحد باللغة العربية بدون اخطاء نحوية ولغوية فادحة، بل ومذهلة. سألت عنه أحد اصدقائي من الوسط الصحفي المصري، فرد علي وضحكاته المدوية تخترق إذني عبر الاجواء: (تصدق يا درش.. أنا شخصيا أعرف على الاقل تسعة رؤساء لاتحادات صحافيين سودانيين بمصر يتجولون الان في شوارع القاهرة، واعداد بلا حصر يحملون بطاقات صحفي صادرة عن هذه الاتحادات، مع انني لا اعرف في مصر كلها غير صحافي سوداني حقيقي واحد يعمل متعاوناً مع صحيفة مصرية)!

مصطفي عبدالعزيز البطل
السوداني

تعليق واحد

  1. ياخي ضيعت زمني في فارغة ومقدودة . دا موضوع دا . ياخي اعتزل شغل الصحافة اذا ما عندك موضوع . اقسم بالله اني ندمت على قراءة هذا الموضوع .