عالمية

خليفة سلفا كير.. هل ينجح في إيقاف أنهار الدماء؟!


فقد ذكرت إذاعة ولائية في دولة جنوب السودان أن اجتماعاً في القصر الرئاسي في جوبا ناقش بطلب من رئيس البلاد سلفا كير ميارديت، ترشيح (4) قيادات لخلافة الرئيس. ونقل راديو (نم لاو) ـ تعني الحرية باللهجات المحلية ـ التابع لولاية شمال بحر الغزال أن سلفا كير طلب خلال جلسة مغلقة بالقصر الجمهوري ترشيح خليفة له حال تنازله عن السلطة. وتعيش الدولة الوليدة التي استقلت عن السودان في عام 2011م، حرباً أهلية منذ ديسمبر 2013م بعد أن أقال الرئيس سلفا كير نائبه رياك مشار الذي قاد تمرداً ضد حكومة جوبا. وبحسب إذاعة (نم لاو) فإن التشريحات انحصرت في أربع قيادات: نيال دينق نيال، كاستيلو قرنق، أويت أكوت ومجاك أقوت. وأفاد خبر الإذاعة أن رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي الفريق بول ملونق أوان رشح كاستيلو قرنق القيادي الجنوبي المقيم في ألمانيا، قائلاً: (إن كاستيلو شخصية وطنية مقبولة لدى الكل وتحديداً وسط المجتمع الدولي)، وأشار ملونق ـ بحسب الإذاعة ـ إلى أن كاستيلو يتمتع بعلاقات جيدة مع الاطراف السودانية، فضلاً عن علاقاته مع أطراف الصراع في جنوب السودان، وأضاف قائلاً: (نؤمن بالدور الذي يمكن أن يلعبه كاستيلو في حال تنازل الرئيس سلفا كير من السلطة).
ويرى الاستراتيجي والخبير الامني الأمين الحسن لـ(الإنتباهة) أن هذا التوجيه في هذه المرحلة تحديداً يحمل عدة أوجه من شأنها ان تلعب دوراً مهماً في الخريطة السياسية بدولة الجنوب. ففيما أكدت الأوساط السياسية والرسمية هناك أن اختيار كاستيلو قرنق قد يوفر للحكومة المضطربة في جوبا منذ بزوغ فجر الخلاص بحسب قيادات جوبا من عهد الظلم والاستبداد المجتمعي الذي مارسته الثلة الحاكمة في جنوب السودان بعيد رفع السودان يده ونفضها من دنس التأرجح الذي طال كل مؤسسات الدولة في جوبا عقب احتدام الوضع باخلافاته وتشابكاته المتأرجحة. ويقول الأمين ان كاستيلو شخصية تحظى باحترام دولي واسع وتحديداً مع السودان إبان الشراكة السياسية وحكومة الوحدة الوطنية قبل أن ينفصل الجنوب بنفسه عن حكم الجنوب، والذي قال عنه السلطان عبد الباقي أكول أحد سلاطين الجنوب وزعيم مسلمي سلاطين السودان في حوار نشرته (الإنتباهة) إنه لولا الانفصال لحصدت الحرب معظم رجال السودان من الجانبين، بيد أنه أخذ عليه الكثير حينما أشار إلى ما لحق بدولة الجنوب الوليدة من خراب.
ويعلل كثيرون تمسكهم بقيادة جديدة وسط مثقفي الجنوب، بأن الفريق سلفا كير ومنذ تسنمه زمام الاوضاع بالعاصمة جوبا لم يهنأ سكانها بالهدوء من الاضطرابات التي لازمت الدولة الوليدة في بواكير نشأتها وقاسمتها أحلى لحظاتها في الابتهاج بالاستقلال كدولة جديدة موحدة تمثل سكان المنطقة كلها بدون فواصل اجتماعية وعرقية، مما أدى لتدهور الأوضاع هناك جراء هذه المستجدات التي لازمت حكم الداخلين جديداً على بلاط السياسة عقب سنين عجاف كانت حصاد فترة الحكومة الجديدة.
وأشار استاذ القانون د. محمد السر حسين لـ(الإنتباهة) إلى أن هذه الخطوة تحمل ملامح قانونية راشدة في وقت لم يتوقع فيه أن يخطو الفريق سلفا نحو اختيار خليفة له وهو الذي تفجرت الصراعات بينه وبين خصمه د. رياك مشار نائب الرئيس ورئيس المعارضة الجنوبية لاحقاً، عقب أن رفض له سلفا كير ترشيح نفسه منافساً له في الانتخابات التي لم تقم في دولة الجنوب. وقال حسناً عاد للطريق الصحيح باختيار خليفة له من خلال تكليف مجلس شورى تم تشكيله خصيصاً لهذه الخطوة الجريئة. ولكن د. حسين يقول إن ما يهم السودان من هذا كله لم يتجاوز المحافظة على الاستقرار والسلم على الحدود بين البلدين بصورة تؤدي إلى المحافظة على المصالح المشتركة بينهما، بجانب مقدرة الرئيس المقترح أو الذي تم ترشيحه لايقاف شلالات الدماء وسط أبناء الجنوب والحفاظ على هيبة البلد وجمع الصف الوطني لإعادة الجنوب إلى الطريق الصحيح، مؤكداً أن ما يجمع الجنوبيين أكبر مما يفرقهم، وذلك لم يتأت في ظل هذه القيادة التي وسعت هوة الخلاف بين المكونات القبلية وأبناء الجنوب بصورة عامة، مؤكداً أن ميول الرئيس سلفا إلى قبيلته واستقواءه بها هو ما أدى لفتح سيل من الاتهامات تجاه حكومته التي واجهت الكثير من خلال الحرب الشعواء التي اندلعت بين مكونات المنطقة من شلك ونوير ودينكا.
ولكن الفريق كاستيلو قرنق رغم أنه من الشخصيات المحبوبة وسط القيادات الجنوبية ورجل يجمع عليه هناك، كان رجلاً ذا ملامح أيضاً سياسية ومواقف حوارية مقبولة إبان حكم الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، حيث كان يجمع عليه وسط السياسيين لما يحمله من ملامح رجل دولة قادم لولا الابتلاءات التي أدت لاندلاع الحرب في جوبا. ورجحت قيادات من الجنوبيين لـ(الإنتباهة) بأن هذه الخطوة إذا ما قدر لها أن تكتمل وأعلن سلفا تنازله عن السلطة علناً فإن الحرب ربما توقفت بصورة نهائية، ولكن إذا كانت الخطوة مناورة من سلفا كير فإن هناك أنهاراً جديدة من الدماء ستتدفق وسط الجنوبيين الذين أنهكتهم الحرب بينهم كمكونات جنوبية أكثر من حربهم مع الشمال قبل الانفصال. ونادى هؤلاء بضرورة انصياع سلفا كير لحديث العقل بإيجاد خليفة له وعلى أتم السرعة حتى يحفظ ما بقي من جنوب، وإلا فإن نار الصراعات المنتشرة سيزيد أوارها بين المتقاتلين من السياسيين والقيادات القبلية التي تواجه مصيراً مشابهاً من قيادات الدينكا الذين يستأثرون بالسلطة في جوبا.

الانتباهة