الخبير الاستراتيجي الدكتور عمر فضل الله: مصر استغلت ضعف الحكومات السودانية وانشغالها بالقضايا الداخلية
قضية حلايب ظلت تراوح مكانها، منذ احتلالها من قبل الجيش المصري عقب محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس المخلوع حسني مبارك، وظل السودان يجدد شكواه ضد مصر للأمم المتحدة كل عام، ودعت الحكومة السودانية في 17 أبريل الماضي مصر للجلوس للتفاوض المباشر لحل قضية منطقتى حلايب وشلاتين ، أسوة بما تم مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية حول جزيرتى تيران وصنافير، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي امتثالاً للقوانين والمواثيق الدولية، باعتباره الفيصل لمثل هذه الحالات، كما حدث في إعادة طابا للسيادة المصرية. “الجريدة” حاورت الخبير الاستراتيجي الدكتور عمر فضل الله وطرحت عليه أسئلة عديدة عن ملف قضية حلايب، فإلى ما جاء فيها:
حلايب اسم بجاوي صرف وكانت تعرف بـ “عتباي”
مصر لم تجر أي انتخابات في منطقة حلايب
بصفتك خبير كيف اكتسبت الخبرة الكبيرة في قضية حلايب؟
كنت عضواً في لجنة الحدود السودانية منذ عام 1991 وحتى عام 1994 ممثلاً لمركز الدراسات الاستراتيجية ثم ممثلاً للمركز القومي للمعلومات حيث كانت اللجنة تضم ممثلين للوزارات والمراكز والجهات المختصة كما كنت عضواً للجنة السودانية المصرية المشتركة لحل مشكلة حلايب وشلاتين برئاسة المرحوم اللواء الزبير محمد صالح والتي عقدت اجتماعين أحدهما في الخرطوم (مارس 1992) والآخر في القاهرة (أكتوبر 1992) كما كنت عضواً في لجنة الوثائق الخاصة بمشكلة حلايب والتي كانت تضم ممثلين لوزارة الخارجية ووزارة الداخلية (الإدارة العامة للحدود)
من أين تأتي الوثائق التي يستند عليها السودان في ملكيته لمنطقة حلايب؟
الوثائق موجودة في مصلحة المساحة ومركز الدراسات الاستراتيجية ودار الوثائق القومية ومصلحة الآثار وجامعة الخرطوم وكلية السودان الجامعية وديوان النائب العام وجهاز الأمن العام والاستخبارات العسكرية وهيئة الأركان العامة ووزارة المالية والتخطيط. بالإضافة إلى أن لجان التفاوض كانت تحتفظ بأرشيف ووثائق المفاوضات بالمكتبة الخاصة التي أنشأتها بمركز الدراسات الاستراتيجية عام 1992 وقد عقد المركز عدداً من الاجتماعات التحضيرية للجان التفاوض مستعيناً بتلك الوثائق.
جمعت عدداً كبيراً من الوثائق المتاحة بدار الوثائق المصرية والمكتبات العامة بالإضافة إلى دار الوثائق القومية السودانية ومكتبة جامعة درم ببريطانيا ومكتبة الكونجرس الأمريكي وغيرها من مظان الوثائق التاريخية المتعلقة بالسودان، حيث أنني اعتدت حين أزور هذه المكتبات أن أبحث عن الوثائق والخرائط والمعلومات المتعلقة بالسودان، وأحتفظ بقاعدة بيانات عناوينها، أو أقوم بالحصول على نسخ منها. بالإضافة إلى طبيعة عملي في المجالين المعلوماتي والتخطيط الاستراتيجي تتيحان لي ما لا يتاح لغيري من الوثائق والمعلومات والتقارير الخاصة.
لماذا سميت حلايب بهذا الاسم وماهي المجموعات السكانية التي تسكنها وتاريخهم؟
حلايب اسم بجاوي صرف فقد اتخذت حلايب أسماء متعددة حيث كانت تسمى أحياناً عِلَىْ أو إِلَىْ “Elai” كما كانت تعرف في السابق باسم عتباي. وتسكنها قبيلة البشاريين ومن البشاريين يسكنها الحَمَدْ أورابْ “”Hamad-Owrab والشانتيراب “Shantirab” ويلاحظ هنا إضافة المقطع البجاوي (اب) الذي يدل على النسبة، وهي أراضي البشارين التي تمتد من منطقة حلايب وأبورماد وشلاتين في أقصى شمال شرق السودان متجهة إلى الجنوب الغربي حتى نهر عطبرة، حيث نظارة البشارين في بعلوك منذ القرون الماضية، ومنهم الناظر أحمد كرار الذي كان يقيم في بعلوك. ومثلث حلايب موضوع النزاع الحالي هو المنطقة الواقعة شمالا من خط عرض 22 درجة شمال حلايب وحتى الحدود السودانية مع مصر عند شلاتين والذي يتبع إدارياً إلى ولاية البحر الأحمر، وتبلغ مساحته 500ر18 كيلو متر ويتراوح عدد سكان المنطقة مابين 7 ألف و 9 ألف نسمة وهم من الأمرأر والبشاريين ومجموعة البشاريين هي السائدة في المثلث شمال حلايب وتتحرك تبعاً للرعي خلال فترة أمطار الشتاء وينقسمون إلى مجموعتين رئيسيتين أم علي وأم ناجي والأولى هي السائدة على السهل الساحلي وهضبة البحر الأحمر بينما تنتشر مجموعة أم ناجي من السفوح الغربية للهضبة وحتى نهر عطبرة جنوبا.
وفي شمال حلايب يقع جبل عَلْبَة Alba وهو أحد جبال البشاريين وقد شهد تغول المنجمين المصريين منذ القديم مع أنه جبل سوداني وذلك لكون هذه الجبال غنية جداً بمناجم الذهب والرخام والمايكا والمنجنيز بالإضافة إلى أن المنطقة تقبع فوق بحيرة من البترول والغاز الطبيعي.
هل كانت حلايب في العهود الثلاثة التركي والمهدوي والإنجليزي تابعة لمصر؟
لم تكن حلايب في العهود الثلاثة التركي والمهدوي والإنجليزي المصري تابعة لمصر ولا كانت تدار من مصر. ففي عهد المهدية استولى عليها الخليفة عبد الله التعايشي وولى عليها الخليفة عبد الله الأمير الحسن الحاج سعد العبادي على عتباي. وبقيت حلايب تحت إمرته إلى أن وصلت المدمرة البريطانية وأطلقت مدافعها على الأنصار واعيد احتلال المنطقة بواسطة الانجليز في 12 مارس 1889. وأصبح المحافظ هو هولد سميث باشا والصاغ جاكسون الذي اعاد ترميم قلعة حلايب.
يتحدثون عن أن المشكلة بدأت منذ بداية الاستعمار الانجليزي المصري للسودان؟
بعد عشر سنوات من الاحتلال البريطاني للسودان أبرم اتفاق بين اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر وبطرس غالي رئيس مجلس الوزراء كان ينص على أن خط العرض 22 هو الحد الفاصل بين السودان ومصر، وكان عملاً تعسفياً غير مدروس ولم يشرك فيه الجانب السوداني، لكن سرعان ما تم تعديل هذا الاتفاق بعد تسعين يوماً فقط حين تبين أن خط عرض 22 سوف يفصل قبيلة البشاريين إلى قسمين شماله وجنوبه، فتم التعديل بعد ثلاثة أشهر فقط ليكون الوضع أكثر ملاءمة مع الواقع حين تبين أن التقسيم قد فصل بين أفراد القبيلة الواحدة في المنطقة إلى شطرين.
ماهي الانتقادات التي وجهت لترسيم الحدود؟
أنه قسم منطقة النوبة ذات الطبيعة الواحدة إلى قسمين ليتبع كل قسم لإدارة منفصلة، وفصل قبيلة البشاريين السودانية عن السودان وكذلك أجزاء من قبيلة العبابدة المصرية عن مصر، ولهذا السبب احتاج للتعديل بعد مضي ثلاثة أشهر فقط من توقيعه ليكون الوضع أكثر ملاءمة مع الوضع المحلي.
هل طالبت مصر بحلايب عقب إعادة ترسيم الحدود؟
من المعلوم أن الحدود بين الدول لا ترسم وفقاً لخطوط العرض وخطوط الطول لولا أن منطقة الحدود كانت صحراوية أصلاً وخط العرض 22 يمر شمال وادي حلفا وجنوب قريتي دبيرة وإشكيت اللذين لم تطالب مصر بهما، كما أن الخط نفسه يمر جنوب مثلث حلايب ولم تطالب مصر بحلايب وأبو رماد وشلاتين بعد ذلك الإتفاق، بل ظل المثلث تابعاً لمركز سنكات الذي يمتد من شلاتين حتى أم شديدة المرغوماب شرق شندي وبعد إلغاء المراكز وقيام المجالس الريفية أصبحت منطقة حلايب تتبع لريفي بورتسودان .
كانت حلايب حاضرة في كل العمليات الانتخابية السودانية ما عدا الأخيرتين، هل أجرت مصر انتخابات في منطقة حلايب؟
لم يحدث إطلاقاً أن أجرت مصر إنتخابات في منطقة حلايب منذ بداية الحكم الدستوري فيها منذ عام 1922 وحتى إحتلالها في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في تسعينيات القرن الماضي. أما حكومة السودان فقد أجرت فيها كل الإنتخابات بعد إتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953 ففي الإنتخابات الأولى كانت دائرة حلايب تسمى الأمرأر والبشاريين وتشمل كل ريف بورتسودان وفاز فيها محمد كرار كجر من الأمرأر وفي الإنتخابات الثانية عام 1958 أصبح للأمرأر دائرة وللبشاريين دائرة وفاز بدائرة البشارين في حلايب حامد كرار شيخ خط عتباي .وفي إنتخابات 1965 في الديمقراطية الثانية سميت دائرة عتباي وفاز فيها محمد عثمان الحاج تيتة وفي إنتخابات 1968 سميت الدائرة 176 حلايب وفاز بها محمد عثمان الحاج تيتة وفي إنتخابات 1986 في الديمقراطية الثالثة سميت أيضا الدائرة 176 حلايب وفاز بها عيسى أحمد الحاج ، وحتى ذلك التاريخ لم يكن هناك أي وجود أو نفوذ مصري حتى قيام النظام المصري باحتلالها في أوائل التسعينيات بحجة أن الرئيس المصري تعرض لمحاولة إغتيال فاشلة في مطار أديس أبابا، إتهم المخابرات السودانية بتدبيرها فجاء الإحتلال المصري احتلالاً إستيطانيا أقام المنشآت وفتح الهجرة للمصريين لتغيير الوضع الديمقرافي لحلايب كما هو الواقع حالياً..
كيف بدأ الخلاف حول منطقة حلايب؟
في الفترة التركية كانت كل من منطقة النتوء وحلايب تابعتين للإدارة السودانية وكذلك خلال فترة المهدية وحتى تاريخ الغزو البريطاني كما قدمنا أعلاه . وكانت حدود السودان في القديم تعتبر (تخوماً) كغيرها من الحدود في افريقيا ومتسمة بعدم دقة التحديد والتعيين وعدم اكتمال التخطيط ويعزى ذلك لعدم معرفة واضعي هذه الحدود بها لطول الحدود وطبيعة الأرض وتداخل القبائل فالسودان كان يعرف عند الغزو الإنجليزي بأنه الأراضي التي تقع إلى الجنوب من خط عرض 22 درجة في محاولة لحصرالأراضي السودانية لأغراض الإدارة الجديدة. ولأن هذا التعريف فصل بعض الأراضي والقبائل السودانية من السودان فقد تم تكوين لجنتين مشتركتين في الفترة من 1899م – 1902م لتضع توصياتها بحيث يكون الوضع أكثر ملاءمة لما كان عليه الحال قبل الغزو. وفي 19 يناير 1899م تم تكوين لجنة وفاق مشتركة بين بريطانيا ومصر عرفت الأراضي السودانية بأنها الأراضي الواقعة جنوب خط عرض 22 درجة شمال ثم اضطرت لتعديل هذا القرار الذي لم يبن على دراسة للمنطقة لكونه فصل بين القبيلة الواحدة في كل من السودان (البشاريين) ومصر(العبابدة) فتم تكوين لجنة مشتركة من السودان ومصر وهي التي أوصت بإعادة المنطقة من وادي حلفا وحتى ادندان وفرص شمالا للسودان. وعلى ضوء التوصية أصدر وزير الداخلية المصرية فــي 26 مــارس 1899م الأمر الذي أعاد المثلث للسودان والذي جاء فيه “أنه تنفيذا للوفاق اعتبرت بموجبه شريحة الأراضي المقتطعة”. الخ كما صدر أمر وزير الداخلية المصرية في نوفمبر 1902م بعد معالجة اللجنة والأمر أعلاه للوضع في منطقة نتوء وادي حلفا تم الإتفاق على تكوين لجنة مشتركة لتضع توصياتها بحيث تضع قبائل البشاريين السودانية تحت الإدارة السودانية كما كان الوضع قبل وفاق 1899م والقبائل المصرية تحت الإدارة المصرية، وقد رفعت اللجنة توصياتها وأصدرها وزير الداخلية المصري بالأمر أعلاه وهو الأمر الذي أعيدت بموجبه إدارة منطقة حلايب حتى شلاتين إلى السودان أى كما كان الوضع قبل وفاق 1899م.
وبذلك تحددت الحدود بين مصر والسودان بموجب وفاق يناير 1899م المعدل بموجب أوامر وزير الداخلية المصري في مارس 1899م ونوفمبر 1902م كما سبقت الإشارة إلا أنه لا الوفاق ولا الأوامر لم تشر للمنطقة من جبل بعرتزقو وحتى كورسكو على النيل، وعليه وبعد عدة مكاتبات بين المخابرات العسكرية ومصلحة المساحة في الفترة بين 1907م و1909م تمت الموافقة على اعتبار تلك المنطقة (من الجبل وحتى بعرتزقو) من توابع مصر. وبهذا صارت الحدود النهائية بين السودان ومصر يحكمها وفاق 1899م المعدل بموجب أوامر وزير الداخلية المصري ومكاتبات المخابرات العسكرية.
وبعد أن تحددت الحدود بين السودان ومصر على الوجه أعلاه استمر السودان في إدارة المنطقتين خلال الفترة من 1899م –وحتى 1952م وكانت الإدارة مستمرة ومستقرة وهادئة ودون نزاع من أي جهة ، فقبائل البشاريين تتبع لنظارة البشاريين التابعة لمديرية بربر والتي نقلت في وقت لاحق لمديرية كسلا مجلس ريفي الأمرأر والبشاريين وكانت مظاهر السيادة مكتملة في الإدارة والقضاء وبسط الأمن.
وفي الفترة من 1952م – 1954م تمت إجازة قانون الحكم الذاتي للسودان الذي وضعته لجنة اشترك فيها مندوب عن مصر. كما تم فيها إجراء الإنتخابات السودانية على ضوء لائحة الحكم الذاتي بإشراف لجنة مثلت فيها مصر أيضا واستمرار الإدارة السودانية للمنطقتين دون انقطاع كما شملهما التعداد السكاني(السوداني) الأول الذي أجرى في عام 55/1956م.
وعند إعلان السودان لاستقلاله في أول يناير 1956م جاء في وثيقة الإستقلال أن السودان أصبح حراً مستقلاً بحدوده المعلومة عندما كان يسمى (السودان الإنجليزي المصري) وكانت الحدود عند الإستقلال محكومة بوفاق 1899م والتعديلات اللاحقة (أوامر وزير الداخلية المصري ومكاتبات الإستخبارات(. والتي اعتبرت منطقة حلايب وشلاتين جزءا من الأراضي السودانية وتابعة لها إدارياً.
هذا وقد تم اعتراف كل من مصر وبريطانيا بهذا الإستقلال، ولم تتحفظ مصر على ما ورد بوثيقة الإستقلال بل أشارت فقط إلى احترام الإتفاقيات التي عقدت بالنيابة عن السودان، وقد ظل السودان يراعي ذلك في كل سياساته.
متى بدأت مصر تطالب بإعادة مثلث حلايب لها؟
حين شرع السودان في اجراءت الانتخابات العامة في 1958م تقدمت مصر بمذكرة للحكومة السودانية تطلب فيها إعادة منطقتي نتوء وادي حلفا وحلايب بحسبانها من توابع مصر في مقابل إعادة منطقة تقع جنوب خط عرض 22 درجة شمال وتطور الأمر عندما ذكرت مصر أنها تود أن تجري استفتاء لمواطني المنطقة على رئاسة الجمهورية العربية المتحدة – علماً بأن المواطنين بشاريون سودانيون، وتبع ذلك إرسال قوات مصرية للمنطقة الأمر الذي دفع السودان دفعاً لرفع شكواه لمجلس الأمن بعد أن استنفد كل الوسائل الأخرى.
حاول السودان بشتى الوسائل إيقاف التدخل المصري في المنطقة بحسبانه تدخلاً في الشئون الداخلية للسودان عن طريق استدعاء السفير المصري في السودان وإبلاغه بالمعلومات المتوفرة عن التدخل المصري – والذي نفاه بدوره – وعن طريق إيفاد وزير الخارجية السودانية لمصر، وعن طريق الإتصال الهاتفي بالقيادة المصرية وعن طريق إبلاغ جامعة الدول العربية.
وماذا فعلت حكومة السودان بعد فشل محاولاتها لإبعاد مصر من حلايب؟
رفع السودان شكواه لمجلس الأمن الدولي الذى قبل الشكوى وحدد موعداً لمناقشتها وعقد جلسة استمع فيها لشكوى السودان وتعليقات الأعضاء والتي جاءت في معظمها مؤيدة للموقف السوداني ثم استمع إلى رد مصر والذي طلبت فيه تجميد الموقف على ما كان عليه بعد أن سحبت قواتها على أن ينظر في الحل بعد إجراء الإنتخابات السودانية التي كان محددا لها 21 فبراير 1958م وبالفعل أجريت الإنتخابات الأولى وكانت منطقتا نتوء وادي حلفا وحلايب ضمن الدوائر الإنتخابية السودانية ثم أجريت انتخابات في المنطقة بعد ذلك وسكتت مصر سكوتاً كاملا حتى عام 1991.
ماهي الأسباب التي أدت إلى احتلال مصر لمنطقة حلايب؟
هناك أسباب كثيرة للأطماع المصرية في حلايب منها أطماع إقتصادية وأخرى أمنية عسكرية استراتيجية، فعلى المستوى الاقتصادي نجد أن المنطقة غنية جداً بالمعادن مثل “الذهب والفوسفات والمنجنيز والميكا والبترول والغاز الطبيعي” وهذا يفسر قضية تصاريح التعدين التي حدثت خلال الفترة من 1915م وحتى 1954 حين أصدرت مصلحة المحاجر والمناجم المصرية تصاريح للتنقيب عن المعادن بالمنطقة وكان إصدار هذه التصاريح من مصلحة المناجم والمحاجر إما لعدم معرفة المصريين للمناطق التابعة لهم وإما لتداخل الإدارات في السودان ومصر وذلك أن الإدارة في كلا البلدين كانتا تحت موظفين بريطانيين – وإما لخطأ في تفسير الوفاق والتعديلات اللاحقة في الحدود السودانية المصرية. وقد يفسر هذا استمرار ادعاء مصر بأن المنطقة تابعة لهم حتى بعد ترسيم الحدود وحتى بعد استقلال السودان “كما أن هناك مفهوماً سائداً لدى الشعب المصري مسئولين ومواطنين وهو أن السودان بأكمله تابع لهم أو ملك لهم” وعلى كل فقد تدخلت الحكومات السودانية المتتابعة ومنعت مصر من إصدار أى تصاريح جديدة للتنقيب في المنطقة بل باشرت إصدار تصاريح للتنقيب لشركات سودانية وأجنبية لكنها رغم ذلك سمحت لشركة النصر للفوسفات – وهي شركة مصرية- بمواصلة عملها إحتراماً للتجميد الذي تم من طرف واحد. وعندما حاولت الشركة تجاوز مناطق عملها العادي أوقفت الحكومة السودانية أعمال الشركة عام 1985م واستمر السودان في إدارة المنطقة وإصدار التصاريح دون انقطاع.
– ومن الناحية الأمنية الدفاعية فقد كانت مصر تعتبر المنطقة هي منطقة آمنة للقوات المصرية ففي عام 1967م حين وقعت الحرب الإسرائيلية المصرية طلبت مصر من السودان – حماية ظهرها بالسماح لطائراتها وقواتها باستخدام المطارات والأراضي السودانية فسمح السودان باستعمال مطار وادي سيدنا كما سمح للقوات المصرية بإنشاء نقاط عسكرية جنوب شلاتين لأغراض مراقبة الطيران الإسرائيلي المنخفض بالنظر وقد تم الإجراء أعلاه في إطار إتفاقية الدفاع العربي المشترك. وكان من المتوقع والطبيعي سحب النقاط العسكرية المصرية عام 1981م وهو تاريخ توقيع إتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل خاصة بعد أن سحبت مصر نقاطاً عسكرية مماثلة شمالاً ولكنها استمرت في التواجد في المنطقة بل وقامت باستبدال المنشئات غير الثابتة والمواد غير الثابتة بمنشئات ومواد ومباني ثابتة، كما كثفت من المرور على هذه النقاط، وزادت الإتصال بالمواطنين في المنطقة عن طريق مدهم بالمياه ومواد التموين وبدا الأمر وكأنه استمالة للمواطنين. وقد دل هذا الإجراء على أن مصر أرادت استغلال الوجود العسكري في الأراضي السودانية لتثبت حقاً هو ليس لها وهو الأمر الذي جعل السودان يوقف أعمال الشركة في 1985م ويمنعها من ترحيل المانجنيز الموجود في المراسي السودانية. وتعددت إعتراضات السودان على تصرفات مصر في الأراضي السودانية، وكانت الإجراءات تتفاوت بين القبض على العسكريين والمدنيين الذين يزورون المنطقة بدون منحهم الأذونات وتقديمهم للمحاكمات وتتم معالجة هذه الحالات في إطار علاقات الإخاء وحسن الجوار وقد استمر هذا الوضع حتى قيام ثورة الإنقاذ الوطني في يونيو 1989م. وبعد محاولة الاغتيال كانت مصر تتحين الفرص للقيام بأي عمل استفزازي من شأنه أن يوتر العلاقات مع النظام في السودان حيث اعترضت مصر على حق السودان في منح حق التنقيب لشركة كندية وصاحبت الاعتراض حملة اعلامية من جانب مصر حاولت فيها إثبات تبعية منطقة حلايب لمصر. وتعددت وتنوعت تصريحات المسؤولين التي تهاجم السودان.
=============================================
الخبير الاستراتيجي الدكتور عمر فضل الله لـ “الجريدة” (2 -2)
لهذا ترفض مصر التحكيم وعمرو موسى اقترح تقسيم المثلث بالمناصفة
حوار عيسى جديد
قضية حلايب ظلت تراوح مكانها، منذ احتلالها من قبل الجيش المصري وظل السودان يجدد شكواه ضد مصر للأمم المتحدة كل عام، ودعت الحكومة السودانية في 17 أبريل الماضي مصر للجلوس للتفاوض المباشر لحل قضية منطقتى حلايب وشلاتين ، أسوة بما تم مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية حول جزيرتى تيران وصنافير، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي امتثالاً للقوانين والمواثيق الدولية، باعتباره الفيصل لمثل هذه الحالات، كما حدث في إعادة طابا للسيادة المصرية. “الجريدة” حاورت الخبير الاستراتيجي الدكتور عمر فضل الله وطرحت عليه أسئلة عديدة عن ملف قضية حلايب، فإلى ما جاء فيها:
د. جعفر ميرغني أفحم يونان لبيب وأثبت سودانية حلايب من مؤلفاته يونان نفسه
القاهرة استغلت انشغال الخرطوم بالحرب في الجنوب واحتلت حلايب عسكريا وقامت بتمصيرها
الحكومات السودانية منذ فترة عبدالله خليل والحكومات السودانية لم تتخذ موقفاً صارماً حيال سياسة مصر في حلايب؟
في واقع الأمر لم يكن مثلث حلايب موضوع نزاع واضح منذ الاستقلال فقد كان تحت الإدارة السودانية طوال هذه المدة وكذلك النتوء الشمالي لمنطقة وادي حلفا رغم أن المنطقتين لم تسلما من المناوشات بين الفينة والأخرى من جانب الحكومات المصرية في محاولات للحصول على إدارة المنطقتين فعلى سبيل المثال في يوم 29 فبراير 1958م أرسلت وزارة الخارجية المصرية مذكرة تشير إلى تقسيم الدوائر الإنتخابية لمجلس النواب السوداني، وتطالب فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسليم شئون الإدارة في منطقتي حلايب بالصحراء الشمالية الشرقية، ومنطقة شمال وادي حلفا على خط عرض 22 درجة شمالاً لمصر دون تحديد بقعة معينة.
هل ورد ذلك في المذكرة نصاً؟
في هذه المذكرة، أبدت مصر استعدادها بتسليم السودان منطقة في حدود السودان الشمالية الشرقية، قد سبق أن اقتطعت من السودان وأضيفت إلى مصر عند تعديل الحدود بين البلدين وقبل أن تعد حكومة السودان ردها، على هذه المذكرة المصرية، أرسلت مصر فصيلة من الجيش المصري إلى منطقة حلايب وما جاورها. وعندما قامت خارجية السودان باستدعاء سفير جمهورية مصر(محمود سيف اليزل خليفة) وتم استيضاح الأمر نفى السفير وجود قوات من الجيش المصري في هذه الأراضي السودانية ورفضت الحكومة السودانية المساومة.
ماذا حدث بعد ذلك؟
قامت الخارجية المصرية بمحاولة أخرى في 13 فبراير من نفس العام فأرسلت مذكرة تفيد أنها بمناسبة اجراء الإستفتاء بشأن الجمهورية العربية المتحدة، وانتخاب رئيسها في 21 فبراير ذاك، قد رأت ممارسة منها لسلطاتها المقررة، وأعمالاً لقواعد السيادة.. أن يتيسر للناخبين في المنطقتين المشار إليهما، سبيل الأداء بأصواتهم في ذلك على الإستفتاء. وطلب سفير مصر في السودان رد حكومة السودان على هذه المذكرة الثانية. وقد ذكر السيد عبد الله خليل للسفير المصري، بأن الحدود التي استقلال البلاد بموجبها، هي الحدود الدولية الطبيعية للسودان، وهي قائمة منذ 60 عاماً، دون أن ينازع عليها أحد. وأنه قد جرت الإنتخابات المصرية في فترات متعددة، ولم يتم تضمين هذه المناطق في الانتخابات المصرية وتم الإستفتاء حول شخص رئيس جمهورية مصر على أساس استثناء تلك المناطق، باعتبارها أراضي سودانية. كما حدث أن أجريت انتخابات البرلمان السوداني الأول (1953).. انتخابات الحكم الذاتي، بموجب الإتفاقية البريطانية ـ المصرية في فبراير 1953، وتحت إشراف لجنة دولية، كانت مصر ممثلة فيها على أساس أن تلك المناطق المذكورة أراضي سودانية وأن آهليها قد سبق لهم أن اشتركوا في انتخابات أول برلمان سوداني. وعندما نال السودان استقلاله، كانت أولى التحفظات التي أبداها لدولتي الحكم الثنائي، أنه لن يكون السودان ملزماً بأي معاهدات أو اتفاقات أبرمت بينهما نيابة عن السودان في خلال فترة الحكم الثنائي للبلاد، ما لم تعرض عليه تلك المعاهدات والإتفاقات ويقرها. وذلك في بيان السيد أول رئيس لحكومة السودان (اسماعيل الأزهري) الذي ألقاه بالبرلمان في أول يناير 1956. وعندما ، أبلغت وزارة الخارجية المصرية، سفير السودان بالقاهرة، بأن الحكومة المصرية، قد أرسلت لجان استفتاء يرافقها حرس من سلاح الحدود، إلى تلك المناطق التي تطالب بها مصر وذلك لإجراء الإستفتاء فيها وأنهم سيكونوا في المواقع التي حددت لهم، لإجراء الإستفتاء وهو يوم 21 فبراير 1958.
ثم ماذا؟
في صباح يوم الاثنين 17 فبراير اجتمع مجلس الوزراء السوداني لدراسة الأمر وتم رفض الأمر جملة وتفصيلاً إلا أن قوات مصرية توغلت جنوباً إلى قرى سرة وفرص ودبيرة وفي الشمال الشرقي (حلايب) وصلت فصيلة عسكرية وحطت رحالها في قرية أبو رماد التي يقيم فيها عدد صغير من قبائل العبابدة والبشاريين السودانيين في داخل الأراضي السودانية. فتصدت لهم قوة سودانية صغيرة يقودها ملازم من جنوب السودان حيث أمرهم بالإنسحاب من المنطقة فوراً. فأعلنت التعبئة العامة في السودان وبعث عبد الله خليل برقية عاجلة إلى مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، ليرفع الأمر إلى المسيو داج همرشولد السكرتير العام (الراحل) للأمم المتحدة.
وماذا حدث بعد تقديم شكوى السودان؟
تلقت وزارة الخارجية في السودان برقية عاجلة أخرى من مندوبه في الأمم المتحدة، تفيد أن مجلس الأمن قد أبدى عطفه مع قضية السودان، بحيث تم انعقاده في أسرع وقت، كما أظهر المجلس اهتماماً عظيماً بهذه المشكلة. هذا وسينعقد المجلس فوراً إذا استدعى الموقف ذلك في المستقبل. وقد أخذ المجلس علماً بتأكيدات مصر التي تضمنت تأجيلها لبحث مسألة الحدود إلى ما بعد الإنتخابات السودانية.
هل سكتت مصر منذ كل هذا الزمن لتثير المشكلة في التسعينيات؟
الحكومة المصرية لم تثر موضوع النزاع حول الحدود المشتركة حتى منتصف 1983م. حيث توغلت قوة عسكرية مصرية في داخل الحدود السودانية ورابطت في الأراضي السودانية التي ادعت ملكيتها من قبل واعتقلت بعض القيادين السودانيين وأخذتهم إلى اسوان وحاكمتهم متهمة إياهم بالدخول في داخل الحدود المصرية، وأوقعت عليهم عقوبات رمزية . لكن مصر بعد ذلك كانت تتبع سياسة النفس الهاديء في تمصير المنطقة مستغلة ضعف الحكومات السودانية وانشغالها بالقضايا الداخلية.
منذ استقلال السودان هناك أجزاء حدودية ظلت محل خلاف مع دول الجوار، من وجهة نظرك ماهي الأسباب؟
الحدود نشأت مع الاستعمار الأوربي في افريقيا وقد حرص الاستعمار على أن يترك من خلفه مناطق نزاع حدودية تضمن عودته للتدخل في الشئون الأفريقية متى أراد، ولهذا فقد تم رسم أو تعيين الحدود بين الدول الأفريقية بطريقة ذكية وبعناية شديدة ليضمن تحقق استراتيجيته لإبقاء افريقيا مقسمة ومتنازعة وهذا يفسر الكثير من الخلافات بين الدول في مناطق الحدود. ومعلوم أن الاتفاقيات والمعاهدات التي تحكم الحدود كانت فيها أطراف متعددة فعلى سبيل المثال فإن الحدود السودانية الإثيوبية يحكمها عدد من الإتفاقيات والمعاهدات التي اشترك فيها إلى جانب السودان واثيوبيا وارتريا عدد من الدول الإستعمارية منها بريطانيا وإيطاليا ومصر وقد نشأت مشكلة حقيقية بين السودان واثيوبيا على الأراضي السودانية بإقامة المزارع في منطقتي الفشقة الكبرى والفشقة الصغري بواسطة اثيوبيا وما زالت هذه المنطقة محل نزاع .وقد حاول السودان علاج المشكلة عن طريقين أحدهما فرض السيطرة الأمنية وتعمير المنطقة. والآخر بالتفاوض مع اثيوبيا من خلال اللجنة الوزارية المشتركة. ورغم أن المحاولات أثمرت عن اتفاقية 1972م بتبادل المذكرات إلا أن الخلاف مازال قائما حول تفسير النصوص وأولية التخطيط. أما الحدود السودانية الكينية فهي محكومة بأمر وزير المستعمرات البريطاني لسنة 1914م .. تعديل 1926م وإنه لأسباب تتعلق بغارات القبائل السودانية والإثيوبية والكينية بعضها بعض أجر السودان الأراضي التي عرفت فيما بعد بمثلث اليمي لتدار بواسطة كينيا وقد شجع هذا الوضع فيما بعد كينيا ادعاء ملكية مثلث اليمي البالغ مساحته 8743 ميلا.
أما الحدود السودانية اليوغندية فهي محكومة بنفس وثائق الحدود الكينية ويوغندا هي الأصل. والخلاف نشأ بسبب عدم اشتمال خط يوغندا لتفاصيل وصف الحدود في منطقة قبائل الكوكو وكانت يوغندا إلى ما قبل سبتمبر1889م لا تعترف بهذه الوثائق.
هل قدم السودان مذكرة لمحكمة العدل الدولية بخصوص حلايب؟
السودان ليس عضوا ً في المحكمة الدولية ولهذا فقد قدم شكوى لمجلس الأمن في عام 1958 وقدمها أيضاً في عام 1991 وظل يجددها منذ ذلك الحين وكان السودان يأمل في حل الخلافات ودياً بالتفاوض وعدم اللجوء للتحكيم.
ما الذي تريده مصر من حلايب؟
بعد أن كانت مصر تستخدم المنطقة كأحد كروت الضغط السياسي على النظام في السودان قررت المضي قدما واحتلال المنطقة وتكريس سياسة الأمر الواقع فاستغلت انشغال السودان بالحرب في الجنوب واحتلت حلايب عسكرياً وقامت بتمصيرها منذ العام 1991 وهي تنوي استغلال ثروات المنطقة من الناحية الاقتصادية مثلما أن المنطقة تعتبر محوراً متقدماً لمصر في المنطقة الجنوبية للبحر الأحمر.
لماذا ترفض مصر التحكيم؟
مصر تعلم أنها لو لجأت للتفاوض أو للتحكيم فسوف تخسر القضية فالتاريخ والوثائق والأدلة والخرائط والمكاتبات الرسمية وكل الشواهد ليست في مصلحة مصر ومصر تعلم ذلك وقد تأكد لهم هذا الأمر في آخر مفاوضات جرت في شرم الشيخ بعد قيام مصر باحتلال حلايب وشلاتين وأبورماد وكان وفد السودان في هذا التفاوض برئاسة على محمد عثمان يس، وزير العدل الأسبق، وكان الوفد المصري برئاسة عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، و قد دار الحوار المشهور بين الدكتور جعفر ميرغني الخبير السوداني ود.يونان نبيل لبيب الخبير المصري حيث أقام د. جعفر ميرغني الحجة بأحقية السودان في المنطقة من واقع كتابات ومؤلفات عضو الوفد المصري د. يونان لبيب فقط وهي الجلسة التي إقترح فيها عمرو موسى تقسيم المثلث بالمناصفة، بحيث يكتفي السودان بالنصف الجنوبي و تواصل مصر في إحتلال النصف الشمالي ، ولكن رفض علي محمد عثمان يس ذلك الإقتراح. والشاهد هو أن مصر تعلم أنها خاسرة لو لجأت للتفاوض أو التحكيم ولهذا فقد لجأت لبذل الجهد لتمصير أهل وسكان المنطقة.
في ظل احتلال مصر لحلايب وصمت السودان ماهو الحل؟
أعتقد أن الحل يكمن في إعادة النظر في استراتيجية السودان تجاه مصر جملة وتفصيلاً. فالسودانيون ظلوا ولفترات طويلة ينتهجون سياسة خاطئة تجاه الحكومات والأنظمة في مصر وفي تقديري أنها سياسات خاطئة مبنية على تقديرات خاطئة ويجب إعادة النظر فيها فالحكومة المصرية، انتهجت منذ زمن طويل، ربما منذ أكثر من قرنين من الزمان، أو قل منذ العهد الخديوي استراتيجية إزاء السودان (تكادُ) تكون ثابتة. وهذه الإستراتيجية مبنية على مبررات كثيرة. بعضها مبررات إقتصادية، وبعضها مبررات ديموغرافية، وبعضها مبررات أمنية، وبعضها مبررات نابعة من أيديولوجية وحدوية في بعض الأحيان.
هل هناك هدف وراء إحتلال مصر لحلايب؟
الحكومة المصرية تريد في الواقع أن يكون النظام السياسي في السودان أو الحكومة في السودان، رديفاً تابعاً للنظام المصري بصورة من صور التبعية، إما تبعية أيدولوجية، أو تبعية ثقافية، أو تبعية إقتصادية. وإذا تعذرت التبعية الكاملة لأي سبب من الأسباب فإن الحكومة المصرية تريد أيضا أن ينزلق السودان في حالة من الإضطراب السياسي والإقتصادي، وعدم الإستقرار الأمني فيكون في حالة إعياء سياسي مستمر لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر في قراراته وفي وجهته وفي استراتيجياته ولا يستطيع حتى أن يرسم استراتيجياته. إذا تعذر هذا الخيار فإنها تود أيضاً ـ إذا صار السودان غير تابع وإذا صار مستقراً سياسياً فإنها تود أن يكون الخيار الثالث أن يبقى السودان معزولاً، فلا يجد جهة يتحالف معها، خاصة إذا كانت هذه الجهة غير مرضي عنها من مصر. هذه ثلاثة مؤشرات تكاد تصبح قواعد ثابتة في السياسة المصرية، منذ عهد الخديوي، حتى عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. ومن الواضح أن قرار مصر احتلال المنطقة جاء في هذا الإطار كعمل تأديبي للسودان فمصر أرادت أن تبعث برسالة للسودان مفادها أن مصر ستفعل ما تريد في الأراضي السودانية ولن يجرؤ السودان على الدخول في مواجهة مع مصر وبذلك مضت مصر في تكريس الأمر الواقع وشجعها على ذلك أن المنطقة غنية جداً بالذهب والمعادن والبترول.
يتحدث بعض المراقبين ان مصر حاولت جر السودان لمواجهات حدودية؟
صحيح كانت مصر تحاول جر السودان لمواجهات حدودية يمكن تطويرها في ذلك الوقت لمواجهات أكبر فمصر التي كانت هي الحليف الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة فشلت في التكهن بالأحداث التي حدثت أيام مجيء الإنقاذ فصنفتها كحليف لها في المنطقة وأن العسكريين الذين جاءوا للحكم هم من الموالين لها وربما كانت مصر تتوقع انقلاباً عسكرياً في السودان من حلفائها في تلك الأيام وهذا التصنيف الخاطيء أدى إلى إسراع الولايات المتحدة للاعتراف بالنظام الجديد في يونيو 1989.
هل تعني أن مصر كانت ستشعل حربا في المنطقة بتحريض أمريكي؟
بعد الإنقلاب بفترة قصيرة صارت مصر تتصرف بتحريض أمريكي وذلك لأن أمريكا كانت تعتقد أن الحكومة السودانية تمول وتدعم الحركات الجهادية وخاصة المصرية وتدربها لإحداث فوضى وعدم استقرار في مصر ومصر كانت في ذلك الوقت تعتبر أنها عنصر فاعل في النظام الدولي والإقليمي الجديد، بدليل أنها كانت تبحث بحثاً عن نقاط الخلاف مع السودان. ففي حرب الخليج سعت مصر بكل ما أوتيت من مساع دبلوماسية وسياسية لإحراج السودان وتصنيفه ضمن دول الضد رغم أن موقفه في حرب الخليج كان رافضاً لاحتلال الكويت وتحدثت الآلة الإعلامية في ذلك الوقت عن صواريخ عراقية منصوبة لضرب السد العالي. وعندما زار الرئيس الإيراني رفسنجاني السودان قالت مصر إن هناك صواريخ إيرانية لضرب السد العالي. ثم تحدثت الآلة الإعلامية المصرية عن الإرهاب الذي منبعه السودان والتيار الأصولي الذي في السودان. ومعسكرات التدريب لتدريب الأصوليين المصريين، ثم قامت مصر بالتصعيد الذي حدث في حلايب واحتلاها رغم استمرار التفاوض بين البلدين في ذلك الوقت. وكأن مصر في ذلك الوقت كانت تبحث بحثاً عن الخلاف. ومؤخراً سعت مصر بكل ما أوتيت لعزل السودان عن الدول العربية ودول الخليج العربي وسعت لوصم السودان برعاية الإرهاب حتى بعد التحولات الواضحة في السياسة السودانية مؤخر واتجاه السودان للانفتاح على دول الخليج والمملكة العربية السعودية وحتى بعد قيامه بطرد الوجود الإيراني ومشاركته في حرب قوات التحالف العربي كما أن مصر سعت أيضا للوقيعة بين السودان وإثيوبيا وكذلك بين السودان واريتريا بهدف إبقاء السودان معزولاً ومحاصراً.
ماهي الخيارات المتاحة للسودان إزاء استمرار احتلال مصر لحلايب؟
– السودان الآن يملك خيارات كثيرة يمكنه اللجوء إليها ومنها تصعيد الأمر في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن للضغط على مصر لقبول التحكيم الدولي.
– ومن الخيارات إلغاء اتفاقيات الحريات الأربع مع مصر الموقعة من من طرف واحد هو طرفنا وإيقاف التجارة مع مصر ومنع المصريين من العمل والتملك والتنقل والإقامة.
– ومن الخيارات أيضا إثارة ملف المياه وذلك بالمطالبة بالأراضي التي أدخلت ضمن بحيرة السد العالي (150 كيلومتراً) والتي غمرتها المياه دون مقابل. والمطالبة بتعويض عن استغلالها طوال 45 سنة بواسطة مصر.
– ومن حق السودان وقف الدين المائي البالغ عشرة مليار متر مكعب سنويا والتي تذهب من حصتنا إلى مصر واسترداد حصتنا التي كانت تذهب إلى مصر من المياه منذ العام 1959 والبالغة 560 مليار متر مكعب.
– ومن حق السودان إلغاء الاتفاقيات التي وقعت بواسطة السلطات البريطانية وغيرها من السلطات – في غياب السلطة السودانية أيام الاحتلال البريطاني للسودان – وعدم الاعتراف بها وبذلك يتاح للسودان إنشاء السدود والخزانات وتحويل أنصبته من المياه شرقاً وغرباً.
– ويستطيع السودان التوقيع على اتفاقية عنتيبي لتقسيم المياه مما يحفظ لأجيالنا القادمة أنصبتها كاملة غير منقوصة.
– ومن الخيارات أيضاً اعلان التعبئة العامة لاستعادة مثلث حلايب وإنزال قوات سودانية في المثلث. وقد سبق أن أعلن السودان التعبئة في عام 1958 حين تحركت القوات المصرية لاحتلال حلايب.
– ومن الخيارات التي يملكها السودان هو خيار التحالف الإقليمي مع إثيوبيا الجارة الشرقية وخاصة في موضوع ملف المياه ومصر تعلم أنها الجانب الأضعف في هذا الأمر وأنه لن يكون في مصلحتها بأي حال من الأحوال.
هل ستجبر الخيارات التي ذكرتها مصر للتراجع عن موقفها والانسحاب من حلايب؟
يقيني أن مصر لن تضطر السودان للجوء لهذه الخيارات لو قارنتها بالاستمرار في احتلال مثلث حلايب من حيث الأرباح والخسائر. والسياسة السودانية الحالية التي تنتهج النفس الطويل والثبات على الموقف الواحد تبين أنها سياسة خاسرة على المدى الطويل لأن مصر قامت بتكريس الأمر الواقع في المنطقة. وبعد أن تتأكد من ذلك سوف تدعو إلى استفتاء سكان المنطقة لتقرير المصير أسوة بما حدث في جنوب السودان وفي مناطق أخرى من العالم.
هل تستخدم مصر ورقة حلايب ككرت ضغط علي الحكومات السودانية في قضية المياه مثلاً؟
مصر الآن لا تستخدم حلايب كورقة ضغط فقد انتهى هذا العهد لأن مصر تقدمت كثيراً في تكريس الأمر الواقع بالاحتلال النهائي للمنطقة وضمها إلى مصر إلى الأبد.
حوار: عيسى جديد ـ “الجريدة”
ادخل على اليوتيوب الجيش المصرى والاستخبارات المصرية يهربان الذهب المستخرج فى السودان
لابد من مبادرة شعبية شبابية للضغط على الحكومة لتفعيل كل الخيارات المطروحة اعلاه وعدم اضاعة مزيد من الوقت يستفيد منه جيران السؤ.. ياليت الشباب المتمكنين من برامج التواصل الاجتماعي الالتفات هذا الامر الخطير وهو استمرار جار السؤ في تمصير المنطقة بالترغيب والترهيب وصولا لاقتراح تقرير المصير.
الشعب السوداني ( يُطالب) ويترجى حكومة السودان بتنفيذ المطلوبات الآتية عاجلا غير آجل لإيقاف جارة السوء في حدها والمطلوبات ملخصة من المقال اعلاه وهي:-
“ماهي الخيارات المتاحة للسودان إزاء استمرار احتلال مصر لحلايب؟
– السودان الآن يملك خيارات كثيرة يمكنه اللجوء إليها ومنها تصعيد الأمر في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن للضغط على مصر لقبول التحكيم الدولي.
– ومن الخيارات إلغاء اتفاقيات الحريات الأربع مع مصر الموقعة من من طرف واحد هو طرفنا وإيقاف التجارة مع مصر ومنع المصريين من العمل والتملك والتنقل والإقامة.
– ومن الخيارات أيضا إثارة ملف المياه وذلك بالمطالبة بالأراضي التي أدخلت ضمن بحيرة السد العالي (150 كيلومتراً) والتي غمرتها المياه دون مقابل. والمطالبة بتعويض عن استغلالها طوال 45 سنة بواسطة مصر.
– ومن حق السودان وقف الدين المائي البالغ عشرة مليار متر مكعب سنويا والتي تذهب من حصتنا إلى مصر واسترداد حصتنا التي كانت تذهب إلى مصر من المياه منذ العام 1959 والبالغة 560 مليار متر مكعب.
– ومن حق السودان إلغاء الاتفاقيات التي وقعت بواسطة السلطات البريطانية وغيرها من السلطات – في غياب السلطة السودانية أيام الاحتلال البريطاني للسودان – وعدم الاعتراف بها وبذلك يتاح للسودان إنشاء السدود والخزانات وتحويل أنصبته من المياه شرقاً وغرباً.”انتهى.
نكرر الرجاء ان توقف الحكومة السودانية المطلوبات اعلاه تحديا للتمادي المصري في تغولها على ارض حلايب وشلاتين ، وشتائمها وسبابها المقرف للشعب السوداني وتهكمها على الشخصية السودانية وتاريخها الناصع في احتمال الاذى القادم من الشمال.من مصر عدوة بلادي.
متسائل
كلام عين الحقيقة
الذى كاتبة هذا المقال واحد من ضان ارهابين السياسة