الشيخ راشد الغنوشي: هذه نصيحيتي للإسلاميين في السودان (…)
– نظام الحزب الواحد والحاكم الفذ لم يعد مقبولاً
– ليس هناك نموذج إسلامي وعلى كل بلد أن يصنع نموذجه
– سعيد بالتقارب بين الوطني والشعبي
– هذه نصيحيتي للإسلاميين في السودان (…)
– مهمة الحزب سياسية ولا ينبغي أن يكون مشغولاً بكل شيء
– شمولية الفكرة لا تعني شمولية التنظيم
– الربيع العربي نجح لكن انتصار فكرة التغيير تحتاج إلى ظروف ووقت
– نلتقي مع المؤتمر الوطني على الإسلام ألا يكفي ؟!
– التجارب الإسلامية كالأواني المستطرقة يستفيد بعضها من بعض
– الرهان على ديمقراطية استيعابية وليس صراعية بين إسلاميين وعلمانيين
– ينبغي المضي قدماً نحو نظام يستوعب المفردات الوطنية السودانية دون أي إقصاء
حاوره: فتح الرحمن شبارقة- حوار خاص لـ (الرأي العام)
ليس سهلاً اختزال تجربة في طول وثراء تجربة الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في بضعة دقائق وأسئلة – مهما استطالت- فإنها ستتقاصر حتماً أمام قامة الرجل السياسية والفكرية المديدة، فقد أضحى الغنوشي، وحركة النهضة التي يقودها أشبه بنقطة الضوء الساطعة في مواسم الفشل والفوضى التي ضربت دول الربيع العربي بعد أن قاد بنفسه عملية التصالح والانتقال الكبير في تونس الخضراء. تونس التي كانت على مشارف تحرير شهادة فشل للحراك الثوري الذي انتظم بلدان المنطقة، فلح الغنوشي بفضل حنكته السياسية وتنازلاته الحقيقية، والجراحات والمراجعات الفكرية العميقة التي بادر بها في جعل تجربتها و(نهضتها) واحدة من التجارب الأكثر إلهاماً في العالم ربما، وفي مجال الحركات الإسلامية خاصة.
جاء المفكر والزعيم الإسلامي للخرطوم تتقدمه سيرته ذاتية باذخة للمشاركة في المؤتمر العام الرابع للمؤتمر الوطني. ونظراً للثقل الذي يتمتع به، ظل الرجل منذ لحظة وصوله للمطار فجر أمس، الوجهة المفضلة لكثير من القادة السياسيين والإسلاميين بالبلاد، ولزملاء إعلاميين وصحفيين مثابرين حرصوا على محاورته، أو على الأقل الحصول منه على إفادات خاصة. (الرأي العام) فلحت في محاورة الغنوشي بعد أن لاحقته بإلحاح منذ لحظة دخوله للبلاد عبر صالة كبار الزوار إلى مقر إقامته بفندق كورنثيا بالخرطوم. وهناك، جلست إليه لدقائق معدودة بسبب إجهاده من السفر الطويل، وخرجت منه بهذه الحصيلة الحوارية:
* أثارت دعوتك لفصل السياسي عن الديني جدلاً كبيراً حتى أن البعض اعتبرها علمانية في ثوب إسلامي.. هل تنصح السودانيين بذلك.. أم هي فكرة تونسية خالصة؟.
– هو فصل وظيفي. يعني فصل النشاط الدعوي عن النشاط السياسي، فلا ينبغي للحزب أن يكون مشغولاً بكل شيء. الحزب مهمته سياسية. والمجتمع المدني يقوم ببقية أجزاء المشروع الإسلامي. وكون الإسلام دين شامل هذه حقيقة، ولكن لا ينبغي للتنظيمات التي تشتغل للإسلام أن تكون شاملة هي أيضاً. فشمولية الفكرة لا تعني شمولية التنظيم. إذن الانفصال الذي نتحدث عنه ليس انفصالاً في العقل والقلب، وإنما انفصال وظيفي، وتوزيع للوظائف.
وكون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إمام الصلاة، وكان القاضي وكان القائد العسكري والمفتي، فإن هذا لا يعني أن رئيس التنظيم الإسلامي (الأخوان المسلمين أو النهضة) ينبغي أن يكون إماماً وقاضياً وقائداً عسكرياً، لأنه بعد ذلك تلك النواة التي تكثّف فيها المشروع الإسلامي، توزع بعد ذلك عندما انتصرت الفكرة، وأصبح هناك جهاز قضائي وجهاز عسكري وجهاز دعوي وجهاز علمائي، فنحن نتحدث هنا عن التخصص، وهي الفكرة المركزية. إذن نحن ينبغي أن نتخصص. والحزب الإسلامي مهمته سياسية، أن يصلح من خلال أجهزة الدولة. وهنالك تنظيمات أخرى وجمعيات في المجتمع المدني تتوجه مباشرة إلى المجتمع من خلال المسجد والجمعيات الخيرية والثقافية والرياضية.
* كيف تركت الطقس السياسي في تونس قبل زيارتك للسودان؟
– تونس بخير إن شاء الله، وتحيي أشقاءها في السودان، وتتمنى لهم الخير والتوفيق. وهي تمر بمرحلة انتقالية من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، ويعتبر انتقالها ناجحاً واستثنائياً لا سيما على المستوى السياسي. وهي تعمل الآن على أن ترفد انتقالها السياسي والديمقراطي بانتقال اقتصادي اجتماعي يوفر الشغل ويوفر الكرامة للشباب الذين قاموا بالثورة من أجل الحرية ومن أجل الكرامة والشغل.
* من المفارقات أنك كنت مفتوناً بالحركة الإسلامية بزعامة الترابي..الآن أصبحت مثار إعجاب اسلاميي السودان..هل هي بضاعتهم ردت اليهم، أم بماذا تفسر ذلك؟
– التجارب الإسلامية كالأواني المستطرقة يستفيد بعضها من بعض. وكل تجربة تتفاعل مع محيطها وتحاول أن تستخرج أفضل ما يمكن أن يستخرج، وليس هناك نموذج يحتذى مطلوب نقله من مكان إلى آخر، لكل بلد أن يصنع نموذجه وأن يتفاعل بشكل خلاق بين قيم الإسلام الثابتة وبين الواقع المتغيّر.
* ماهي الأشياء التي استفدتها ربما من التجربة السودانية، أو تجربة الإسلاميين في السودان؟
– أولها أنه لابد من التمسك بالحرية، وأعظم قيم الإسلام بعد قيمة التوحيد هي قيمة الحرية. وآليات الحرية هي الحوار، فلا مناص من اعتبار الحوار سبيلاً وحيداً لحل ما ينجم من مشكلات ومن اختلافات، وإذا كان الله خلق الناس مختلفين، ولا يزالون. فالسبيل إلى تجاوز الاختلاف والوصول إلى الوحدة هو الحوار..
* على ذكر الحوار، كيف تنظر للحوار الوطني في السودان؟
– نثمن عالياً الحوار الذي حصل في السودان. ونحن نقدّر أنه قد استفاد من التجربة التونسية، تجربة التوافق بين أحزاب مختلفة إسلامية وعلمانية يمين ويسار في تجاوز هذه الاختلافات وتجنب الاستقطابات والوصول إلى دستور توافقي والوصول إلى تجربة انتقالية استثنائية ناجحة عبر اعتراف الجميع بالجميع ومنع الإقصاء ومنع العنف والتعويل على الحوار والبحث عن التوافقات.
* بماذا تنصح الإسلاميين في السودان؟
– أنصحهم بالمضي قدماً في نهج الحوار، والرهان على نظام استيعابي وليس على نظام إقصائي، وعلى ديمقراطية استيعابية تستوعب الجميع ولا تقصي أحداً، لأن بلادنا العربية عموماً لا تزال في مرحلة انتقالية، ولا تزال تسعى للاستقطابات بين حزب حاكم ومعارضة تعارضه، فهذا يناسب الديمقراطيات المستقرة التي مضت عليها مئات السنين، أما أوضاعنا نحن العرب فهي أوضاع هشة وانتقالية لا يتحقق فيها الاستقرار إلا عبر اعتماد نهج حواري استيعابي، أي ديمقراطية استيعابية توافقية، وليس ديمقراطية صراعية بين يمين ويسار، وبين إسلاميين وعلمانيين.
* كيف تنظر إلى فرص السودان في التطور والنهوض؟
– على كل حال الحوار في السودان بدأ يفضي إلى نتائج إيجابية، ونحن رأينا حزب المؤتمر الشعبي وحزب المؤتمر الوطني يتحاوران، ورأينا هذا الحوار يحتوي أحزاباً مختلفة وحتى جماعات مسلحة مما يدل على أن هذه الطريقة ثبتت صحتها وينبغي المضي فيها قدماً نحو نظام استيعابي يستوعب المفردات الوطنية السودانية دون أي إقصاء.
*هل أنت سعيد بالتقارب الذي يحدث الآن بين المؤتمر الوطني والشعبي؟
– بالتأكيد، أنا سعيد بكل تقارب يحدث في مجتمعنا بين مختلف تياراته. ومجتمعاتنا أحوج ما تكون للبحث عن توافقات وليس البحث عن تناقضات.
*كيف تنظر إلى مستقبل الحركة الإسلامية والإسلاميين في السودان؟
– أنا متفائل بالمستقبل، وهنالك لقاءات تعيد المياه إلى مجاريها، وما يحتاجه السودان هو تأكيد الوحدة الوطنية، وتأكيد عناصر التوافق بديلاً عن التفكك. والعالم العربي كله محتاج لهذا.
* على ماذا تلتقون مع المؤتمر الوطني في السودان؟
– نلتقي على الإسلام..
* تلتقون على الإسلام فقط أم هناك مشتركات أخرى؟
– نلتقي على الإسلام يا أخي.. ألا يكفي؟.
* إذا أحلنا نجاح الربيع العربي إلى نسبة مئوية، بنسبة كم في المائة يمكن القول إنه نجح أو ربما فشل تقريباً؟
– الربيع العربي نجح، لأن فكرة التغيير انتشرت في الأمة، ونظام الحزب الواحد والحاكم الفذ لم يعد مقبولاً، أما متى ستنتصر فكرة التغيير، فهذا أمر يحتاج إلى ظروف ووقت.
الشيخ ( راشد ) الغنوشي يقول أنه سعيد بالتقارب بين ( الوطني ) والشعبي ..
شر ( البلية ) ما يُضحك ..