عالمية

“مسرح الشارع” في جنوب السودان يواجه صدمات الحرب

رغم إمكانياتهم الضعيفة وغياب الدعم الخاص والحكومى، يحاول المسرحيون فى دولة جنوب السودان تقديم عروض مسرحية ومبادرات تهدف إلى توعية الجمهور فى العاصمة والولايات بأهمية السلام ونبذ العنف والقبلية والعنصرية، بجانب طرح قضايا النزوح والانتهاكات المرتبطة بالحرب، التى تشهدها منذ سنوات أحدث دولة إفريقية، ومنها الاغتصاب واستهداف المدنيين العزل.

عبر تجربة، ظهرت في بدايات العام الماضي، باسم “مسرح الشارع” يقدم مسرحيون، أسسوا مبادرة “مسرح الشعب”، عروضا مجانية في الميادين والأماكن العامة والمدارس ومعسكرات النازحين داخل العاصمة جوبا، فضلا عن تقديم حلقات من الدراما الإذاعية؛ لتوعية المواطنين في البلد الذي انفصل عن السودان، عبر استفتاء شعبي، في يوليو/ تموز 2011.

وتهدف هذه المبادرة إلى تعليم الجمهور استخدام الأساليب المسرحية لطرح القضايا والمشاكل التي يواجهها المجتمع والتفاعل معها، ومحاولة إيجاد حلول لها، إيمانا من هؤلاء المسرحيين بأن المسرح هو الوسيلة الأكثر سهولة ومباشرة فى توصيل المعلومة باستخدام لغة بسيطة ومحاكاة الواقع اليومي.

** عروض تفاعلية

نيكولا فرانكو، المنسق العام لمبادرة “مسرح الشعب”، قال للأناضول إن “فكرة مسرح الشعب هى أن يكون المسرح قريبا من الجمهور، فوجود المسرح يتأسس على وجود قضية تحتاج إلى حل، ونحن نقدم عروضا تفاعلية يساهم فيها الجمهور باقتراح الحلول للمشاكل المطروحة على خشبة المسرح، فالممثل لا يمكن أن يأتى بالحل من وجهة نظرنا”.

وأضاف فرانكو أن “أغلب العروض التى قدمناها فى ضواحي جوبا ومعسكر النازحين التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وجدت تفاعلا وقبولا منقطع النظير من الجمهور، لكنها جوبهت برفض من السلطات الأمنية”.

ومنذ ديسمبر/ كانون أول 2013 تشهد جنوب السودان جولات من حرب أهلية قبلية بين قوات الرئيس سلفاكير ميارديت (قبيلة الدينكا) ومسلحين مواليين لريك مشار، النائب المقال للرئيس (قبيلة النوير)، وسط اتهامات متبادلة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ضمن وضع تسبب في معاناة إنسانية زادت المجاعة من حدتها في بعض مناطق البلد، الذي يسكنه أكثر من 12.5 مليون نسمة.

وعن القضايا التي يطرحونها، أردف فرانكو قائلا: “استطعنا مناقشة قضايا الزواج المبكر فى الريف، والفساد، والحكم الرشيد، وتفاعل معنا الجمهور في طرح حلول.. آخر عرض قدمناه قبل أسبوعين في منطقة (قمبا الشركات) حول قضية الاغتصاب وجد قبولا من الجمهور، لكن الأجهزة الأمنية طالبتنا بعدم عرض هذه القضية على المسرح مرة أخرى (باعتبارها قضية ذات أبعاد سياسية)”.

وخلال العام الماضي، استطاعت هذه المبادرة الشبابية تقديم أكثر من 120 عرض مسرحي في جوبا وولايات عدة، منها جونقلى (شرق)، ومدينة “واو” في منطقة غرب بحر الغزال (شمال غرب).

** صدمات الحرب

وقال دومنيك قرقورى، مسئول “مسرح الشارع” في المبادرة، إنهم يؤمنون بأن “المسرح سيظل بمثابة شعلة الأمل، فهو مساحة للنقاش والوصول إلى حلول ممكنة عبر العمل مع الفرق (المسرحية) في جوبا”.

قرقوري تابع بقوله للأناضول: “أطلقنا خلال العام الماضي مشاريع عدة فى مسرح الشارع، منها مشروع التوعية بالصدمات النفسية الناتجة عن الحرب فى جنوب السودان، حيث أقمنا ورش عمل لطلاب المدارس، خلصنا منها إلى تقديم 9 عروض مسرحية مفتوحة فى العاصمة، ولدينا أكثر من ستة عروض متبقية، ونجهز لتقديم حلقات إذاعية حول قضية هذا المشروع”.

** تحديات أمام الحركة المسرحية

وعامة، تواجه الحركة المسرحية في جنوب السودان جملة من الصعاب تؤثر سلبا على فاعليتها، ومنها عدم وجود مسارح بمواصفات متكاملة تتسع لعروض جماهيرية، إلى جانب غياب الدعم الحكومي، حيث تلعب كلية الفنون في جامعة جوبا ومركز نياكورون الثقافى دور الحاضنة للعروض المسرحية في ظل غياب مسرح قومي.

وقال مارتن وده ميان، وهو ممثل مسرحى ومدير مجموعة مسرحية تسمى “الإبداع” شاركت فى تقديم عروض عبر “مسرح الشارع”، إن “تجربة مسرح الشارع استطاعت أن تجذب اهتمام المواطن البسيط؛ لأن الممثلين، ومن خلال احتكاكهم اليومى بالقضايا الراهنة، استطاعوا أن يشخصوا مشاكل واحتياجات جنوب السودان، مثل السلام والتعايش ونبذ القبلية والعنصرية”.

وزاد ميان بأن “مسرح الشارع قدم القضايا بشكل فعال، حيث اقترح الجمهور بعض القضايا الملحة، مثل مشكلة القبلية والكراهية بين فئات المجتمع، إلى جانب مساهمة بعض المثقفين فى إشعال نيران الفتنة.. كما يساعد الجمهور في اقتراح حلول”.

وختم المسرحي الجنوب سوداني بأن “تحديات كبيرة تواجه المسرح فى جنوب السودان، أبرزها انعدام الدعم المالى، فمسرح الشارع بحاجة إلى إعانات مالية للانتقال بعروضه من مكان إلى آخر”.

جوبا/ أتيم سايمون/ الأناضول