قصة «الساحر» مع معهد النباتات: «دودة القطن» أخرت تعيينه وتعلّم الفن من «النحل»
بعد انتهاء الفنان الراحل محمود عبدالعزيز من دراسته الثانوية التحق بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية، آنذاك تمتع بحب زملائه الذين دائمًا ما التفوا حوله بسبب خفة ظله، كذلك واظب على مرافقتهم في كافة المعسكرات التي يتم عقدها صيفًا.
يروي الفنان الراحل، في حوار لمجلة «الموعد» عام 1994 أنه فور انتهاء العام الثاني من دراسته كان لزامًا عليه اختيار التخصص الذي يفضل تعلمه في السنة الثالثة، ليقرر الالتحاق بقسم الحشرات من واقع نجاحه في مواد الكيمياء والنبات والحيوان، بعيدًا عن ذلك برر اختياره لسببين: «أولهما أني كنت قد حفظت تمامًا أسماء الحشرات باللغة الإنجليزية، وثانيًا لأن الأساتذة الذين كانوا يدرسون فيه، وكان كل منهم قد تخصص في دراسة الحشرات بجامعات أميركا، كانوا كلهم على درجة كبيرة من العلم، والظرف، وبشاشة الوجه».
كذلك نوّه إلى أن قسم الحشرات لم يكن يستهوي الطلاب كثيرًا، وهو بطبيعة الحال حصر عدد زملائه في 40 طالبًا فقط: «هو ما كان يجعل المحاضرات وتقبلها واستيعابها أسهل علينا مما لو كان في القسم ألف طالب مثلاً».
خلال سنوات دراسته نجح «محمود» في كل المواد باستثناء الكيمياء الحيوية: «ذقت لأول مرة طعم السقوط، وأنا الذي كنت ناجحًا في كل مراحل الدراسة الجامعية»، بعد رسوبه فيها أُعيد امتحانه في نفس المادة في السنة الرابعة، ورسب فيها كذلك.
ذلك الأمر مثّل بالنسبة إليه تحديًا آنذاك، ليقرر أن يتخصص في المادة لمدة 9 أشهر بعد إنهائه لدراسته في الكلية، حتى اجتازها في نهاية الأمر وتخرج عام 1968 بتقدير عام جيد.
عقب تخرجه كان من حقه أن تعينه إدارة الكلية معيدًا، وهو ما حدث بالفعل بتعيينه في معهد بحوث وقايات النباتات في القاهرة، ليُجر على الانتقال إلى القاهرة التي لم يكن يعرف فيها أحدًا سوى ابن عم له مقيم في دار السلام في حلوان، لكن لسوء حظه لم يجده.
بعد أيام توجه إلى معهد بحوث وقاية النباتات لتسلم عمله، إلا أنه فوجئ بإخبار الموجودون هناك بأن الأساتذة كلهم مشغولون بحملة مكافحة دودة القطن في قنا، وكان عليهم أن يذهبوا يوميًا، ليبلغه أستاذ المعهد آنذاك الدكتور محمد إبراهيم: «خلاص ما دمت إنت في القاهرة، فابق في المكتبة إلى أن تنتهي حملة مكافحة دودة القطن، وعندئذ سأوجد لك التخصص الذي يلائمك».
نتيجة بحث الصور عن محمود عبدالعزيز
فور انتهاء الحملة توجه «عبدالعزيز» إلى مكتب الدكتور محمد إبراهيم لكنه فوجئ بعدم حضوره، وأخبره العاملون بأنه «أُصيب بانزلاق غضروفي اضطره لأن يأخذ إجازة طويلة من المعهد»، ليذهب إلى المدير العام ويروى له قصته، واشتكى له من الملل الذي يكاد أن يقتله وهو في المكتبة لا يعمل.
بفروغه من الشكوى سأله المدير العام: «بتحب النحل؟»، ليرد عليه: «والله يا دكتور أنا درست النحل في كلية الزراعة، ولكن لو أنني تخصصت في دراسته فلا بد وأن أحبه»، ليبلغه الأول: «حسنًا إذهب إلى قسم النحل في المعهد وخذ عنه بعض الدروس، ثم تابع الدراسة العملية في الإسكندرية».
تابع الفنان الراحل روايته: «أنا فعلاً دخلت قسم النحل في معهد البحوث بالقاهرة، وقابلت مديره حلمي عباس سليم وهو رجل ممتاز، وتلقيت الدراسات الأولى في النحل ولكنني بعد فترة قصيرة قلت لمدير القسم أنا صعب عليَّ قوي لأني أحس بأني أمارس عملاً روتينيًا، يعني أحضر الساعة 9 صباحًا، وأخرج الساعة 2 بعد الظهر»، ليخبره الآخر: «يبقى إنت عندك نوع من الفن».
حينها استفسر منه «محمود» عن معنى جملته ليخبره المدير: «يا أخ محمود إن النحل هو فن وعتالة في نفس الوقت، لأنك في معاملة النحل تمارس الفن، وعتالة لأنك لا بد وأن تحمل صناديق العسل»، ليجيبه الفنان الراحل: «أنا مستعد.. بس على شرط أن لا يكون عملي روتينيًا»، ليأتي تعيينه في نهاية المطاف داخل محافظة
الإسكندرية.
المصري لايت