حوارات ولقاءات

الشيخ ساتي صديق: شرط الأضحية الاستطاعة، وللمرأة أن تضحي عن نفسها


نتفيئ هذه الأيام ظلال أفضل أيام الدهر ، إذ يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن هذه الأيام : ” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ” فحري بينا معشر المسلمين أن نغتنمها ونحرص على أن نستثمرها ، سيما وأنها تحتضن يوم الحج الأكبر ويوم النحر والعيد الأكبر ، جلستُ إلى الشيخ ساتي صديق محمد صاحب الطلة البهية عبر الأثير والشاشات البلورية في برامج الفتاوى والنصيحة . دردشتُ معه حول أيام العشر والأضحية ومسائل تتعلق بها والعيد وثماره وآثاره على حياة المسلم ، جزاه الله خيراً على اقتطاع جزء من وقته ليعم الوعي وتنتشر المعرفة ويعرف المسلمين أمور دينهم فإن الذكرى تنفع المؤمنين .

دردش معه : عمر عبد السيد

ماذا تقول بين يدي عشر ذي الحجة ؟

الحمد لله ، أقول فيها ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن لله في أيام دهركم نفحات فتعرضو لها “، وقوله أيضاً صلى الله عليه وسلم : ” ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل وأحب إلى الله من هذه الأيام ؛ قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه ولم يرجع من ذلك بشيء ” . فهي أيام مباركة وفاضلة ويجب علينا تعظيمها وهذا من تقوى القلوب ، وتنتهي هذه الأيام بيوم النحر .

ما الأعمال الصالحة التي ينبغي اغتنامها في هذه الأيام العشر ؟

هناك أعمال مخصوصة كالحج والعمرة ، وأخرى بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم وهناك أعمال أخرى عامة ، فمثال الأولى الأضحية والامتناع عن أخذ الشعر والأظافر إذا دخلت أيام العشر الأول من ذي الحجة ، ثم الإكثار من التهليل (لا إله إلا الله) والتحميد (الحمد لله) والتكبير (الله أكبر) ، كذلك الصيام وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصومها كلها عدا يوم العيد . أما الأعمال الأخرى فيجب الإكثار من الصدقات والتسبيح والاستغفار وصلة الأرحام وقراءة القرآن والصلوات النوافل وقيام الليل والدعاء وغيرها من الطاعات . ويستحب لمن له قضاء الصيام أن يقضيها في هذه الأيام . ويعتبر يوم عرفة أفضلها ، وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وصيامه فضله عظيم . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) . فينبغي الإكثار من هذا الدعاء لأنه مخصوص بيوم عرفة . ويبدأ يوم عرفة منذ مغيب شمس يوم الثامن وحتى مغيب شمس يوم التاسع (يوم الوقفة) ، سيما وأن الذكر والدعاء وقراءة القرآن لا تحتاج للطهارة على أرجح أقوال الفقهاء .

كيف تنظر لاهتمام المسلمين باغتنام هذه الأيام الفاضلة ؟

بحمد الله هناك صحوة إسلامية كبيرة ، ولاحظت المحبة الكبيرة والشوق لهذه الأيام ، وتجد اهتمام المسلمين أولاً بالسؤال عن موعد دخول شهر ذي الحجة ، وتجد أفواج الصائمين والذاكرين ، وتنتظم المساجد دروس ومحاضرات وهذا كله من فضل الله .

ما حكم الأضحية ؛ وما فضائلها ؟

الأضحية سنة مؤكدة على أرجح أقوال الفقهاء ، وهناك خلاف حول وجوبها ، وفضلها عظيم ، وهي من سنن الأنبياء منذ سيدنا إبراهيم عليه السلام ، قال صلى الله عليه وسلم : ” والأضحية سنة أبيكم إبراهيم ، فقالوا وما لنا يا رسول الله ؟ قال : لكل شعرة حسنة ، قالوا فالصوف ؟ قال : بكل صوفة حسنة ” والغنم تجزئ عن الفرد والبقر والإبل عن سبعة ، والأضحية فيها توسيع على أهل البيت والفقراء والمساكين . وهناك فرق بين من لا يريد أن يضحي وبين من ينكر الأضحية .

بعض المسلمين في الواقع لا يضحوا ؛ مع استطاعتهم على ثمن الأضحية ، ماذا تقول لهم ؟

أقول لهم اتقوا الله عز وجل في أموالكم وفي هذه النعم التي أنعم الله بها عليكم ، ولا أستطيع أن أقول إنها واجبة لأنه لا توجد عقوبة لتاركها ، ولكنه يكون بذلك قد فوَّت على نفسه سنة مؤكدة وثواب عظيم ، منها يتعلم المسلم الإخاء والتراحم على أسرته وعلى الفقراء والمساكين . وأرى في الساحة شباب جدد يطعنون في السنة النبوية ، وتجدهم يتحدثوا بأن لا دليل من القرآن على الأضحية ، وتغلب عليهم العاطفة ، فالله تعالى يقول : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) . وهناك فرق بين إنكار عبادة الأضحية والذبح عموماً ، وبين عدم الأضحية ، فمن أنكر الذبح والأضحية فقد أنكر معلوم من الدين بالضرورة ، والأضحية ليست سنة محمد صلى الله عليه وسلم وحده ، وإنما سنن الأنبياء من قبله ، وكل الذين ينكرون السنة النبوية أقول لهم : أسلموا . وإلا فمصيرهم كمصير شيخهم الذي أعدمه النميري جزاه الله خيراً بعد رفضه التوبة .

على من تجب الأضحية ؟

الأضحية تجب على المستطيع حتى وإن لم يبلغ الحلم ، ذكراً كان أو أنثى ، متزوجاً أو لم يتزوج .

كثيرون يعتقدون أن المرأة والأعزب ليست عليهم أضحية !

وهذا يلام فيه الدعاة ، وينبغي أن يتحدث العلماء والدعاة عن هذا بالتفصيل ، فالأضحية فضلها عظيم وهي نسك ثوابه كبير ، وشرطها الوحيد الاستطاعة بغير تكلف ، حتى وإن كانت بالأقساط . وللمرأة المستطيعة أن تضحي لنفسها حتى وإن ضحى عنها زوجها أو وليها ، بل ولها أن تباشر الذبح بنفسها إن كانت تجيد الذبح .

الأضحية بين العادة والعبادة كيف تنظر لهذه الثنائية ؟

قال الله تعالى : (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) . الأضحية عبادة ، والعبادة لا تصرف إلا لله وحده لا شريك له ، وعلى المسلم أن يجعلها خالصة لله ، ليس خوفاً من لوم الأبناء أو المجتمع أو الأسرة ، فهذه الأمور تحولها من العبادة إلى مجرد عادة ، والله تعالى يقول : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) . وعلى المسلم أن لا يكلف نفسه فوق طاقته ، فإذا استطاع فنعمت وإن تعذرت ظروفه فقد ضحى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

البعض يتضجر من إرتفاع أسعار الأضاحي في المجالس والوسائط ، ما تعليقك ؟

لا يجوز هذا ، فهذا يقدح في النيات والإخلاص ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .

هل من موانع لقبول الأضحية عند الله تعالى ؟

نعم ، وأهمها غياب الإخلاص لله ، كذلك من كلَّف نفسه فوق طاقته فهذه لا يقبلها الله . كذلك عدم الذبح في أماكن الأموات والمزارات فهذا منافٍ لإخلاص الذبح لله . كذلك إذا كانت الأضحية من مال مسروق أو بهيمة مسروقة ، فالله طيب لا يقبل إلا طيب .

هل من مظاهر لا تعجبك في عيد الأضحى ؟

زيارة القبور ، وتأخير صلاة العيد لوقت متأخر سيما في بعض المناطق والقرى ، حيث يجتمع الرجال وينظموا حلقات ذكر جماعي بالطبول والدفوف ويجتمعوا على وجبة الإفطار ومن ثم ينحر كل منهم أضحيته ، فهذا الصنيع فيه تفويت للسنة ، وينبغي للمسلم أن يصبح يوم العيد صائماً ولا يأكل إلا من أضحيته ، فهذا فيه إشارة للتبكير في صلاة العيد وتعجيل الذبح ، وعلى المسلمين التمسك بالسنة في كل العبادات وترك العادات والتقاليد التي تتعارض مع تعاليم القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .

ما أفضل الأعمال الصالحة أيام العيد ؟

أفضل الأعمال : الأضحية والتكبير ، فالتكبير يبدأ منذ دخول شهر ذي الحجة وحتى اليوم الثالث عشر منه ، أما الأضحية فيوم العاشر وثلاثة أيام بعده .

هناك جدل فقهي ينتظم المساجد فما الرأي الفقهي الأولى في كيفية التكبير ؟

التكبير مؤكد في هذه الأيام في كل وقت وحين ، وهناك خلاف يسير في الكيفية يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة ، وأرى أن الأولى أن يكبر الإمام عقب الصلوات المفروضة ويكبر المصلين بتكبيره ، فكان عبد الله عمر وابن عباس يكبران في السوق ويكبر الناس بتكبيرهما . ولا بأس من التكبير ثلاثاً أو خمساً أو أكثر .

كيف تنظر لعيد الأضحى وأثره في حياة المسلم ؟

العيد الأكبر – كما يحلوا لنا تسميته – جامع ومؤلف بين القلوب سيما في بلادنا ، على الرغم من الحزبية والطائفية ، لكن إلتزام الناس بالتوحيد والكتاب والسنة كتأصيل ذوبهم في كتلة واحدة بينهم التراحم والتكاتف والتعاطف ، وهذه من آثار وثمار العيد ، فالعيد مؤتمر يجتمع فيه الجميع رئيس ومرؤوس وغني وفقير .

اشتهرت ببرامج الفتاوى على وسائل الإعلام ، حدثنا عن بعض الفتاوى الطريفة التي مرت بك عن الأضحية ؟

اتصل بي أحد وقال لي : كرشة الخروف حلال ولا حرام ! وآخر يسأل عن حكم الذبح بالسكين التي ليس بها عود خشب ! . على الرغم من أنها أسئلة بسيطة إلا أننا يجب أن ننظر لها من الجانب الآخر وهو اهتمام المسلمين في السودان بتطبيق أحكام الإسلام بدقة حتى يصيبوا ما يوافق الكتاب والسنة ، وهذه نعمة كبيرة أن يحرص المسلم على موافقة الكتاب والسنة في كل أقواله وأفعاله لأنها عبادة . والأسلم والأحوط أن يستفتي المسلم قبل أن يشرع في العمل لا بعد أن ينتهي منه .

كلمة أخيرة

علينا جميعاً الاستفادة من هذه الأيام ، وتعويد النفس على الطاعات وبسط اليد بالصدقات والتوسع على الأهل والعيال والزوجات ، مع أهمية الدعاء للوطن أن يرفع الله البلاء والوباء والغلاء . وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير .