موازنة 2018.. محاولات أخرى لترقية الأداء الاقتصادي
يبدو أن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي تسعى للتحرك المبكر لتدارك معضلات الأداء الاقتصادي بالتخطيط المبكر لموازنة العام المقبل، حيث أعلنت الوزارة نهاية الأسبوع المنقضي عن تشكيل اللجنة العليا لموزانة العام 2018م.
ودعا وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. محمد عثمان الركابي العاملين بالوزارة لمضاعفة العمل وبذل الجهود للارتقاء بالاقتصاد الوطني لبر الأمان واستشعار عظم المسؤولية في إدارة الشأن الاقتصادي بالبلاد، وقال إن الشعب السوداني يعول عليهم في تحسين معاشه، مبيناً أن برنامج حكومة الوفاق الوطني قائم على تحسين معاش المواطنين، بجانب البرامج التي تنتهجها الوزارة في ذات الإطار، داعياً العاملين أن يكونوا عوناً لوضع البرامج والخطط والسياسات للخروج بالاقتصاد إلى آفاق أرحب وبذل الجهود والمثابرة لتغيير حال الاقتصاد السوداني.
ووصف المهمة بالكبيرة، وقال إنها ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة باستشعار المسؤولية للمضي قدماً إلى الأمام بخطى واسعة بتجويد العمل وتحسين الأداء في كافة القطاعات الاقتصادية، وأشار لمراجعة الهيكل الجديد لوزارة المالية ليلبي طموح العاملين بالوزارة واستشراف المستقبل، مشيراً لتحسن حقوق العاملين. وقال: لن نألو جهداً في تحسين وضع الناس بعدالة..
موجهات معلومة
تشير موجهات الموازنة الحالية التي قدمت قريباً من هذا التوقيت في العام الماضي لاعتماد وظائف جديدة في مشروع موازنة العام المالي 2017م، فالملامح الرئيسة للموازنة هدفت للتركيز على استدامة الاستقرارالاقتصادي واعتماد فرص توظيف جديدة بهدف خفض معدلات البطالة وتحسين دخل الفرد ورفع مستوى المعيشة.
وقالت وزارة المالية حينها إن الموازنة تولي عناية أكبر للشرائح الضعيفة بتوفير أدوات إنتاج بإسناد مباشر من الموازنة أو عبر التمويل الأصغر، وتمت زيادة الدعم الاجتماعي في التوسع في التأمين الصحي واستيعاب الأدوية المنقذة للحياة داخل العلاج المجاني بالمستشفيات وداخل التأمين الصحي علاوة على الاهتمام بزيادة الخدمات والتوسع في برامج الرعاية الصحية الأولية وزيادة تغطية الأرياف والتركيز على حصاد المياه ومواصلة تنفيذ برنامج زيرو عطش والتوسع في تعليم الأساس واستمرار تنفيذ قرار إلزاميته والصرف على محو الأمية والسعي لتحقيق شعار زيادة الإنتاج والإنتاجية اتساقاً مع أهداف وموجهات البرنامج الخماسي في عامه الثالث والاهتمام بتوفير الموارد للتنمية المتوازنة بالتركيز على الميزة النسبية لكل ولاية وتكامل الجهود مع القطاع الخاص وتحقيق العدالة في توزيع الموارد وتوجيهها نحو القطاعات الإنتاجية والبنى التحتية.
عجز كبير
ويشير الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي إلى أن خطط عجز الموازنة للعام الحالي كانت 18 ونصف المليار جنيه، مقارنة مع عجز موازنة العام 2016 والذي بلغ 13 مليار جنيه، وقال لـ “الصيحة” إنه رقم كبير جداً في ظل المستحدثات الحالية، مما يشير إلى عدم إمكانية زيادة الإنتاج في العام الذي أعلنت فيه الحكومة حزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، خاصة تلك التي أوصت بخفض الإنفاق العام.
لافتاً إلى أن إجمالي موارد النقد الأجنبي للبلاد بلغت “750” مليون دولار، تمثل قيمة صادرات الذهب حتى يونيو، بينما ساهمت صادرات الذهب لنفس الفترة العام الماضي بقيمة 342.7 مليون دولار بعد أن أصبح الذهب المورد الرئيس للنقد الأجنبي خاصة مع استمرار فرض العقوبات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية حتى 13 أكتوبر القادم، مشيراً إلى أن استخدامات النقد الأجنبي بلغت 1.294 مليار دولار مقارنة بـ 1.310 مليار في الفترة 2016 مما يلاحظ أن هناك انخفاضاً في استخدامات النقد الأجنبي، معتبرًا أن أهم استخدامات النقد الأجنبي ذهبت لشراء الجازولين والقمح والدقيق، التي تبلغ نسبتها “70%” من الاستخدامات، مؤكداً معاناة الدولة من شح النقد الأجنبي بسبب العقوبات وتراجع حاد للصادرات وهبوط حاد في المنح والهبات الخارجية، وخروج استثمارات أجنبية منذ فترة ما أدى إلى ظهور السوق الموازي لسعر الصرف.
وقال إن تلك أسباب رئيسية لتجاوز سعر صرف الدولار حاجز 20 جنيهاً، وخفضت الحكومة الدعم على الوقود والكهرباء لتحسين المالية العامة، وارتفعت أسعار البنزين بنحو 30 في المئة لتدفع الأسعار للصعود على نطاق أوسع معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 34.23% في يوليو ووجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب على الدولار، وضآلة حجم الصادرات وضعف إيراداتها مقارنة بالواردات، وتراجع تحويلات العاملين من الخارج، لذا لابد من تفعيل الرقابة على الاستيراد وضبط ومراقبة أسواق الصرافات، الاهتمام بمصادر الدولار الأساسية المتمثلة في زيادة الإنتاج ورفع مستوى الصادرات وجذب الاستثمارات الحقيقية التي تساهم بشكل فاعل في دعم الميزان التجاري للدولة، وقال إن القروض التي تلجأ إليها الحكومة دائماً لن تحل مشكلة الاقتصاد السوداني..
شروط …
لكن الخبير الاقتصادي البروفيسر ميرغني أبنعوف يرى أن الوصول لمرحلة استدامة الاستقرار الاقتصادي رهين بإنفاذ برامج وخطط محددة، قال منها تعزيز القطاعات المنتجة خاصة القطاع الصناعي والزراعي بشقيه، وقال إن تحقيق معدل نمو الناتج المحلي بنسبة أكثر من 6% يلزمه دعم قطاع الزراعة بشكل أساسي ورفع الإنتاجية أولاً، مفسراً قوله بأن ذلك يضمن تدفق المزيد من العملة الصعبة التي أشار إلى تحقيقها فوائد مزدوجة تتمثل في تحقيق اتزان الجهاز المصرفي وتوفير مبالغ كافية لمقابلة حجم الواردات وقلل من جزئية تخفيف معدلات البطالة عازياً الأمر بأنه يستلزم أولاً طرح مشاريع توظيف إنتاجية وليس وظائف إدارية غير منتجة، وقطع بأن التحدي الأساسي يتمثل في خفض الإنفاق الحكومي وتوجيه الدعم نحو قطاع التنمية الإقتصادية بمفهومه الواسع الذي يشمل المشاريع الإنتاجية وصغار المنتجين علاوة على تعزيز ميزانية الخدمات ومنها الصحة والتعليم وشدد على أهمية تقليل الرسوم التجارية..
تقليل الصرف الحكومي
تقول الخبيرة الاقتصادية والمحاضرة بجامعة الجزيرة د. إيناس إبراهيم إن تقديرات وملامح الموازنة أمر سابق لأوانه، وقالت: مهما تأتي فهي لا غبار عليها معتبرة أن المحك الفعلي يتمثل في النجاح في إنزالها على الأرض وقالت لـ “الصيحة” إن أهم مقومات فعالية الموازنة أن تتضمن تقليل الصرف الإداري، معتبرة أن كثرة الصرف على الجوانب الإدارية من السلبيات الكبرى التي مني بها اقتصاد البلاد داعية للاستفادة المثلى من الأموال المخصصة للصرف غير المنتج. واعتبرت دعم المشاريع المنتجة أكثر جدوى من الصرف الإداري غير المنتج، واستبعدت تحقيق الموازنة نتائج إيجابية للمواطن، في ظل عدم تقليل الصرف الإداري.
وتساءلت عما ستقدمة الموازنة للمشاريع الإنتاجية وتمويل مشاريع صغار المنتجين الذين يمكن اعتبارهم قوى اقتصادية في حال تم الاهتمام بها بصورة كافية وإيلاؤها الدعم والرعاية اللازمة، واعتبر البدري أن الأولوية في الصرف يجب أن توجه نحو القطاعات المنتجة التي تحقق فائضاً في الدخل، وتسهم في رفع المستوى المعيشي للمواطن، داعياً للاهتمام أكثر بالقطاعين الزراعي والصناعي باعتبار أن البلاد تمتلك مقومات نجاح هذين القطاعين خصوصاً الزراعة، وقللت من حجم أرقام الميزانية فهي برأيها ليست بالأهمية القصوى، فالأهم من الأرقام أن يتم توجيهها نحو مصارف منتجة.
اختلال ميزان
يعود د. هيثم ليقول إن واردات السودان أكثر من ضعف الصادرات والعجز في ميزان المدفوعات يغطى من موارد وتحويلات المغتربين، لافتاً إلى أن الاقتصاد في ظل العجز الراهن يعاني من نقص في البنيات الأساسية المتعلقة بالكهرباء والتقانة والنقل والتخزين والتبريد والمصارف والتمويل والخبرات والعمالة المدربة، مشيراً إلى أن الحكم الاتحادي وتعدد المناصب فيه وكثرة المحليات يمثل أهم الأعباء على الاقتصاد الوطني كذلك منافسة القطاع العام للقطاع الخاص في كثير من المجالات، وقال: لابد من خلق فرص خاصة قوية تستطيع مجابهة التحديات الاقتصادية الماثلة والاستمرار في التوجيهات الرئاسية بخصخصة الشركات الحكومية الخاسرة وخروج شركات الحكومة من السوق وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص مع خفض نسبة البطالة والفقر.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة