منوعات

قصص من الرعب في السجون الإريترية

من آفاق الحرية وسعة الرزق تاجرا موفور المال يجوب القرن الأفريقي جالبا العسل والسمن لبعض دول الخليج العربية، إلى زنازين مظلمة أمضى فيها تسع سنوات من التعذيب والتجويع والإذلال.
من ضمن تلك السنوات أربعة أعوام ونصف العام قضاها عمر محمد -وهو ليس اسمه الحقيقي- مخفيا بشكل قسري في زنزانة من متر في مترين بسجن سريّ بأسمرا، وأهله يبحثون عنه في كل مكان.
“فجأة وأنا أسافر من مدينة مصوع إلى مدينتي تيعو 500 كيلومتر شرق أسمرا في سبتمبر/أيلول 2005 بعد ثلاثة أيام من قدومي من السعودية إذا بي أتعرض للسطو من جماعة مجهولة تغطي عيوني وتأخذني لغرفة مظلمة بمصوع، لا فراش ولا أكل ولا مكان حتى لقضاء الحاجة”.
مرّ الرجل خلال أيام فقط على عدد من السجون في مصوع وخارجها من ضمنها سجنَا “ويعا” و”قدم” وهو مربوط اليدين والرجلين، قبل تحويله إلى أسمرا.
ويقول الناشط الإعلامي الإريتري نبيل إبراهيم إن “عدد السجون في إريتريا أكثر من عدد المدارس، وإن هناك العديد من السجون السرية يشرف عليها جنرالات النظام”.
كانت التهم الموجهة إلى محمد هي التخلف عن دفع ضريبة هي 2% من راتب كل إريتري في الخارج و25% إبان الحرب مع إثيوبيا، فضلا عن راتب شهر إذ ذاك. كما اتهم بتحريض العفريين على الثورة على النظام.

ثمانية وهيلوكوبتر!
وفي أسمرا أمضى أربع سنوات ونصف السنة في زنزانة مظلمة ينام على البلاط مباشرة رغم برد أسمرا القارس، وكانت وجبة الغداء كسرة خبز جافة مع إدام عبارة عن ماء ساخن به بصل وشطة، بينما كان العشاء رغيف خبز حافا مع ماء. أما الفطور فلم يره قط. وكان يقضي حاجته في وعاء بلاستيكي بجانبه لا يبدل إلا كل 24 ساعة.
ويقول إن أول تحقيق معه منذ دخوله أسمرا كان بعد أربع سنوات، وقد اقتصر على ثلاثة أسئلة لا غير هي السؤال عن اسمه واسم أبيه وقوميته.
ثم أخذه المحققون إلى غرفة للتعذيب تحت الأرض وربطوه في “وضعية الثمانية” -وهي أن توضع عصى في باطن الركبة وباطن المرفق ويشد وثاقه بحبل ثم يقلب ليبقى رأس الشخص إلى الأسفل ورجلاه إلى الأعلى- وكان يتلقى الضرب بشكل مريع على الظهر وباطن القدمين.
أما وضع الهيلوكوبتر فهو أن يكون بطن الشخص ووجهه إلى الأرض وتكون رجلاه ويداه مربوطتين وراء ظهره.
أحضر المحققون خرقة مبللة بمادة، وضعوها على فمه وأنفه ليفقد الوعي ويُرمي بحفرة مليئة بالطين بين الزنزانات وتصب عليه الأوساخ، وفق ما رواه له بعد ذلك سجناء شاهدوه من ثقوب بأبواب زنزاناتهم. وقضى محمد بعد ذلك شهورا وهو يقضي حاجته واقفا، من شدة الألم بأنحاء جسمه.

إفراج مشروط بالصمت
وبعد ست شهور من واقعة التحقيق تلك حُوّل إلى سجن مختلط هو سجن “عدي نفاس” بضواحي أسمرا، حيث علم ذووه بأنه ما زال على قيد الحياة وإن مُنعوا من زيارته. وفي السنوات اللاحقة في السجن تكالبت عليه أمراض الضغط والسكري.
وحين لم تثبت عليه أي تهمة، طلبت السلطات منه للإفراج عنه دفع مليون نقفة إريترية (65 ألف دولار) وكفيلا يملك بيتا وسيارة، لضمان ألا يتحدث أبدا عما تعرض له من تنكيل، ولذا يتحفظ “عمر محمد” على نشر اسمه خوفا على ضامنه، بعد تأمين نفسه بالهرب إلى إثيوبيا عن طريق التهريب.
ويذكر “عمر محمد” أنه شاهد أناسا “طلعت عيونهم من الضرب” وشيخا سبعينيا مات من التعذيب والجوع، ويشهد بأن آخرين حقنوا بأبر ثم أطلق سراحهم ليموتوا في أيام.

محمد علي حسين يستعرض آثار التعذيب والكي في جسمه (الجزيرة)
كي بالنيران
ولا تختلف قصة محمد علي حسين كثيرا عن قصة عمر محمد، حيث تعرض لأبشع صنوف التعذيب خلال ثلاث سنوات من السجن مع الأشغال الشاقة في سجن “عدي أبيتو” في أسمرا لمجرد اتهامه بتهريب أغنام إلى اليمن.
نال حسين ذو الـ33 ربيعا حصصا لا تتوقف من “الهيلوكوبتر” و”الثمانية” بحيث كانت تلتصق ساقاه بفخذيه -خاصة مع طول المدة- ولا يزيل تصلبهما إلا قضيب حديدي محمر في النيران يكوى به في باطن الساق، لتمتد رجله في لحظة كما يقول.
كما كان يعلق في السقف بحيث يبقى معتمدا على أطراف أصابع رجليه لفترات طويلة، ويضرب على الظهر والأرجل حتى يتمزق جلده.
ويقول حسين إنه يعرف مسؤولي السجن الذين عذبوه أو أشرفوا على تعذيبه “واحدا واحدا”، ويأمل أن يراهم يوما ينالون الجزاء العادل.
ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على انتهاء محنة الخمسيني عمر محمد، فإن آثارها النفسية ما زالت تصاحبه، حيث يعيش كوابيس التعذيب كل ليلة، ويقول إن نوبات فزع تنتابه وهو يقظان وهواجس لا تتوقف بأن المخابرات الإريترية تلاحقه حتى وهو في إثيوبيا.

الجزيرة نت