تحقيقات وتقارير

“ملامح الطبعة الجديدة للإنقاذ”!!


يستبعد الرئيس عمر البشير أي مخطط لإبعاد الإسلاميين عن السلطة في البلاد، لكن الواقع يشير صراحةً إلى تراجع دور الإسلاميين في إدارة الدولة على الأقل في العلن، بينما تفهم التحالفات الإقليمية التي تعقدها الخرطوم خلال الفترة الأخيرة، بأنها آخر حلقة في عملية التخلص من (الإسلام السياسي) في السودان، غير أن ذلك لا يبدو صائباً في حال نظرنا للتطورات في السياسة الداخلية والخارجية للإنقاذ منذ انقلاب 1989م، وسيبدو ما يجري حالياً متماشياً مع التغييرات التاريخية في مسارات (الإنقاذ)، التي احتاجت مرات نادرة إلى تعديل توجهاتها السياسية من أجل السيطرة على الحكم لأكثر من (27) عاماً، وفيما يبدو، فإن طبعة جديدة من (الإنقاذ) قد بدأت في التشكُّل، فالإنقاذ التي بدأت بـ(أمريكا وروسيا قد دنا عذابها)، تتفاوض الآن مع واشنطن وموسكو في آنٍ، بل أكثر من ذلك فهي تعمل جادة حالياً على استقطاب الملياردير المصري الكبير (عدو الإخوان) نجيب ساويرس، للاستثمار بالسودان.
المتتبع لمسيرة (الإنقاذ) وتحولاتها الجوهرية، يلحظ بسهولة تأثير (الاقتصاد) على تطورات السياسة، فالحالة (الثورية) التي انطلقت منها حكومة الرئيس عمر البشير وعراب الحركة الإسلامية الراحل الدكتور حسن الترابي، تراجعت للتهدئة بعد سنوات قليلة من انقلاب 1989م، وفكر (ديسك) الإسلاميين سريعاً في كيفية إيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي كانت تتعرض لها البلاد أثناء (الثورة الجهادية) في الجنوب، واتجه السودان إلى أقصى الشرق، وصادق الصين رغم الاختلافات الأيديولوجية البائنة في توجهات كلٍّ من الخرطوم وبجين، وأدخل (الإسلاميون) إنتاج النفط وتصديره كورقة رابحة في اللعبة السياسية.
لم تمنع (أيديولوجيا) الحركة الإسلامية، مَنْ كانوا ممسكين بـ(ديسك السياسات) مِنْ إحداث تحول جديد بعد الانخراط في عملية سياسية ستفضي لاحقاً إلى مشاركة النخبة الحاكمة لطرف جديد يتقاسم عائدات النفط بنسبة (50 %)، واشتدت وطأة المشكلات الاقتصادية على البلاد عبر الضغط على الشركات الرئيسة لإنتاج النفط، فتمت الإطاحة بعراب الإسلاميين الدكتور الترابي أو ما عُرف بمفاصلة الإسلاميين، وكانت أبرز مبررات هذا التحول، هي محاولة التطبيع مع الغرب لإنقاذ (الإنقاذ) من أزمة اقتصادية جديدة لم تنجح استثمارات النفط في احتوائها.
ومنذ انفصال الجنوب، والبلاد تعيش بمساعدة المسكنات، فقد ضاع النصف المرتبط بالنفط اقتصادياً، وبالورقة السياسية الرابحة، ولم تنجح استثمارات الذهب في تعويض خسارات النفط، فحاول (ديسك السياسات) استخدام تكتيكات سياسية للمعالجة، من بينها اتفاقيات ثنائية مع الحركات المسلحة بدارفور، وآخرها مؤتمر للحوار الوطني، لم ينجح حتى الآن إلا في أن تكسب (الإنقاذ) مزيداً من الوقت حتى يتسنى لها إحداث تحول جوهري جديد في توجهاتها السياسية.
يبدو أن (الإنقاذ) قد بدأت في التحول الجوهري الجديد، حتى لو كان ضحيته (المحافظون الإسلاميون)، فالاتجاه بقوة نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا في وقت واحد، يسعى لإحداث التوازن خشية فقدان السيطرة، بينما يعتقد البعض أنه يشي بتحول في بنية النظام الأساسية. إلا أن هذا التحليل لا يبدو جديراً بالموضوعية وقياسات المنطق الموضوعية، لأن (أيديولوجيا) الحركة الإسلامية الحديثة ما كانت تعادي عقد تحالفات مع أيديولوجيات مخالفة في الخارج، ولم تكُ على خلاف جوهري مع (أيديولوجيا) الداخل إلا في إطار التنافس الداخلي للسيطرة على مقاليد الحكم والاستئثار بالسلطة.
غير أن ما يبدو تأثير جوهري في علاقات النظام الداخلية، قد تعبر عنه مسارات التوجهات الاقتصادية الجديدة للإدارة الحاكمة، فقد جاء في الأنباء أن الحكومة تتفاوض بشكل جدي مع الملياردير المصري نجيب ساويرس، وهو أحد ألد أعداء الإخوان المسلمين في مصر، وينظر إليه وسط إسلاميي السودان بأنه الممول الرئيس لإسقاط حكومة الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، وهو كذلك أحد الداعمين الأساسيين لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفي مفارقة مثيرة للانتباه، صرح الملياردير المصري بأن السودان أكثر الدول الآمنة في المنطقة للاستثمار، بينما يقول مبارك الفاضل وزير الاستثمار إن ساويرس مهتم بالاستثمار في السودان في المرحلة المقبلة، وإنه يخطط لإقامة منشأة استثمارية ضخمة في ولاية الجزيرة، كما يخطط لإنشاء فندق (خمس نجوم) في وسط العاصمة الخرطوم، وكشف عن لقاء سيعقد في هذا الخصوص في الملتقى الذي تستضيفه (شرم الشيخ) قريباً.
وكان الملياردير المصري قد عقد العزم على الاستثمار في السودان منذ سنوات، لكن بدا أن عدم حماسه للسودان وقتها، وعدم الحاجة الاقتصادية المتعجلة وتقاطعات السياسة، قد عطلت مشروعات الرجل الذي يرى مخاطر على استثماراته الاقتصادية في وجود الإسلاميين على سدة الحكم.
وعلى هذا المنوال، فإن التحولات السياسية التي تتخذها الإدارة الحكومية يقودها قطار الاقتصاد حيثما يشاء، حتى لو كانت محطته أعداء للتوجهات الأساسية للحكومة السودانية، ومما يبدو فإن منظري نظام الإنقاذ لا يأبهون بخطورة الخطوة على النظام نفسه، أو أنهم يعلمون ولكن يعتقدون أن بإمكانية السودان تذويب العداوات السياسية مع الخارج عبر الشراكات الاقتصادية، بيد أن تجربة الإخوان المسلمين في مصر أثبتت أن القوى الاقتصادية أو (القوى الناعمة) تستطيع فعل الكثير بما فيها التغيير السياسي، بل هي تنجح في تغيير أنظمة الحكم.
وكما هي العادة، فإن أبرز تحديات هذه المرحلة الجدية للإنقاذ، ستكون بمزيد من الضحايا الإسلاميين أنفسهم، وربما تكون أشد وطأة هذه المرة، لأن الرافد الرئيس للإدارة الحكومية باتت تتضمنه مراكز قوى اقتصادية وسياسية، وقد يستخدم المحافظين الذين لم ينجحوا في مواكبة تطورات (الإنقاذ) في عرقلة التحول الجديد، فالإسلاميون الذين لا تقيّدهم أي مرجعيات متصلبة، جاهزون للمضي قدماً في لعبة الأمم، بينما المحافظون قد يعارضون هذا التحول، لكنها ستبقى نقطة انتقال كبيرة سواء عبرتها (الإنقاذ) أم لم تفعل، وسيظل (الاقتصاد) هو المحدد الرئيس في أي تحولات في مستقبل الإسلاميين والسودان.

اليوم التالي.


تعليق واحد

  1. منو القال ليك نجيب ساويرس عدو الإخوان يمكن يكون عدو إخوان مصر لكن صديق حميم لكيزان السودان مشاركهم فى عدد من المشروعات منها دهب ارياب