رأي ومقالات

في ذكري رحيل حمدي بدران

في ليلة شتوية نهاية ديسمبر 2015م احتشد العشرات من الشباب والشابات أمام مستشفى الأطباء بشارع المطار يحملون المصاحف يتلون ماتيسر من القرآن ويسبحون ويبتهلون بالدعاء للمولي عز وجل أن.يلطف برفيق دربهم المتطوع حمدي بدران والذي كان في تلك اللحظة يخضع لعملية جراحية لإزالة ورم ..

(كتر خيركم) كانت اخر كلمات حمدي قبل العملية لأحبابه من مبادرات شارع الحوادث الذين قدموا من جميع مدن البلاد للوقوف بجانبه وهو يتحدى مرض السرطان بكل عزيمة واصرار ..

طلب حمدي من زملائه إقامة استراحة خيرية لمرضى السرطان بمسقط رأسه مدينة شندي خدمة المرضى ومرافقيهم القادمين من خارج المدينة وبالفعل تسابق الجميع وخلال فترة وجيزة اكتمل الحلم وقام حمدي بقص شريط الإفتتاح لتحمل الاستراحة اسم جملته الخالدة (كتر خيركم) ..

ثم توالت بعد ذلك رحلات العلاج بالخارج فغادر حمدي لدولة الهند ثم الي أرض الكنانة مصر طلباً للشفاء من هذا الداء العضال الذي فتك بجسده النحيل وهو صابر ومحتسب لا يشكو ابداً من الألم بل تجده دوماً مبتسماً حامداً وشاكراً لله ..

كان حمدي بدران أيقونة شارع الحوادث شندي ومصباحها المنير قدوة للشباب المؤمن بفضيلة التطوع والبذل والتضحية من أجل كل محتاج ..

مصابيح الطريق في كل شوارع الحوادث بالسودان كانوا يستمدون القوة والعزيمة من صبره وثباته ..

ثم كانت رحلته الأخيرة للأراضي المقدسة لأداء العمرة والدعاء عند البيت الحرام .. ورغم اشتداد المرض لكنه بقوة جبارة اكمل مناسك العمرة ..
لتفيض روحه الطاهرة بعد ذلك في الأراضي المقدسة بعد حياة قصيرة بحساب عمره الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين ولكنها كانت حافلة بالبذل والعطاء بما يفوق عمره بعشرات السنوات ..

كان وقع رحيله وهو في ريعان الشباب قاسياً ومراً علي أحبابه بالسودان وقد زلزل الخبر الحزين قلوبهم البيضاء التي لا تحمل الا الحب والخير لهذا البلد وأهله ..

هرع أهل شارع الحوادث من كل بقاع السودان واصدقائهم من المنظمات والمبادرات الأخرى نحو مدينة شندي للعزاء في فقيدهم الغالي وهم يذرفون الدموع تسبقها دعواتهم له بالرحمة والمغفرة ..

وكعادة مصابيح الطريق في العطاء والوفاء سارع شارع الحوادث كسلا بإطلاق اسم الراحل حمدي بدران على غرفة العناية المكثفة التي يقومون على تشييدها بمستشفى كسلا ..

ثم أعلنت المبادرة الأم ايضاً عن وحدة للعناية المكثفة بمدينة شندي وفاءاً للفقيد الغالي حمدي بدران قطع العمل فيها شوطاً بعيداً بحمد الله ..

رحل حمدي جسداً ولكن ستبقى روحه الطاهرة ترفرف في كل الشوارع والبيوت وتظل اعماله الصالحة وسعيه الحثيث لقضاء حوائج للناس نبراساً ومصباحاّ للطريق ..
رحمة الله تغشاك في الخالدين يا حبيب الروح ..

بقلم
✏إبراهيم علي ساعد