ضياء الدين بلال: أزمة ثقة!
-1- أوَّل رسالةٍ تلقَّيتُها على الواتساب صباح أمس، مع استيقاظي من النوم: (الدولار هبط إلى 37 جنيهاً).
وبعد ساعاتٍ من تلك الرسالة، جاءني اتِّصالٌ هاتفيٌّ عابرٌ للحدود: (يا أستاذ صحي الدولار نزل لـ34)؟!!
نعم، قبل أن يُصدِرَ البنكُ المركزيُّ قراراته الأخيرة، بدأ سعر الدولار في التراجع.
وما إن صدرت القرارات التي نصَّت على حظر استلام أيِّ مبالغ بالنقد الأجنبي للمستوردين من خارج القطاع المصرفي، حتى تراجع الدولار عشر خطوات سريعة إلى الوراء.
أيام قلائل و(المويه تصدّق أو تكذّب الغطاس).
وسيتضح إن كان هذا التراجع ردَّ فعلٍ مؤقتاً للقرارات، مثل ما حدث في أكتوبر الماضي بعد رفع العقوبات، أم هو تراجع سيستمر أو -على الأقل- سيستقرُّ بسعر الدولار في رقم محدد، لا تعبث به رياح الشائعات؟!
-2-
المهم، كثيرٌ من الاقتصاديين توقعوا أن تُؤدِّي القرارات الأخيرة إلى تجفيف منابع السوق الأسود، ووضع يد البنك المركزي على العملات الأجنبية والتحكُّم في الاستيراد وفق ترتيب الأولويات.
بمعنىً أدق، قرارات بنك السودان ستحيد مشتريات النقد الأجنبي من السوق الموازي، للحدِّ من استخدامها في عمليات الاستيراد الفوضوي.
السؤال الذي سيطر على حديث المجالس ليلة صدور القرارات:
إذا كانت هذه القرارات ستُلجم سعر الدولار، وستؤدي إلى استقرار الأوضاع الاقتصادية، فلماذا تأخرت طوال هذا الوقت الذي استبدَّ واستأسد فيه الدولار على الجنيه، وأضعف هيبته وأهان كرامته في السوق؟!
-3-
قد يكون التأخُّر في إصدار تلك القرارات، لسببين:
الأول/حالة الارتباك والتردُّد البائنة للعَيَان في قرارات وخطوات بنك السودان.
الثاني/ربما أن القرارات اضطرارية، ولم يكن البنك المركزي يرغب في اتخاذها أو يجرؤ على إصدارها؛ ولكن أجبره التدهور المريع في قيمة العملة السودانية في الأيام الماضية، على استخدام التدخل الجراحي السريع كعلاج أخير، طالما لم يستجبْ المرض للجرعات الدوائية.
-4-
قد تكون القرارات صحيحة – وإن تأخرت في الميقات – ولكن للأسف فإن مستوى الثقة في قرارات البنك المركزي، يبدو في أدنى درجاته، في النقطة التي وصلها الجنيه خلال الـ 72 ساعة الماضية.
سوابق البنك المركزي القريبة المُتعلِّقة بحساب الخمسة وعشرين في المائة من حصائل الصادر، وتراجعه السريع عن ذلك القرار، بعد ما أدى إليه من خسائر فادحة لخزانة الدولة والمُصدِّرين؛ تُؤكِّد عدم جدارة إدارة البنك بالثقة، لسوء الاستقراء وضعف التوقُّع.
قائمة حظر الثلاثين شركة التي أخرجها المركزي للرأي العام، وضمَّتْ أسماء شركاتٍ لم تكن تستحقُّ الحظر والتشهير، وتراجعه عن ذلك خلال 24 ساعة، أكد أن إدارة البنك غير جديرة بحُسن الظن، لعدم الدقَّة وضعف المتابعة.
-5-
كثرة القرارات، وضِيق حيِّزها الزمني، والتراجع السريع عنها؛ كُلّ ذلك يُربك حركة الاقتصاد ويُصيب الأسواق بالدوار، ويُنفِّر المُستثمرين.
إذا أردنا إنتاجاً فلا بدَّ من استقرار السياسات.
إذا أردنا جذب المستثمرين، فلا بدَّ من استقرار السياسات.
وإذا أردنا الاستقرار الاقتصادي، فلا بدَّ من تنقية أجوائنا من ثاني أكسيد التَّوتُّر.
لا يُوجد عاقلٌ يُمكن أن يُفكِّر في زراعة شجرة وسط رمال مُتحرِّكة!
ما حدث من تلاعب في استيراد الأدوية، وما ترتَّب على ذلك من مُحاكمات جنائية، يوضح أن بنك السودان يعاني من خلل مركزيٍّ في المراقبة والأداء.
-6-
لكُلِّ ذلك، فإن البنك المركزي يحتاج إلى مراجعة ومعالجة عاجلة، ترتقي بمستوى أدائه إلى مستوى التحدِّيات الماثلة والمهام الجسام، في التوقيت الحرج.
القرارات الأخيرة تضع كُلَّ أمر الاستيراد، ومئات الشركات، ومئات السلع، في يد البنك المركزي.
هذا الوضع يُنذر بخطرين:
الأول/ البطء في الإجراءات والبيروقراطية في التنفيذ، مما يُحدِثُ فجوات سلعية تُدخل البلاد في اقتصاد الندرة.
الثاني/ وضع كل الأوراق في يد بنك السودان، قد يفتح منافذ للفساد، وما تجربة استيراد الدواء ببعيدة.
إذا كانت إدارة البنك بهذا المستوى من الأداء الضعيف المُرتبك، الذي اتضح في إدارة ملف حصائل الصادر، المُتعلِّقة بسلع محدودة، فكيف نتوقع لها النجاح في مُهمَّة أكثر تعقيداً وأشد صعوبةً؟!!
-أخيراً-
لا يكفي أن تكون الخطة سليمةً والقرارات صحيحةً، بل العبرة بجودة التنفيذ وحصائل النتائج.
بقلم
ضياء الدين بلال