الإعلامي الكبير علم الدين حامد : البيحاولو يقلدو وردي (تعبانين ساي)
يظل الفنان محمد وردي فنان وموسيقار السودان الكبير وأفريقيا الأول، رحل عن دنيانا الفانية، ويشكل رحيله رحيل رقم كبير في عالم الغناء والموسيقى، فقد ترك إرثا باذخاً من الأغاني الوطنية والعاطفية بأعذب الألحان وجميل الموسيقى.
في المساحة التالية تستضيف (المجهر) الإعلامي والإذاعي الكبير الدكتور علم الدين حامد الذي كان لصيقاً بالراحل، ويعد من أوائل الذين التقوا به ووثقوا له ويعرفون عنه الكثير معرفة عميقة، بمناسبة ذكرى رحيل وردي السادسة التي تصادف اليوم الثامن عشر من فبراير، فماذا قال الإعلامي الكبير عن فنان أفريقيا الأول؟
* حدثنا عن علاقتك بالراحل وردي وأول لقاء بينكما؟
– بداية أقدم اقتراحاً بأن تكون اليوم حلقة تلاوة لروح الفقيد وردي، وإهداءها في يوم ذكراه هذه، كل يقرأ ما تيسر، ومن ثم أقول إن أول لقاء جمعني بالراحل وردي كان في العام 1957م بالقاهرة، في إذاعة (ركن السودان) جئت في زيارة لها مع بعض الطلاب، ووجدته قد كان زائراً أيضاً للفنان أحمد المصطفى، فقال لي هذا اسمه وردي فنان أول ما ظهر جاء زيارة للقاهرة.. وحينها قال لي وردي إنه جاء في بعثة فنية مع معلمين، وجاء خصيصاً أيضاً ليقابل الفنان الرائع أحمد المصطفى .. وكنت لأول مرة أعرف أنه هنالك فنان سوداني اسمه وردي.
والمرة الثانية سمعته، وأنا قادم بالقطار من حلفا للخرطوم، وكان أن تعطل القطار فنزلنا في الطريق وتوسدنا الرمال في ليلة مقمرة، ومن بعيد انبعث صوت فنان يغني، وأتذكر أن صمتا ساد ورهبة انتابتنا، وقال الناس وقتها هذا فنان اسمه وردي.
وفي سنة 1959م كان وردي يسكن السجانة مع الموسيقار علي ميرغني، ولقد رأيته في محل تجاري يخص قريب لي اسمه عبد الهادي عبدون، وقال لي (ده فنان جديد من عندنا اسمه وردي) .
وفي العام 1962م دخلت إذاعة أم درمان في قسم البرامج والذي كان رئيسه أستاذنا الراحل محمد خوجلي صالحين، وكنت واحداً من أفراد قسم البرامج، رأيت صالحين ومعه شاب طويل نحيل قدمه لي كفنان جديد اسمه محمد وردي، فسلمت عليه وقال له صالحين أيضاً هذا مذيع جديد اسمه علم الدين حامد محسي دنقلاوي، فرد زميلي الإذاعي الراحل عبد الرحمن أحمد وقال: هذا تحالف جديد يا صالحين، وبعد هذا توطدت علاقتي مع وردي عن طريق أخيه محي الدين، وتعرفت على جماعة من الناس منهم ناصر عبد الرحمن في بيته بالسجانة.
*وماذا عن أول مقابلة عمل؟
أول مقابلة عمل مع وردي في العام 1964م في شهر فبراير، عبر برنامج اسمه (صفحات مسموعة) زارنا وقتها وردي في بيتنا بحي الموردة بأم درمان ومعه الموسيقار والملحن أحمد إدريس، وكان معي المذيعان ذو النون بشرى وعبد الرحمن أحمد، وكان وردي قادم من الإذاعة بعد بروفة أغنية (آه من الابتسامة والنغم الحنون).
*حدثنا عن أهم المحطات بينك والراحل؟
– هنالك محطات في تاريخ حياتنا مع وردي، وأنا أول إذاعي احتفل بعيد ميلاد وردي، وتم نقل الاحتفال على الهواء مباشرة عبر إذاعة الخرطوم، عندما كنت مديراً لها.
كما جمعتني الظروف مع وردي في العام 1983م بعد الحج، بعد أن أخبرني أهلي بأن الفنان وردي موجود في مدينة جدة بالسعودية، فذهبت إليه فوراً بمحل إقامته ووجدت لديه حفلة واختارني لتقديمها.
وكان وردي مستقراً بالمملكة لسنوات طويلة، وطلبت حينها من الجمهور الحاضر أن يمنحوا وردي تأشيرة خروج من جدة للسودان، فما كان من وردي إلا وأن صعد بحركة بهلوانية إلى المسرح، وقال لي: يا علم أنا طلعت من السودان بإرادتي ورغبتي وحأرجع بإرادتي ورغبتي، وإن شاء الله تلقاني قدامك.. وبالفعل عاد وردي للسودان في 1983م وكأنما كانت دعوتي تحريض له للعودة.
وأذكر أيضاً أنه قدم لأول مرة أغنية (وطنا البي اسمك كتبنا ورطنا) من كلمات شاعر الشعب محجوب شريف، وسجلتها له في جدة في لقاء معه بالعود، وأرسلتها مع أحد المسافرين من أهلنا بالطائرة وسلمها بوصية مني للأستاذ ذو النون بشرى، وأدخلها المونتاج الذي قام به الفني الرشيد أحمد فضل الله، وبثها في برنامج صالة العرض، وأذيعت بعد يومين فقط من تسجيلها.
*وماذا عن بدايات وردي الفنية؟
وردي أتى بعد الفنانين عثمان حسين وإبراهيم عوض، والكاشف وسيد خليفة ظهر كفنان مثقف، وظهر مقلداً لإبراهيم عوض وحسن عطية، وأعجب جداً بإرث وثقافة النوبة، وكان أن سجل أغنية (أوبلاج) النوبية المعروفة، وانتشر فيما بعد.
ترعرع وردي في البيئات التي تحوي المبدعين والفنانين، وجاء لمنطقة السجانة بالخرطوم، وكان دائم التواجد مع الملحن الكبير والشاعر علي ميرغني، والشاعر إسماعيل حسن، والملحن حسن خليل أحمد.
*حدثنا عن اللقاء المهم الذي أجريته وجمعت فيه إبراهيم عوض وعبد الرحمن الريح ومحمد وردي؟
سمي هذا اللقاء المميز بلقاء السحاب، وبُث في الإذاعة، أعددته وكان بمنزل الفنان إبراهيم عوض بحي العرضة بأم درمان، وأذكر إنه كان علي إحضار وردي من منطقة الكلاكلة بالخرطوم، وأتى عبد الرحمن الريح من أم بدة، وتم التسجيل صباحاً وكان أول وآخر لقاء يجمع وردي وإبراهيم عوض، وأخرجه الإعلامي القامة صلاح الدين الفاضل وكان في الثمانينيات.
* علاقة وردي بالإذاعة مشهودة كيف كانت؟
– كان يعمل بالإذاعة السودانية قسم البرامج، وكان مسؤولاً عن كل البرامج الإذاعية ويأتيه الفنانون جميعهم ومقدمو البرامج، وكان من رواده إبراهيم عوض وعثمان الشفيع وخليل أحمد وعبد الحميد أحمد والفلاتية، جميعهم يأتون ويشربون معنا شاي الصباح، لذلك وردي كان يجيء زيارات بصورة عادية ويرى تسجيلات الفنانين، ويتعرف عليهم، وذلك منذ العام 1962م.
*محمد وردي لقب بفنان أفريقيا الأول والسودان، حدثنا عن هذا الاحتفاء الضخم؟
وردي محب للسودان كثيراً، وللقارة السمراء الجميلة، وكلما كنا نذهب لدولة كان يُحتفى به، وأنا شخصياً ذهبت مع الرئيس الأسبق جعفر نميري لأكثر من دولة إفريقية، ووجدنا اسم وردي يشع نوراً وصوته حاضراً مسموعاً بالصالة، فلقب فنان أفريقيا استحقه بجدارة (وبالجد وردي إمبراطور زمن جميل مش إمبراطور الزمن ده، والألقاب التي تطلق ساي).
*رفضت مؤخراً عبر حديث عبر المجهر فكرة أن يغني فنان آخر لوردي؟
– أقول (ربنا خلق وردي واحد ما أتنين) مثل غيره من المطربين بين العمالقة مثل الكاشف وحسن عطية إبراهيم عوض فهؤلاء لا يتكررون، والقاعدين والعايزين يقلدوا وردي ( تعبانين ساي)،وهنا لا بد أن أذكر شيئاً مهماً هو أن وردي عندما بدأ مقلداً كان مبهوراً بإبراهيم عوض، فقال له (ما تقلدني ساعد نفسك عشان تبقى فنان كبير) وحينها انصاع وردي له وكانت له قابليه أن يكون فناناً له عمله الخاص واجتهاده، واتجه نحو الطريق الصحيح وقد كان.
المجهر.