(80) يتنسمون هواء الحرية .. إطلاق سراح المعتقلين.. حكايات بــ(الجملة)
جدل كبير انقدح بين الصحفيين، بسبب عناوين الصحف الصادرة يوم أمس (الاثنين). حيث ذهبت بعض الصحف في عناوينها إلى (إطلاق سراح جميع المعتقلين) بينما اكتفت أخرى بعد وحصر من وصلوا بيوتهم سالمين، لتقول إن (80) من جملة من لبوا دعوات القوى المعارضة للاحتجاج على الغلاء، جرى إطلاق سراحهم من سجن كوبر المركزي.
النقاشات كانت مفيدة بحقٍ وحقيقية، فأصحاب الرأي الذاهب إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين – وإن لم يحدث ذلك حتى كتابة التقرير (عصر الاثنين) – استندوا إلى أمرين، أهمهما أحاديث مساعد رئيس الجمهورية، اللواء عبد الرحمن المهدي، الذي خاطب وسائل الإعلام وأسر المعتقلين من أمام (كوبر) قائلاً: “وفقاً لتوجيهات كريمة صادقة من الرئيس عمر البشير، تقرر إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، جميع الطلاب وجميع السيدات فوراً”. وعلّ دلالة كلمة “جميع” لا يفهم منها حصول استثناءات للمعتقلين في غيابة السجون.
وللتدليل على أن القرار جاء شاملاً للجميع، فإن للمساعد تبريرات لمن لم يطلق سراحهم بعد، متمثلة في الإجراءات لاسيما وأن بعضهم في سجون خارج العاصمة الخرطوم، وهنا نجتزئ مقولته “الان ابشروا بالخير، الوصل الليلة وصل إن شاء الله أهله سالم غانم، والما وصل إجراءاته مستمرة لإطلاق سراح الجميع”.
كذلك يستند أصحاب مدرسة (الكل وليس الجزء) إلى الدعوة التي وجهتها إدارة الإعلام الخارجي للقنوات الفضائية ومراسلي وكالات الأنباء العالمية للحضور إلى سجن كوبر لنقل حدث إطلاق سراح كل المعتقلين، وإجراء مقابلة مع المطلق سراحهم.
أما أصحاب المدرسة الدقيقة، وينبغي أن تكون الصحف في منهاجها “حنبلية” إذا جاز التعبير، فعدت المطلق سراحهم من سجن كوبر، ومتى تأكدت من خلو السجون والمعتقلات، ستقول بإطلاق سراح كل المعتقلين، وفي كل المدرستين خير للصحافة وتقاليدها.
صدفة أم ترتيب مسبق؟!
إنابة عبد الرحمن الصادق المهدي، عن الحكومة في كلمتها عقب إطلاق سراح (80) معتقلاً سياسياً من سجن كوبر العتيق، وظهور قيادات حزب الأمة القومي ونشطائه الشباب على رأس قائمة المفرج عنهم، ذهبت ببعض الناس للقول بوجود صفقة سرية بين الأمة والحكومة.
فقائمة المفرج عنهم ضمت نائب رئيس الحزب، اللواء فضل الله برمة ناصر، والمرأة الحديدة، الأمينة العامة للحزب، سارة نقد الله، والقيادي البارز في القطاع الاقتصادي للحزب، الصديق الصادق المهدي، ضف إليهم الناشط المعروف عروة الصادق.
فيما خلت القائمة بالكلية من أسماء قيادات بقية القوى السياسية، من أمثال سكرتير عام الحزب الشيوعي، محمد مختار الخطيب. ورئيس حزب المؤتمر السوداني، المهندس عمر الدقير، وآخرين.
واستنكر قيادات في الحزب، انطلاء ما يرونه خدعة من قبل السلطات على بعض المعارضين والنشطاء، في محاولة لضرب الأسافين بين الجانبين، بعدما ظهر توافق المعارضة جلياً حيال أزمة الغلاء التي فرضتها ميزانية العام 2018م.
ويستنكر الحزب بداية من الإمام الصادق المهدي، المحاولات المستمرة لأخذهم بجريرة عبدالرحمن – غير المنتمي لحزب الأمة – في الالتحاق بالحكومة.
وأصدر حزب الأمة بياناً قوياً، رحب فيه بخطوة إطلاق سراح المعتقلين، معتبراً أن هذا الأمر جاء نتيجة مجاهدات ونضالات وليس في الأمر منة من أحد. مطالباً الحكومة باتباع إطلاق سراح المعتقلين بإجراءات أخرى أكثر أهمية.
كذلك ذهبت آراء مؤيدين للحكومة، إلى اتهام المعارضة بالمبالغة في سوء الظن، وقالوا إن إنابة المساعد عن الرئيس لا تعدو كونها رمزية لمد الجسور مع المعارضين، وفي مقدمتهم السيد الإمام الصادق المهدي.
رسائل من (كوبر)
مؤكد أن إطلاق سراح المعتقلين، خطوة لها ما بعدها. فقد قالت الحكومة في كلمتها (ساعون لعلاج المرض وليس العرض، وهو الخلاف السياسي، وسنعمل على إزالة الأسباب التي تؤدي إلى الاعتقالات والاحتجاجات، وسنتصل بكل الأطراف دون فرز، ونعمل على صيانة حقوق الإنسان، وإزالة الاستقطاب السياسي في البلاد لصالح دولة الوطن).
واستبطنت الكلمات لغة شديدة التصالح والهدوء، وأبانت عن نوايا حكومية لمحاورة ومشاورة المعارضة خلال الفترة المقبلة.
كما أن من الرسائل المهمة في عملية إطلاق السراح، أنها جاءت ضمن أولى الخطوات لمدير جهاز الأمن والمخابرات، الفريق أول صلاح عبد الله (قوش) الذي دعا في وقتٍ سابق لضرورة التفكير خارج الصندوق بحثاً عن حلول لأزمات البلاد.
ومعلوم أن المعارضة مقسومة حول (قوش) فهناك من يحمله وزر مراحل سيئة في عمر البلاد، وهناك من يرى في تجربة حبسه وخروجه إلى العمل السياسي ممثلاً لدائرة مروي في البرلمان، ضف إلى ذلك تواصله مع قادة العمل السياسي، دليلاً على نسخة جديدة من بناء العمائر السابق، ربما تسهم في بناء علاقات جديدة بين الحكومة والمعارضة.
بلا أرقام
في مفاجأة غير متوقعة بكل المقاييس، عجزت المعارضة والصحافة مجتمعتين على معرفة عدد المعتقلين السياسيين، منذ انطلاقة احتجاجات الغلاء في منتصف يناير المنصرم. وبالتالي لم يقدر أحد على استخراج نسبة دقيقة بإجراء حسابات لعدد المطلق سراحهم مقارنة بمن هم محتجزين.
وإن حمل في طياته مناهجاً ضد الشفافية، فإن حالة الصمت الحكومي إزاء أحاديث الأرقام، مبرر لسببين: أولهما سقناه آنفاً في التدليل على إظهار ضعف المعارضين في انجاز أبسط الأمور، وثانيهما محاولة للتجمل أمام أرقام قد تبدو صادمة للمتتبعين لو ظهرت للعلن.
في المقابل على المعارضة الاهتمام بالأرقام والتوثيق لأنهما السبيل لإظهار الحقائق مجردة، فما بالك بحالتنا التي يعدل فيها أي رقم وعنوان شخص من لحم ودم، كان قد لبى دعوة المعارضة، ثم ذهب كل جهده مع الريح.
أما السادة الوراقين، فلصالح المهنية، والقول الفصل حين يتصل الأمر بخلاف حول الأرقام، فعليهم تطوير مهارات الحساب والرصد، ولنبدأ ونقر بحقيقة أن صحافتنا نزاعة إلى التحليل أكثر من الاحصائيات، وإن أقررنا بذلك، لنعمل على تصحيح واستقامة الوضع.
الصيحة.