تحقيقات وتقارير

بعد أن كان مادة لـ(التندر) تحول لـ(حلم) هل تنجح الحكومة في إعادة الدولار لـ(سن الرشد)؟

في الخامس عشر من نوفمبر 2016 تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بشيء من السخرية خبر وصول سعر صرف الدولار أمام الجنيه في السوق الموازي لـ18 جنيهاً معلقين بأن الدولار بلغ “سن الرشد”، إلا أن أسوأ المراقبين لم يتوقع أن يكون السعر مثار التندر، هو ذاته طموح لوزير المالية محمد عثمان الركابي الذي أعلن أمس الأول عن قدرتهم على إعادة الدولار لـ 18 جنيهاً كسعر رسمي للدولار في الموازنة الحالية، يأتي ذلك بعد شد وجذب وصل فيه سعر الدولار في السوق الموازي لـ(عمر النبوة) -40 جنيهاً- قبل أن يبداً في التراجع والاستقرار النسبي منذ مطلع الأسبوع الماضي في حدود الـ30 جنيهاً، فيما خفض البنك المركزي السعر التأشيري لنحو 28 جنيهاً، إلى جانب ترتيبات لتضييق الخناق على المضاربين في سوق العملة.

معادلة السعر.. حساب الممكن والصعب
قد لا يدرك الكثيرون أن انخفاض الدولار بشكل كبير سيكون له تأثير سلبي على صادرات السودان الأمر الذي يستدعي التعامل بحكمة مع سعر الصرف حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه. ويرى أستاذ الاقتصاد د. محمد الناير في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن استقرار سعر الصرف عند حدود 18 جنيهاً حسبما ترجو المالية لا يمكن أن يتم في الوقت القصير حتى لا تتأثر الصادرات السودانية سلباً. داعياً لاتخاذ حزمة من التدابير المالية والنقدية تراعي التدرج، عبر التحكم والضخ بهدف تقليص الفارق بين السعر الرسمي والموازي مع سد الاحتياجات الأساسية وصولاً لنقطة يتلاشى فيها السوق الموازي بتلاشي الحاجة إليه.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز في حديثه لـ(السوداني) أمس، إن السعر المناسب للعملة السودانية مقابل الأجنبية يجب أن تحدده معادلة تدخل فيها الكثير من المتغيرات أهمها القيمة التنافسية للسلع السودانية في الدول التي تستقبل الصادرات السودانية، مضيفاً:”من المهم جداً بالنسبة لنا ألا نضع سعراً يتسبب في كساد الصادرات السودانية”.
في مقابل ذلك، يرى مراقبون أن ارتفاع الجنيه مقابل الدولار سيكون مؤقتاً وسيعاود الانخفاض مجدداً، لا سيما في ظل سياسة تقليص السيولة والتضييق على المصدرين.
بينما يرى وكيل وزارة المالية الأسبق الشيخ المك في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن تطلعات المالية بإعادة الدولار لـ18 جنيهاً لا يمكن أن تتحقق إلا بزيادة الإنتاج والإنتاجية ومحاربة الفساد، مضيفاً:”التمنيات وحدها لا تجدي لا بد من العمل الجاد”.

الانفجار الكبير.. الدولار يتضاعف على مدار الساعة
ما أن أعلنت الإدارة الأمريكية رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان في السادس من أكتوبر حتى بدأت مرحلة جديدة من المواجهات بين الجنيه والدولار شهدت انخفاض وتذبذب سعر الصرف، قبل أن يخسرها الجنيه في الأسبوع الأول بعد أن ارتفع سعر الدولار إلى 21 جنيهاً مقارنة بـ18 جنيهاً وصل إليها سعره إبان صدور القرار.
وفي الأسبوع الثالث من أكتوبر واصل الدولار صعوده المتوالي في مواجهة الجنيه السوداني بالسوق الموازي واقترب من حاجز الـ “22” جنيهاً، في وقت شنت السلطات الأمنية حملات واسعة على تجار العملة.
بينما شهد الخميس السادس عشر من نوفمبر انهياراً كبيراً للجنيه السوداني أمام الدولار ووصل لنحو 28 جنيهاً في السوق الموازي بعد أن بدأ في الصباح بواقع 25,5 جنيه ليصل بحلول المساء إلى 28 جنيهاً وهو ما عرف بـ(الانفجار الكبير)-زاد الدولار نحو أربعة جنيهات طوال العام 2016 – مما دفع العديد من الشركات والقطاعات للتوقف عن البيع تحسباً لأية خسائر ناتجة عن ارتجاج سعر الصرف.
وعزا مراقبون الارتفاع الكبير في العملات الأجنبية خاصة الدولار لدخول شركات كبيرة في صفقات بالخارج، وتحتاج هذه الشركات في العادة للعملة الأجنبية بينما لا يملك بنك السودان أي احتياطات لتوفيرها.
في الأثناء سارعت الرئاسة السودانية لإصدار قرارات وضوابط وصلت إلى حد توجيه تهم الإرهاب وغسل الأموال لتجار العملة، فيما تم تحريك السعر الرسمي للدولار إلى 18 جنيهاً مقابل 6.9 جنيه وهو السعر الذي استمر لأكثر من عام.
تسببت الإجراءات الحكومية في نوفمبر في حدوث انخفاض نسبي في سعر الصرف بعد وصوله لـ28 جنيهاً في حالة من الركود بعد إحجام كبار التجار عن شراء وبيع العملات الأجنبية خوفاً من الملاحقات الأمنية، قبل أن يستقر نسبياً في الأسابيع التالية في حدود 25 جنيهاً.
في منتصف ديسمبر عاودت أسعار صرف الدولار الارتفاع مجدداً أمام الجنيه السوداني بعد إسبوع من الاستقرار في سعر 25.50 جنيه بالأسواق الموازية.
ومنذ مطلع العام 2018 واصل الدولار صعوده غير آبه بالإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها نهاية العام الماضي ليصعد لعتبة 30 جنيهاً بوتيرة متسارعة بفعل شح المعروض في السوق وزيادة الطلب عليه من شركات كبيرة في ظل تزايد الحملات الأمنية.
في وقت توقع فيه مراقبون أن يواصل الدولار ارتفاعه لحدود 50 جنيهاً في حال عدم توفر احتياطات من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
وقد أصابت التوقعات ليواصل الدولار ارتفاعه السريع ويصل لحدود 36 جنيهاً في نهاية الشهر في ظل ارتفاع في طلب العملات وسط محدودية العرض بسبب الحملات الأمنية، تزامن ذلك مع رفع البنك المركزي السعر التأشيري لنحو 18 جنيهاً في محاولة لتقليص السعر مع السوق الموازي، وكان بنك السودان المركزي يحدد السعر التأشيري للدولار في السابق بنحو 8.5 جنيه.

صدمة فبراير..خفض السيولة ومحاصرة الاستيراد
في مطلع فبراير تصاعد سعر الصرف في السوق الموازي لحدود 42 جنيهاً كأعلى قيمة يصلها الدولار أمام الجنيه، ليتكرر مشهد ارتفاع سعر الدولار ثلاث مرات خلال ساعات.
ليتخذ البنك المركزي حزمة من التدابير تضمنت الحد من السيولة النقدية واشتراط أخذ موافقته المسبقة على عمليات الاستيراد قبل البدء فيها مع إلغاء الاستيراد بدون تحويل القيمة، فيما أعلن المركزي موجهات جديدة بخصوص النقد الأجنبي وحدد سعراً تأشيرياً جديداً للدولار بتحريكه من 18 جنيهاً إلى 30 جنيهاً.
لتسود حالة من الارتباك السوق الموازي في اليومين التاليين للقرار ليبدأ الدولار في التراجع بواقع جنيه إلى جنيهين. وبحلول السادس من فبراير بدا أن الجنيه يستعيد شيئاً من عافيته ليتراجع الدولار لحدود 37 جنيهاً، في ظل تكبيل حركة السيولة وانخفاض الطلب على الدولار.
في الأثناء واصلت السلطات الأمنية حملتها ضد الأسواق الموازية الداخلية والخارجية، في غضون ذلك، تراجع سعر بيع الدولار إلى 35-34 جنيهاً بالأسواق الموازية مقابل السعر التأشيري المعلن من بنك السودان والمقدر بـ 31.5 جنيه.
تشير تقديرات إلى أن ما يتم تداوله في السوق الموازي داخل السودان لا يمثل سوى “20% من نشاط تجار العملة، بينماً 80% يتم خارج البلاد والنسبة الأكبر في دول الخليج، حيث يحتكر السوق الموازي تحويلات المغتربين التي تصل للسودان بالعملة المحلية، بينما يتم شراء العملة الأجنبية من الشركات بالخارج.

لماذا استقر سعر الصرف مؤخراً؟
يرى المحلل الاقتصادي د. محمد الناير أن استقرار سعر الصرف في الآونة الأخيرة يرجع للإجراءات الأمنية أكثر من كونه لترتيبات اقتصادية، ويقول :”الترتيبات الأمنية خلقت نجاحاً نسبياً عبر كبح سعر الصرف خاصة بعد إحجام المضاربين في العملة عن إجراء التحويلات المالية بعد أن شرعت السلطات في توقيفهم عبر الانتربول”.
لقد نجحت ترتيبات البنك المركزي في إحداث صدمة كبيرة فى أوساط المضاربين بالعملات خاصة بعد تقييد حركة استخدامات الحسابات الحرة والموارد الذاتية حيث لم يسمح المركزي بسحب أكثر من 20 ألفاً في اليوم الواحد، وهو أمر لم يكن حتى متاحاً في جميع المصارف بعد انحسار حركة الإيداع المصرفي، فيما تقلص الطلب على الدولار بفعل تقليص حركة الاستيراد، لتنشأ حالة من الركود بفعل الإحجام عن شراء الدولار وسط عرض كميات كبيرة منه بالأسواق غير الرسمية، فيما ابتعد عدد من المستوردين والمصدرين عن شراء العملات الأجنبية لحين وضوح الرؤية واستقرار سعر الصرف.
الملاحظة الأساسية هنا أن الإجراءات التي اتخذها المركزي مؤخراً لا يمكن أن توصف بالاستدامة، لا سيما وأن الأزمة الاقتصادية نتاج لعدد من الأسباب أولها عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك في الاقتصاد الكلي الناتج عن التوسع المستمر عبر الموازنة العامة للدولة في الإنفاق الحكومي التشغيلي غير الداعم للنمو، الذي زاد بأكثر من 100% منذ انفصال الجنوب إلى جانب الصرف خارج الموازنة على الجوانب العسكرية والأمنية.
من جهته، يقلل أستاذ الاقتصاد البروفسير حسن بشير من فعالية إجراءات البنك المركزي، ويقول:” الإجراءات تطارد الأعراض ولا تعالج المرض الأساسي إن لم تكن تفاقمه”، مضيفاً أن الإجراءات الأمنية والإدارية لن تجدي وحدها لاستقرار سعر الصرف وتعافي الاقتصاد.
ويقول بشير الحد من السيولة يمثل إجراءً مضراً يمكن أن يقود لزعزعة الثقة في النظام المصرفي وتسرب الكتلة النقدية لملاذات آمنة، بجانب خلق حالة من الكساد الاقتصادي، فضلاً عن اختناق في النقد الأجنبي.
تزامنت الإجراءات الأخيرة مع حزمة قرارات حكومية خاصة بحظر الاستيراد من دون تحويل قيمة المنتجات إلى البنك المركزي، وإلزام البنوك والتجار بتحويل حصائل الصادر إلى المركزي، وأعلن البنك المركزي عن إلغاء الاستيراد بدون تحويل قيمة، واشترط موافقته المسبقة على عمليات الاستيراد بالإضافة إلى سياسات أخرى في مجال ترشيد الإنفاق العام ومنع تهريب الذهب.
ويعود الناير ليشير إلى أن الترتيبات الأخيرة المتعلقة بالاستيراد أفقدت النقد الأجنبي أهميته بعد أن لم يعد مقبولاً من البنك المركزي الدفع بعملات صعبة من السوق الموازي لأغراض الاستيراد، مشيراً إلى أن الترتيبات الأخيرة بدأت تأتي بعض الثمار عبر إيداع بعض الأشخاص لعملات أجنبية في البنوك بجانب تحويلات من دول المهجر إلا أن الأمر يستلزم مزيداً من الحوافز، ويرى الناير:”أن الإجراءات الأمنية مهمة إلا أنها تأتي كإجراء مكمل وليس أساسياً مما يستدعي أن يقوم المركزي والمالية بحزمة من الإجراءات لجعل استقرار الصرف مستداماً”.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز إن استقرار سعر الصرف لفترة طويلة يعتمد على قدرة البنك على التحكم في نطاقات السعر ضمن سياسة سعر الصرف المرن المدار. هذه القدرة تعتمد بالدرجة الأولى على مقدار الاحتياطيات التي يملكها بنك السودان المركزي. وتأتي الاحتياطيات من مصادر ثلاثة الأول هو عائدات الصادرات، والثاني هو تحويلات المهاجرين، والمصدر الثالث هو القروض والمنح والهبات.
على كل، يمكن القول أن ضمان استقرار سعر الصرف على المدى الطويل يتطلب حزمة من التدابير السياسية والاقتصادية المستدامة يمكن إسنادها لفترة مؤقتة بترتيبات أمنية، مع الأخذ في الاعتبار أن عدم حدوث ذلك يهدد بحدوث انتكاسة يرتفع فيها سعر الصرف بشكل أشرس، خاصة في ظل عدة مخاطر سلبية تخيم على الآفاق الاقتصادية، لا سيما في حال عدم إحراز تحسن ملموس في خلق فرص عمل وتحسين مستويات المعيشة وهو ما يهدد بتفاقم الاحتكاكات الاجتماعية والسياسية.

تقرير: محمد عبد العزيز
السوداني

تعليق واحد

  1. ياخي ديل عندهم مصطلح وسخ شديد
    زياده الانتاج والإنتاجية
    واضف عليه
    تدفق الأموال من الخارج
    ياخي انتو خنقتو ام البلد ومرغتو بي الشعب التراب.
    الله ياخذ حقوقنا منكم ومن ناصركم