منوعات

الإفراج عن المعتقلين في السودان.. فرصة لتحقيق المصالحة؟ (تحليل)

تحليلا وحراكا يتواصل الزخم بشأن ملف المعتقلين في السودان، رغم مضى أقل من أسبوعين على إفراج السلطات عن ثمانين معتقلاً، بينهم سياسيون ونشطاء، بعد اعتقالهم لأسابيع على خلفية احتجاجات منددة بالغلاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وفي مقدمتها الخبز.

وفي ظل وجود معتقلين آخرين في السجون غير معروف عددهم، تتواصل دعوات ذوى المعتقلين للرئاسة السودانية إلى التدخل للإفراج عنهم، لاسيما أن عبد الرحمن الصادق المهدي، مساعد الرئيس عمر البشير، أعلن أن الأخير قرر العفو عن “جميع المعتقلين”.

زخم إضافى أكتسبته قضية المعتقلين، لأن قرار الإفراج عنهم كان أول قرارات المدير الجديد لجهاز الأمن والمخابرات السوداني، صلاح عبد الله، المعروف بـ”قوش”، بعد 72 ساعة فقط من توليه المنصب.

وهي خطوة لفتت الأنظار إلى ما يمكن أن يحدثه هذا الرجل القوي من تغيير في سياسية الحكومة.

وصاحب الإفراج عن المعتقلين اهتمام كبير، حيث دعت السلطات، وعلى غير العادة، الصحفيين المحليين والكالات العالمية للأنباء إلى تغطية لحظات الإفراج عنهم من سجن كوبر شمالي الخرطوم، يوم 18 فبراير/ شباط الماضي.

وبين مؤيد ومحذر وداعٍ إلى الإفراج عن بقية المعتقلين تراوحت ردود الأفعال تجاه الإفراج عن الثمانين، الذين كان قد جرى اعتقالهم مع آخرين، على خلفية الاحتجاجات التي شهدها السودان، منذ مطلع العامل الحالي، تنديداً بإجراءات اقتصادية، وأطلق البعض على هذا التحرك اسم “احتجاجات الخبز”.

ولا يزال معتقلون في السجون، بينهم قادة حزبي الشيوعي والمؤتمر المعارضين، رغم إعلان مساعد البشير، عبد الرحمن الصادق المهدي، في يوم لإفراج عن الثمانين، أنه “وفقا لتوجيهات الرئيس عمر البشير تقرر إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والطلاب”.

وشدد على أن الهدف من هذا القرار هو “تحقيق المصالحة الوطنية، ومعالجة مشكلات الوطن عن طريق الحوار”.

** ترحيب وحذر ومطالب

لم يكن قرار الإفراج عن المعتقلين من جانب المدير الجديد لجهاز الأمن والمخابرات، صلاح عبد الله “قوش”، بتوجيه من البشير، كافياً ليحظى بإجماع، فعلى النحو المفاجىء للقرار جاءت ردود الأفعال.

ورحبت أحزاب مشاركة في الحكم بالقرار، وأيضا هيئات وحكومات أوربية، رغم أن الأخيرة أتبعت الترحيب، بالدعوة إلى الإفراج عن بقية المعتقلين، وضمان حرية الإعلام والاحتجاج السلمي.

وقالت بعثة الاتحاد الأوربي وسفراء دول أوربية بالخرطوم، غدة الإفراج عن الثمانين: “نرحب بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسين، ونطالب الحكومة السودانية بالإفراج الفوري عن المحتجزين السياسين المتبقين”.

فيما اعتبرت نقابة المحامين السودانيين، الموالية للنظام الحكم، هذه الخطوة صائبة، وتبرهن للمجتمع الدولي صدق نوايا الحكومة، وشددت على أن الحرية مكفولة لأي مواطن للتعبير عن قضاياه.

وقال نقيب المحامين عثمان الشريف في تصريح صحفي، يوم 20 فبراير/ شباط الماضي، إن “إطلاق سراح المعتقلين السياسيين يعتبر خطوة استراتيجية لها تبعات إيجابية وتهئ الساحة لانتقال حقيقي يسهم في بناء الاستقرار السياسي، وتأسيس أرضية مشتركة بين الحكومة والمعارضة من أجل الوطن”.

أما أحزاب المعارضة، ومنها الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والشيوعي، والبعث السوداني، فلم تجد أن الخطوة تستحق الترحيب بها، باعتبارها ناقصة، طالما أن قيادات أحزاب معارضة لا تزال معتقلة.

بل رحبت تلك اللأحزاب بطريقة مختلفة، إذ قالت في بيان، بعد يومين من الإفراج عن الثمانين: “نرحب بالمعتقلين المفرج عنهم، لمواصلة فاعليتهم فى صفوف المقاومة، فالحرية حق نالوه بالثبات، وسنواصل الضغط السياسي والشعبي من أجل الإفراج عن كافة المعتقلين”.

واعتبر حزب الأمة القومي، أكبر أحزاب المعارضة، أن هذه لخطوة من جانب الأمن هي محاولة لإمتصاص السخط الشعبي.

ومضى قائلا إن “إطلاق سراح المعتقلين يعد قوة دفع حقيقية لمواصلة المقاومة والنضال، وتراجع النظام عن حجز المناضلين والقيادات السياسية يجب أن تصاحبه إجراءات أخرى أكثر أهمية، وذلك بإلغاء سياساته الاقتصادية الأخيرة”.

** اتهامات لحزب الأمة

وإثر تبادل معلومات عن هوية المعتقلين المفرج عنهم وأسمائهم وانتمائهم الحزبي، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في تحديد أن حزب الأمة القومي المعارض، بزعامة الصادق المهدي، هو صاحب أكبر عدد من المعتقلين المفرج عنهم.

تلك الملاحظة أثارت حفيظة كثيرين، ووجهوا اتهامات للحزب بأنه عقد اتفاقا مع الحكومة، للإفراج عن معتقليه، بينما بقى الآخرون في السجن.

وسارع أعضاء في الحزب، بينهم زينب ابنة الصادق المهدي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى نفي الإفراج عن جميع أعضاء الحزب المعتقلين، وأوردت أسماء أعضاء في حزبها لا يزالون معتقلين.

وعلى النهج ذاته، اعتبرت أحزاب المعارضة أن سلوك جهاز الأمن والمخابرات لن يشق عصا المعارضة.

وشددت تلك الأحزاب، في بيان، على أن محاولات النيل من وحدتها وثقتها فى بعضها البعض “مكشوفة وبائسة”، وأنها متحدة وموحدة، وملتزمة بالعمل معا من أجل إسقاط النظام الحاكم.

ومرارا أعلن البشير اعتزامه عدم الترشح للرئاسة مجددا، لكن يتردد في أوساط سودانية أن تعيين “قوش” مديرا لجهاز الأمن والمخابرات يهدف إلى التمهيد لترشح البشير، الذي يتولى السلطة منذ عام 1989، في انتخابات الرئاسة، عام 2020، وهي خطوة تستلزم تعديل الدستور.

وما زاد من حالة الشك حول إطلاق سراح معتقلى حزب الأمة المعارض هو تصريح “قوش” لصحيفة ” الانتباهة” السودانية الخاصة، بعد يومين من الإفراج عن الثمانين.

فقد رهن “قوش” إطلاق سراح بقية المعتقلين بتحسن سلوك أحزابهم، بالتخلي عن الدعوات إلى إسقاط النظام، قائلاً: “إذا تحسن سلوك أحزاب المعتقلين السياسي في التعامل مع ما يجري في الساحة من تحول ديمقراطي سننظر حينها في إطلاق سراح معتقليهم”.

هذا الطلب قوبل برفض من أحزاب المعارضة ، وقالت إن “المطالبين بتحسّن سلوكهم هم أهل النظام، وليس القوي الوطنية، التي تناضل من أجل التغيير، فليحترموا رغبات الشعب، وتعبيره الرافض لسياساتهم، ووجودهم في السلطة”.

“واضح أن خطة شق صف المعارضة، عبر قضية المعتقلين، حققت في البداية بعض النجاح، وأثارت الشكوك”، وفق الصحفي السوداني، ماجد محمد على، في حديث للأناضول”.

وتابع علي موضحا: “ظهر ذلك عندما تفاجأت أسر المعتقلين بعدم الإفراج عن أبنائهم، فبدأت في الهجوم على قادة حزب الأمة القومي، واتهمت الحزب بعقد صفقة مع الحكومة”.

ومضى قائلا: “إلا أن حزب الأمة تدارك الأمر سريع، وأصدر بيانا أكد فيه التزامه بالعمل مع أحزاب المعارضة الأخرى”.