بروف عاصم المغربي :لسد النهضة سلبيات أكثر والحكومات لم تتيح لذوي الخبرات سانحة و ليس لها الحق في اتخاذ قرارات عن الشعب

** هل سيقود اكتمال بناء سد النهضة إلى اندلاع حرب على المياه، ما لم تتوصل إثيوبيا إلى اتفاق بشأنه مع مصر والسودان؟، وهل السودان سيليه ذات الضرر الذي تتخوف منه مصر؟ وحال صح ما أسلفناه لماذا وافقت حكومتنا آنذاك على قيام السد دون تفاصيل كافية طالما يلحق سد النهضة ضررا واضحا؟ أما إذا كان عكس ذلك فما جدوى اعتراض سير العمل في تنفيذه؟ وهل موافقة حكومتي مصر والسودان وفق رهان سياسي يخدم مصالح جهة محددة؟ جلها
أسئلة نطرحها على طاولة الخبير في الشأن البروفيسور عاصم المغرب،ي نائب عميد كلية الدراسات العليا سابقاً، ومدير معهد الدراسات البيئية، ومدير وحدة الأبحاث المائية بجامعة الخرطوم وعضو اللجنة القومية للمياه وعضو لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية، وكان مسثشارا لوزير البيئة.. إلى مضابط الحوار..

# في تقديرك هل يستفيد السودان الآن من نهر النيل بالمدى المطلوب؟
أبداً، وإيراداته لا تتعدى 2 %، وقبل انفصال الجنوب كان عندنا 63,6 % من حوض النيل، ولكن تكمن المشكلة في أن الفيضان عبارة عن 100 يوم تتوفر فيها 86 %.

# هل يمكن لدول المنبع التحكم في مصدر المياه تجاه دول المصب؟
نعم، وهذا ما يحدث بالضبط.. هم يريدون التحكم في مصادر المياه بالتالي في مصيرنا، كونها تتوفر فترة الفيضانات، (لذلك عايزين يلجنوها)، كان الإنجليز يستولون على حوض النيل وجل مشاريعهم قائمة، علل مصلحة مصر التي فيها مصالحهم، ومشكلة المهندسين والسياسيين هم أصحاب القرار ولا يدعون لك السانحة للتعبير، هنالك إحدى عشرة دولة لا تمتلك إحداهن وحدة، لذلك لابد من عمل خطة تستوعب الجميع تفادياً للنزاعات كما يحدث الآن.

# لماذا تمركز قيام الخزانات على رافد النيل الأزرق تحديداً؟
أول خزان على النيل هو أسوان سنة 1902، وكان الغرض من الخزانات ما يسمى بالتخزين القرني في البحيرات، وبالفعل ابتدأوا بذلك، الغريب في الأمر لم يفكروا في النيل الأزرق ولا العطبراوي، بل السدود أنشئت على نهر النيل والنيل الأبيض، مع ان للأبيض خاصية غريبة إذ يفقد نصف مياهه القادمة من نمولي في السدود، لذات السبب شرعوا في حفر قناة جونقلي للمحافظة على المياه، بيد أنهم تجاهلوا مهامها الأخرى في التنوع الإحيائي وتكاثر الأسماك وغيرها من ميزات تحافظ على العوامل البيئية، ومن المنطلق يتحدث المهندسون عن الماء ككم فقط، ونحن ننظر إلى عدة ابعاد وبذلك لا ننفي أن المياه مورد هام جدا، لكنه يحتوي على موارد أخرى هامة أيضا تساهم في توازن الحياة، وحال العبث فيها تظهر الأمراض المصاحبة للمياه.

# في رأيك ما هي دوافع تمسك إثيوبيا بقيام سد النهضة؟
أولاً: في العام 1959م عملنا اتفاقية أغضبت الإثيوبيين كوننا لم نشركهم، بجانب اتفاقية عنتبي، والإثيوبيون ليس لهم فيها باع كبير، لكنهم اخذوا الأمر بصورة شخصية.. بالتالي في رأيي أنشأوا خزان النهضة (علشان يسدو فينا)، وإلا لماذا تركوا الخزانات المدروسة وأيدوا قيام خزان بسعة كبيرة مثل سد النهضة؟،
وفي موقع جغرافي ترتفع فيه درجات الحرارة وتصبح نسبة التبخر فيه عالية جدا ما يجعله قليل الفوائد.

# من خلال حديثك نفهم أنك تعارض اتفاقية 59؟
نعم؛ وأصفها بالجريمة، وعندما سألنا عمنا يحيى عبدالمجيد مهندس الري المشهور، قال: “نحن كنا مهندسين صغار وما كنا بنعرف”.

# ما هي الخزانات المدروسة التي أشرت إليها في حديثك؟
وقتئذ درست (أمريكان بلو) إمكانية قيام خزان في النيل الأزرق، وفي عام 1964 صدر التقرير مشيراً إلى عمل 30 مشروعا يجب فيها استلاف سبعة مليارات متر مكعب، علما بوجود أربعة سدود، ومن ثم جاءت مبادرة حوض النيل، وأيدت ذلك وقرروا عدم بناء خزان في السودان حينها، بسبب أن الخزان في السودان يُبخر سبعة أضعاف الخزان في إثيوبيا، لذلك اقتنعوا بقيامها هنالك، وفي الوقت ذاته أمنت مبادرة حوض النيل على (كرذومي) بجانب خزان (بوك).

# رغم ما ذكرت لمَ لم تلتفت الجهات المنوطة لهذه التفاصيل لكي تتخذ قرارا صحيحا؟
أولاً: ليس للحكومات ولا غيرها الحق في اتخاذ قرار مصيري حتمي بالنيابة عن شعب كامل، مثل ما يحدث الآن في شأن سد النهضة او أي مشروع مماثل، وفي تقديري لا وزارة الري ولأي جهة أخرى لها حق التفويض نيابة عن الشعب، يجب ان يكون في استفتاء في الخصوص، وأيضا يطرحوا كل المعلومات للجميع و(ما يدسوها منهم)، على كلٍ موقفنا الرسمي مع الخزان، بدليل منحهم هدية قيمتها 60 مليون دولار.
والمؤسف عندما يكون أحدنا قيد سلطة أو وظيفة لا يدلي برأيه كاملاً، كما فعل أخونا كمال المدير الأسبق وحيدر يوسف وغيرهم، جميعاً لم يصرحوا برأيهم الكامل بخصوص ملف سد النهضة.

# ما يعني أن هنالك معلومات ربما تكون خطيرة بجعبة هؤلاء ولم يصرحوا بها؟
لقيام السد آثار إيجابية وسلبية وبكل تأكيد الأخيرة أكثر، هم يركزون على محور أننا سوف نتمكن من استعمال حصتنا كاملة، ولكن كيف يتم ذلك دون وجود بنيات تحتية؟، ثانياً يؤكدون على أن إثيوبيا ستمنحنا إمدادا كهربائيا وهذا غير صحيح، وإلا أين دراسات الخط الناقل؟، حسب علمي أن كهرباء سد النهضة لا تغطي حاجة الإثيوبيين أنفسهم، بيد أن السد سيولد 30 % فقط من ستة آلاف مقاواط كان متوقع إنتاجها حال اكتمال السد، وفي الشأن كونت لجنة مشتركة من عشرة اشخاص اثنان من السودان وبالمثل من مصر وإثيوبيا، واخيراً أقرت اللجنة بأن الدراسات ناقصة، وفي تقديري حقاً غير مكتملة، بداية كان يجب علينا أن ندرس خواص المياه قبل التخزين، وفي الاثناء نعي تأثير التخزين مثل العفونة وهي أسوأ أنواع التلوث، وبالكاد أن تحدث لنا، بجانب عمق الخزان البالغ 140 مترا، والجزء الذي يحتوي على التمثيل النسبي لا يتعدى العشرين مترا، ما يعني أنهم سوف يصدرون لنا مياها غير صالحة، وعقب كل هذا نُمنح 130 مليون متر مكعب في اليوم، علاوة على غياب الفيضان بصورة مستمرة، مبررين كل هذا بأنه يطيل عمر السد من وجهة نظر مصالحهم.

# إذاً أنت تؤكد ضرر السودان جراء قيام السد؟
نعم يتضرر من سد النهضة، حينئذ المياه يجب ان تحمل معها حمولة، بمعنى أنها تكثر من الهدام في الشمالية وتجرف الجزر أيضا، والسمك سيهاجر ضد التيار ولا يتكاثر حال توقف الفيضان، والمعلوم ان كل الدورات الطبيعية تعتمد على الفيضان، هل يمكننا ان نطلب من الطبيعة أن تتغير؟، ولا يفوتنا عمق السد البالغ 140 مترا، الذي يعيق حركة اتجاه السمك إلى الاتجاه الآخر كجبل أولياء أو غيره، بالتالي نفقد الثروة السمكية بجانب توقف صناعة الطوب الأحمر، كان علينا ان نتعظ مما حدث للمصريين في السد العالي عندما جرفوا الأراضي الزراعية.

# هل هنالك عدم تنسيق بين الدول المعنية، لذلك يبدو الأمر شائكاً؟
إذا كان في تنسيق لماذا بنى السودان خزان مروي وتمت تعلية الروصيرص؟ سد النهضة سيحجب فيضان النيل لعدة أعوام، ريثما يبلغ 74 مليارا، اما إذا افترضنا عشر سنين سيفقد الجدوى الاقتصادية، وفي حالة تعبئته بسرعة خلال خمسة أعوام سوف يحرم السودان حال أخذه 15 مليارا من 48، وعنئذ لا نستطيع ملء الخزانات لضمان ري المشاريع الزراعية، ناهيك من السنين العجاف إذا وقعت علينا، ويجب وضعها في الحسبان إذ لا يمكن التنبؤ بعد وقوعها.

# كأنك تلمح إلى عدم دراسة السودان بشكل كافٍ قيام سد النهضة؟
بلى.. لم يدرس بالقدر المطلوب، ولم يتيحوا لذوي الخبرات سانحة لتقديم خبراتهم، سابقاً عندما كانت مبادرة حوض النيل اقيمت ثلاث شركات مصرية وسودانية واثيوبية لدراسة الامر ومناقشته بكل وضوح، والآن هناك مؤيد وآخر معارض، وفي تقديري هذا الخزان سياسي وكان علينا دراسة الأمر، كما بإمكاننا انشاء خمسة خزانات على الروافد، بدلا من السدود الحالية التي بالكاد توفر امدادا كهربائيا كبيرا.

# ما يعني أن سد النهضة بسعته الكبيرة هذه، ربما يلحق ضرراً بالغاً على السودان؟
بكل تأكيد إذا حدث عيب في الخزان بسبب طبيعي أو بفعل فاعل، حينها سيبلغ ارتفاع المياه في الخرطوم 26 مترا، أي بمعنى غرق البلاد، مقارنة بالنيل الأزرق الذي يحتوي على مليار، وسد النهضة 74 مليارا.

# بروف المغربي كأنك تشير إلى أن سد النهضة يمكن استخدامه كسلاح حال دعا الداعي؟
تخيّل وأنت تحت رحمة غيرك، ما يعني إذا أطلقوا 3 مليارات فقط من المياه، سينقلب الروصيرص وسنار ساعتها إلا نذهب إلى كردفان، ومن المنطلق أن يستخدم سلاح ضدنا في ظل المواقف السياسية المتقلبة، لذلك نكرر بأن هذا مصير أجيال ولا يجب اتخاذ مثل تلك القرارات بهذه البساطة، خاصة ونحن مازلنا نعاني من آثار السد العالي.

# حسب ما ذكرت فإن السودان أكثر ضرراً من مصر، وفي ذات الوقت يعلو صوت الأخيرة معترضاً بينما يحدث العكس من جانبنا؟
المصريون لن يتضرروا مثلنا بل العكس، نحن تخزيننا ضئيل جدا في الروصيرص وسنار، ومن خلال تحضيري للدراسات العليا في خزان الروصيرص وجدت الخزان نقص 17 مترا أي ثلث مساحته أطماء، أما خشم القربة فهو أسوأ بكثير، وحينها رفعت الأمر للرئيس الراحل نميري لكنه استهان به، هكذا هم السياسيون لا يستمعون إلى آراء ما علموهم وليس لديهم صبر ولا أدري لماذا علمونا طالما لا يستفيدون من آرائنا؟، أما المصريون عندهم 140 مليار متر مكعب وراء السد العالي، ولن تتأثر دوراتهم الزراعية لسنتين متتاليتين كون لهم مخزون كافيا، والسودان لم يستخدم نصيبه كاملا منذ عام 1959، بل تستخدمه مصر وكانت عبارة عن سلفة في بادئ الأمر.

# تحدث وزير الري عن مقترح غير تقليدي للسودان، في تقديرك ماذا سيقدم؟
ليس لديهم شيء.

# الآن سد النهضة أصبح واقعاً، ما هي الحلول في رأيك؟
تعاون وتنسيق.. وإلا لن نجني منه فائدة، قدمت اقتراحا لتشغيل جميع الخزانات بالتنسيق مع السد، ودون ذلك سيحدث تخبط ونحن أول المتضررين، كون لدينا دورتان زراعيتان ومفتاح المياه أضحى في أيدي الإثيوبين، لذلك إذا لم نتفق وننسق معهم لن نزرع فدانا واحدا، وخير مثال حلفا القديمة عندما غرقت مرات وعطشت أخرى نتيجة لتحكم مصر في الكنترول، وقطعا تهمهم مصالحهم قبل مصالحنا، أكرر لابد من التعاون والتنسيق.

# هل تتأثر المياه الجوفية في السودان حال قيام السد؟
بالطبع تتغذى أحواضها من الأمطار والنيل، وعنيئذ سنمنح 130 مليونا فقط من النيل بالتالي لا تغذي احواض المياه الحوفية، اضافة الى سوء إدارتنا للمياه بزراعة بعض المحاصيل المستهلكة لها مثل البرسيم وقصب السكر والقمح وغيرها، لم يلتفتوا للسياسات الزراعية والمائية من ناحية شمولية، بالمقابل ستجف كثير من الآبار الجوفية حال توقف الفيضان.

# ما هي التأثيرات البيئية من السدود؟
الغمر الجديد له تأثير كزيادة خصوبة الماء، بجانب تغيير أنواع الأسماك.

# في رأيك كخبير هل الطاقم الفني المعني بهذا الملف مؤهل فنياً؟
نعم فنياً مؤهل، لكن هل سياسياً وحزبياً مؤهل؟، حتى نضمن أنه لا يتعرض لضغوط، معظمهم مؤهلون جدا.

# أليست كل هذه الدفوعات الفنية، جديرة بأن يلغي السودان تأييده للسد؟
هنالك ثمة أمر غير واضح تتبعه عجلة في تنفيذ المشروع.

# لماذا يتمسك المصريون بتدخل البنك الدولي في شأن السد؟
لأنه درس (الكومشن) بالتالي رفض الفكرة، كون الخزان كبير وفي مثل الحالات لا توفي السدود ما توعد به، وخير مثال سد مروي، بفضل البنك الدولي وفق تجاربه عمل خزانات صغيرة السعة لكي تعيد استعمالها وتكون أضرارها أقل.

# ختاماً حدثنا عن ما يثار حول بيع المياه؟
دي فكرة خطيرة جدا إذا نُفذت، حنيئذ يعتقدون أن المياه ملك لهم ولماذا يعطوها لغيرهم مجاناً، وهنا نتحدث عن ما نملك من 18 ملياراً ونصف المليار، بالمقابل يمكنهم القول إن النيل الجنوبي يخصهم ولهم الحق في بيع ميائه، والمعلوم أن الإثيوبين يمتلكون 86 % من النيل الأزرق والعطبراوي والسوباط، بالتالي هذا أمر خطير وليس لدينا قدره لتنفيذه، (يا نقول ليهم أشربوها ما دايرنها يا حولوها لو بتقدروا)، هنالك بُعد ثالث هو إذا وقْعت أي اتفاقية مع واحدة من دول النيل، تُعتبر أنت منها، وكل الدول لها علاقات مع إسرائيل ماعدا نحن، لذلك نتخوف من بعدها السياسي أو نظرية المؤامرة كما يصفونها، ولا أرى داعياً للخوف ونحن نمتلك سبعة مليارات غير النيل، رغم أهميته، بجانب الجوفية والأمطار، وحال استغلال هذه الكميات من المياه بحصادها، فهي أكبر من مياه النيل غير المستغلة.

اليوم التالي.