منوعات

كيف اكتُشف مخدر المورفين ومن أين جاءت تسميته؟

منذ القديم عمد الإنسان إلى زراعة نبات الخشخاش المنوم بهدف استخدام الأفيون الذي يستخرج منه لأغراض طبية، وعلى حسب ما يذكره التاريخ لم يتردد المصريون القدامى والسومريون والإغريق والرومان في الاعتماد على الأفيون كنوع من المهدئات ومسكنات الآلام.

من خلال كتاباته، لم يتردد الفيلسوف والطبيب الإغريقي الشهير جالينوس في وصف الأفيون لعلاج العديد من الأمراض والآلام، ولعل أبرزها الغثيان وأعراض الربو واليرقان والحمى وآلام المجاري البولية، في أثناء ذلك وعلى حسب العديد من الأطباء المعاصرين لعب الأفيون خلال تلك الفترة دورا هاما في تخفيف الآلام فقط دون علاج مصدر العلّة.

ومع بداية استخدام البنادق خلال المعارك وارتفاع نسبة عمليات بتر الأطراف، تزايد الإقبال على الأفيون كمسكن للآلام فضلاً عن ذلك بلغ هذا الإقبال أشدّه خلال الحروب النابليونية التي عاشت القارة الأوروبية على وقعها عقب الثورة الفرنسية. مطلع القرن التاسع عشر لاحظ الصيدلي الألماني فريدريك سيرتورنر والذي لم يتجاوز عمره العشرين سنة تخبط الأطباء وقلقهم خلال عملية إعداد عصارات الأفيون، حيث عجز الأطباء في غالب الأحيان عن تقديم كميات كافية من هذه المادة المخدرة لمرضاهم الذين عانوا من آلام فظيعة عقب عمليات بتر الأطراف والتي كانت تجرى خلال تلك الفترة بدون تخدير.
صورة لنبتة الخشخاش المنوم و التي يستخرج منها الأفيون

وأمام هذا الوضع السيئ، وضع الصيدلي الألماني فريدريك سيرتورنر على عاتقه مهمة إجراء تجارب على نبتة الخشخاش المنوم والأفيون الذي يستخرج منها بهدف تحديد المادة الأساسية المسؤولة عن التخدير وتخفيف الآلام. خلال تلك الفترة اعتمد الصيدلي الألماني كثيراً على الفئران والكلاب أثناء تجاربه حيث لم يتردد الأخير في تقديم جرعات من المواد المخدرة إليها ليتمكن على إثر ذلك في حدود سنة 1804 من استخراج مادة شبه قلوية من الأفيون مسؤولة عن التهدئة وتخفيف الآلاف.

على إثر نجاح تجاربه لم يتردد فريدريك سيرتورنر سنة 1805 في مراسلة إحدى الصحف المختصة في مجال الصيدلة، مؤكداً نجاحه في عزل العنصر المسؤول عن تخفيف الآلام الموجود بالأفيون ولكن القائمين على هذه الصحيفة تجاهلوا مراسلته بسبب نقص في مناهج البحث.

وعلى الرغم من كل ذلك لم يفقد فريدريك سيرتورنر الأمل ليواصل الأخير تجاربه خلال السنوات التالية، وفي حدود عام 1817 لم يتردد هذا الصيدلي الألماني في تجربة المادة شبه القلوية التي استخرجها من الأفيون على نفسه فعلى إثر شعوره بآلام شديدة على مستوى ضرسه لم يتردد فريدريك سيرتورنر في تجرع كمية من المادة التي عزلها من الأفيون ليتأكد عقب ذلك من خصائصها المسكنة للآلام، وتزامناً مع ذلك وبهدف تحديد كمية الجرعة الملائمة أقدم الصيدلي الألماني على تقديم هذه المادة المخدرة إلى عدد من المتطوعين.

على إثر ذلك لم يتردد فريدريك سيرتورنر في إطلاق تسمية “مورفين” على هذه المادة التي نجح في استخراجها من الأفيون وقد جاءت هذه التسمية نسبة إلى إله الأحلام لدى الإغريق “مورفيوس”، فضلاً عن ذلك أثبتت العديد من التجارب التي أجريت لاحقا أن المورفين على شكله النقي أقوى بعشر مرات من الأفيون.

خلال الفترة التالية اعترفت العديد من الأوساط العلمية العالمية باكتشاف فريدريك سيرتورنر للمورفين ليحصل الأخير عقب ذلك على العديد من درجات الدكتوراه الشرفية والتي لم تتردد الجامعات في منحه إياها، فضلاً عن ذلك باشر الصيدلي الألماني بترويج وبيع المورفين لعامة الناس كمسكن للآلام.

خلال الحرب الأهلية الأميركية لقي المورفين رواجاً كبيراً حيث استخدم هذا المسكّن بكثافة من أجل تخفيف الآلام عقب عمليات بتر الأطراف وعلى إثر نهاية الحرب وحفاظ الولايات المتحدة الأميركية على وحدتها وجد مئات الآلاف من الجنود الأميركيين أنفسهم مدمنين على المورفين، والذي بقي إلى حدود مطلع القرن العشرين متوفراً في الصيدليات دون وصفة طبية.

ومع حلول سنة 1874 أقدم عالم الكيمياء الإنجليزي ألدر رايت على استخراج مادة الهروين انطلاقاً من المورفين، حيث آمن الأخير حينها بقدرة الهروين على إنهاء إدمان الناس للمورفين. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر وإلى حدود عشرينات القرن العشرين، اعتمد الهيروين كدواء لعلاج نزلات البرد والسعال، لكن مع إثبات خصائص الإدمان الموجودة به تم رسمياً منع إنتاجه وتجارته على الأراضي الأميركية بموجب قانون مكافحة الهيروين والذي مرره الكونغرس الأميركي سنة 1924.

العربية نت