الزواج المحرم في مصر .. ومن العادات ما قتل
الزواج في جميع الأديان ينص على موافقة الفتاة، وما يحدث في القبائل يخالف ذلك، فهو من أجل الأرض والميراث؛ حتى لا يذهب إلى “غريب” عنهم.
لم تكن تدرك “رانيا. ر” الحاصلة على بكالوريوس نظم المعلومات والتكنولوجيا، أن عادات قبيلتها سوف تحرمها من الزواج بمنْ تحب، بل وصل الأمر إلى التهديد بالقتل تارة والاعتداء والترهيب تارة أخرى.
ولم يشفع لها مركز والدها المرموق داخل القبيلة في أن تتزوج من خارجها، بل وصل الأمر إلى التهديد بـ”تشميس الأسرة” أي الحرمان من مظلة الحماية التي يتمتع بها أعضاء القبيلة وتصبح دماؤهم مهدورة، الأمر الذي جعل والدها يرضخ لأوامر القبيلة.
رانيا بنت الـ 35 عامًا، لم تتزوج حتى الآن، رغم أن العادات القبلية تعتبر المتأخرة إلى ما بعد الـ 25 عامًا “عانس” وتوصف بالمعيوبة، أي بها عيب أو ارتكبت خطأ يجعل الشباب لا يطرقون باب منزلها، إلا أن الحقيقة هي أن عشرات العشرات طرقوا بابها، ولكنها أوصدت الأبواب في وجوههم رافضة الزواج.
الفتاة الثلاثينية التي تنحدر من أسرة أرستقراطية بمحافظة الشرقية شمال شرق مصر، لها 3 أخوات “فتيات” سيواجهن نفس المصير رغم حصولهن على مؤهلات عليا، فيما ثلثي شباب القبيلة لا يتمتعون بالتعليم نهائيًا، بما يخلق فجوة في التعامل بين الجنسين ويجعل الفتيات معرضات عن فكرة الزواج نهائيًا.
“إرم نيوز” حاولت التواصل مع الفتاة، إلا أنها رفضت الحديث خشية البطش بها من قبل أبناء عمومتها؛ لأنها تخالف دستور القبيلة، ويصل الأمر حد قتلها.
الأمر يعد معقدًا للغاية ويمنع منعًا باتًا بأي وسائل، زواج أي فتاة خارج القبائل العربية، ويواجه ذلك بأحكام رادعة مثل القتل وإهدار الدم حتى لا يصبح الأمر عادة تنتقل بين القبائل.
رانيا لم تكن الأولى، بل أقدمت “ن. سليمان” على الهرب والزواج بمنْ تحب، وما زالت أسرتها وأبناء عمومتها يبحثون عنها لقتلها هي وزوجها؛ لأنها ارتكبت جريمة كبرى، وفقًا للعادات القبلية الموروثة.
الشيخ محمد سالم، أحد مشايخ قبيلة البياضية بمحافظة الإسماعيلية، أكد لإرم نيوز أن هذه العادات موجودة بالفعل في مصر، وتحرم وتمنع زواج الفتاة من خارج قبيلتها، ولكن هناك بعض القبائل الأخرى هجرت هذه العادات مثل القبيلة التي ينتمي إليها وأصبحت تزوج وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن العادات الموروثة، مع الحفاظ على عادات وقواعد القبيلة.
ولفت “سالم” إلى أن تزويج البنت من خارج القبيلة لا يكون إلا بعد التأكد من عدم تقدم أحد من أقاربها أو أبناء عمومتها لها للزواج، فما زالت القواعد موجودة مع السماح بالاستثناءات.
الحقوقي بمركز “النديم” للعنف ضد المرأة في مصر، مايكل رؤوف، قال لإرم نيوز إن هناك قرابة 70 قبيلة بمحافظات مصر تزوج بناتها زواجًا مخالفًا للشرع والقانون، وفقًا لعادات القبيلة المجحفة.
وأكد رؤوف، أن الزواج في جميع الأديان ينص على موافقة الفتاة وما يحدث في القبائل يخالف ذلك؛ من أجل الأرض والميراث، حتى لا يأخذه “غريب” منهم.
وأضاف أن هناك جرائم عدة ارتكبت تحت بند الشرف والعادات والتقاليد، مؤكدًا أن الدولة ذاتها تعجز عن تطبيق القوانين الصارمة على مثل هذه القبائل التي تمثل كتلة صوتية سياسية ليست بالهينة، كما أنها تمتد بأغلب الدول العربية، مشيرًا إلى أن منظمات حقوق الإنسان عجزت عن الوقوف ضد هذه العادات السلبية.
وأرجع الحقوقي، انتشار هذا الزواج وإلزام القبائل للفتاة على الزواج من ابن عمها إلى 3 أسباب: أولها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثل تعزيز الأمان والروابط العائلية، وثانيها تسهيل الزواج والتفاوض عليه، وثالثها اعتباره جزءًا لا يتجزأ من تقاليد العائلات والمحافظة على ممتلكات العائلة والميراث.
الباحث القانوني والحقوقي، خالد رجب، أيد حديث رؤوف، مؤكدًا أن هناك بعض القبائل ما زالت تخالف شرع الله فى الزواج، وأغلبها يتواجد في محافظات الصعيد جنوب مصر.
وقال لإرم نيوز، إن هذه القبائل تعتبر زواج الفتاة خارجها ممنوعًا، بما يعتبر مخالفًا دينيًا لافتقاده شرط القبول من ناحية الفتاة، متابعًا: “رغم أننا في القرن الـ21، مازالت هناك قبائل عدة تعيش بنظام المجلس القبلي، وترفض الاعتراف بالدولة، الأمر الذي يجعل كثيرًا منهم يرفضون توثيق الزواج أو المواليد”.
ولفت إلى أن زواج البنت من خارج قبيلتها يعد مخالفة ويحكم عليها بحكم الزانية ويتم قتلها، وينفذ الحكم شخص من الدرجة الأولى، الأب أو الأخ، وأكد صعوبة ثني القبائل عن هذه العادات، ولكن ليس مستحيلًا.
وتابع رجب، أنه وفقًا للقانون، فإن جريمة الزواج المحرّم ما بين 10 سنوات وقد تصل للمؤبد، وإذا اقترنت بجريمة قتل فيكون عقوبتها الإعدام.
وطالبت المؤسسات التشريعية والدينية والقانونية في مصر، بمواجهة تلك الظاهرة، بزيادة الوعظ الديني في المناطق القبلية في سيناء وغيرها، وتعليم أسس الزواج الحلال.
العربي الجديد