عالمية

سجنه في غوانتانامو واحتسى معه الشاي بصحراء موريتانيا

ستيف وود جندي أميركي تنقل بين القواعد العسكرية في داخل الولايات المتحدة وخارجها، بينما محمدو ولد صلاحي شاب مدني موريتاني يقيم في توجنين، إحدى المقاطعات الأكثر تواضعا في العاصمة نواكشوط.

يستعصي على كتّاب القصص الغريبة نسج علاقة بين الاثنين، ولكن الواقع في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن كان أكثر غرابة من الخيال.

في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2001 زارت فرقة من أمن الدولة الموريتاني منزل محمد ولد صلاحي وطلبت منه مرافقتها لمهمة مستعجلة قد لا تستغرق بضع ساعات.

صادف ذلك اليوم الرابع من رمضان وكان محمد عاد لتوه من القصر الرئاسي حيث يعمل مهندسا لنظم المعلومات ويحظى بإعجاب الرئيس حينها معاوية ولد سيد أحمد الطايع.

لكن الشاب النحيل لم يعد وأنى له ذلك، فقد سلمته الحكومة الموريتانية للأميركيين و التحق بدورة تعذيب رهيبة في الأردن ومنها إلى قاعدة باغرام في أفغانستان، قبل أن يستقر في جحيم غوانتانامو.

لسنوات عديدة سامه الجنود سوء العذاب، فقد أدمى جسمه من الضرب والركل واستمتع الزبانية بمنعه من النوم والصراخ في وجهه والانتقاص من دينه والتهديد بإحضار والدته إلى المعتقل واغتصابها.

قبل أعوام نشر ولد صلاحي مذكراته من داخل غوانتانامو، مما أكسب قضيته زخما كبيرا رغم أنها مرت على الرقيب الأميركي فطمس منها الكثير.

“يوميات غوانتانامو” كتبت باللغة الإنجليزية التي تعلمها من سجانيه بالمعتقل ونشرت بالتزامن في عشرين بلدا، وسلطت الضوء على محنة شاب باعه الموريتانيون وعذبه المصريون والأردنيون والأميركيون.

دون تعذيب
وفي مذكراته تمنى محمد ولد صلاحي أن يحتسي الشاي مع جلاديه “حتى يتعلم البعض من الآخر في جلسة دون تعذيب”.

الزخم الذي أحدثه الكتاب في الوسطين الحقوقي والإعلامي قاد إلى شغور الزنزانة رقم 760 في أكتوبر/تشرين الأول 2016.

وأمس الأول استضاف ولد صلاحي ستيف وود في موريتانيا وتناولا الإفطار الرمضاني سويا واحتسيا الشاي الأخضر في فضاءات لا تحدها الجدران والأسلاك الشائكة.

نشر ولد صلاحي صورا تجمعه مع ضيفه وهما على تل في ضواحي نواكشوط وعلق عليها “أنا وحارس (زنزانتي) السابق نتناول الإفطار” الرمضاني.

عندما اقتيد ولد صلاحي إلى الضياع في 2001 كان ستيف وود حينها في مهمة بقاعدة أميركية في شرم الشيخ المصرية.

لاحقا، نقل إلى غوانتانامو ليتولى حراسة الزنزانة رقم 760 التي كانت تضم سجينا يصفه الأميركيون بأنه ذو درجة عالية من الأهمية.

يروي التراد ولد صلاحي أن شقيقه محمدو وستيف وود دارت بينهما أحاديث مسروقة “وحاول كل منهما استمالة الآخر ولكن عناية الله أحاطت بالسجان” فأسلم وجهه لله.

وينقل عن ستيف قوله إن السبب الأبرز لدخوله الإسلام هو ما شاهده من تمسك سجينه بتعاليم دينه وأخلاقه تحت ظروف بالغة السوء.

وعلى نطاق واسع، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي بموريتانيا صور استضافة ولد صلاحي بنواكشوط للرجل الذي كان يحرس زنزانته في خليج غوانتانامو.

وتعليقا على الصور كتب المدون محمد بن إسحاق “يحدث أن تمر بمأساة لا تتصور للحظة أن لها جوانبها الإيجابية. ولد صلاحي جذب بشخصيته وبساطته وإخلاصه لما يؤمن به سجانه في غوانتانامو إلى الإسلام وها هو يفطر معه على ربا موطنه. حقا ولا في الأحلام”.

نهج التسامح
ومن جانبه، علق عبد الله ولد الجيلاني بالقول “سجين سابق في معتقل غوانتانامو يستقبل سجانه السابق في رحاب صحراء موريتانيا. الإنسانية في أبهى صورها”.

وحتى الحين، لا يزال ولد صلاحي وفيا للقيم التي تحدث عنها في يوميات غوانتانامو، إذ يبدي مسامحته لكل من سلموه واعتقلوه وعذبوه.

ورغم علاقاته الواسعة بالمنظمات الحقوقية، لم يبد أي رغبة في مقاضاة المتورطين في تسليمه واغتيال 15 عاما من عمره قضاها في الظلمات وتحت سياط الأغراب.

ويشار إلى أن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن جلب المئات من مختلف أنحاء العالم إلى معتقل غوانتانامو على خلفية اتهامهم بالإرهاب، ردا على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ومع وصول خلفه باراك أوباما إلى السلطة كان المعتقل سيئ الصيت يضم 242 سجينا، وقد قلص عددهم إلى 41، لكنه لم يف بوعده بإغلاقه.

وعلى النقيض من أوباما، تعهد دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية بنقل سجناء جدد إلى معتقل غوانتانامو، قائلا إنه يرغب في “أن يصبح مليئا ببعض الأشرار”.

ولكن الولايات المتحدة كشفت مطلع الشهر الجاري عن نقل سجين من المعتقل إلى السعودية، في أول عملية من نوعها منذ وصول ترمب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017.

المصدر : الجزيرة