أجهضت “12 مرة” بإرادتها في بلد عربي يكفل حق الإجهاض
أجهضت سلمى ذات الـ 32 عاما 12 مرة بإرادتها خلال السنوات العشر الماضية كان آخرها الأسبوع الماضي.
كانت سلمى (وهو اسم مستعار) تعيش في تونس العاصمة قبل انتقالها مع زوجها إلى مدينة نابل الساحلية وإنجابها طفلتها البالغة من العمر 8 سنوات اليوم.
تقول إنها كانت تود إنجاب مزيد من الأطفال إلا أن خلافاتها المستمرة مع زوجها – والتي تضمنت تعرضها للضرب من قبله – جعلتها دائما تعدل عن الفكرة بعد أسابيع قليلة من الحمل.
“أذكر أني فكرت مليا قبل أول عملية إجهاض أجريتها. كنت أقول لنفسي إن الأمور ستتحسن مع زوجي في حال أنجبنا طفلا آخر خاصة وأني أردت فعلا الإنجاب مجددا، لكني أيضا كنت أفكر أننا في حال تطلقنا فإن الطلاق بوجود طفل واحد فقط سيكون أسهل على الجميع”.
ومنذ ثلاث سنوات، تعيش سلمى – التي تطلقت – وابنتها مع رجل تحبه لكنهما غير قادرين على الزواج. وبسبب مشاكل وأخطاء في استخدام موانع الحمل اضطرت للإجهاض عدة مرات لأنها لا تريد إنجاب “طفل في الحرام” يرفضه المجتمع.
لدى سلمى الكثير من المشاكل التي تقلقها كثيرا، منها أن أهل الرجل الذي تحبه يرفضون فكرة زواجه من مطلقة معها ابنتها؛ وأنها الآن عاطلة عن العمل منذ ثلاثة أشهر علما أنها حاصلة على شهادة من معهد إعداد إعلامي؛ كما أنها تخاف مما سيحدث لها ولابنتها في المستقبل.
لكن الحمل غير المرغوب (الذي لا يتعلق بأسباب صحية) ليس واحدا من مشاكلها؛ فقد أصبح أمرا عاديا بالنسبة لها أن تذهب وحدها إلى طبيبها ذاته لإجراء العملية.
يسمح القانون التونسي لأي امرأة راشدة بلغت العشرين بإجراء الإجهاض للحمل غير المرغوب مهما كانت حالتها الاجتماعية (متزوجة أو عزباء)، بلا مقابل مادي، ودون الحاجة لموافقة أي شخص، كما يوضح د. بدر الدين بوقرة رئيس قسم التوليد في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة.
لكن د. بوقرة يؤكد أن القانون – الذي سن منذ عام 1973 – يشترط في هذه الحالة أن يكون عمر الجنين أقل من 3 أشهر، وأن يتم الإجهاض في مؤسسات حكومية أوخاصة مرخصة؛ فالهدف هو “حماية صحة المرأة عبر منع الإجهاض بطرق غير قانونية وغير علمية”.
ويضيف أنه عندما يشارك في مؤتمرات طبية يشعر أنه “في عالم وبعض المشاركين في عالم آخر” بسبب ما يسمعه عن القيود المفروضة على الإجهاض في بعض الدول العربية والإفريقية المجاورة والتي تؤدي إلى لجوء كثيرات إلى طرق بدائية للإجهاض باستخدام إبر الحياكة مثلا والأعشاب حيث تؤدي هذه الطرق غير الآمنة والأدوات غير المعقمة إلى وفاة النساء أحيانا.
ويقول د. بوقرة إن نسبة الإجهاض في تونس عالية نسبيا؛ حيث أن إحصاءات الديوان الوطني لعام ٢٠١٧ تقدّر عدد حالات الإجهاض بـ 34 ألف حالة سنويا؛ 20 بالمئة منها لنساء عازبات.
ويفسر نسبة الإجهاض العالية باحتمال عدم فعالية بعض وسائل منع الحمل، و”استسهال” هذا الإجراء من قبل بعض النساء نظرا لأنه متاح.
وتشهد تونس مؤخرا مشكلة في توفير حبوب منع الحمل. فمنذ شهر أبريل/نيسان نقلت وسائل إعلام تونسية محلية عن نقص في حبوب منع الحمل في الصيدليات، الأمر الذي أكده د. بوقرة الذي قال إن السبب اقتصادي؛ فهناك عدم قدرة على توفير ما يلزم من حبوب للصيدليات. وأضاف أن نساء كثيرات يستفسرن منه منذ فترة عن البديل مما هو متاح.
ويضيف أن تونس قد تصبح دولة هرمة مع عام 2050.
قانون بورقيبة “الشجاع”
يتذكر د. بوقرة أول عملية إجهاض أجراها عام 1991، لكنه يقول إن هذه العملية بالنسبة للأطباء في تونس مثلها مثل غيرها فهم يخدمون “في إطار القانون الذي عمل على وضعه أخصائيون في الطب والقانون والدين ولجان أخلاقية”.
يبتسم وهو يقول إن “المجتمع تجاوز منذ زمن نقاش فكرة منع الحمل أو الإجهاض”.
ويقول إن قانون تنظيم الأسرة كان واحدا من “القرارت الشجاعة” التي اتخذها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان يلقي خطابات عامة يشرح فيها تفاصيل مثل هذه القرارات.
يتذكر الطبيب أن أما (كان عمرها حوالي ٤٣ عاما) زارته مع والدتها (في السبعينيات من عمرها) لأنها أرادت إبقاء الحمل علها تنجب طفلا ذكرا بعد إنجابها طفلتين، لكن أمها كانت تشجع ابنتها على الإجهاض وتكرر جملا للحبيب بورقيبة وهي توبخ ابنتها في العيادة لتفكيرها بمثل هذه الطريقة.
تقول عزة الغانمي وهي ناشطة حقوقية إنها من الجيل الذي كان شاهدا على التغييرات مطلع السبعينات. “كان هناك فرح بقانون تنظيم النسل، واستخدمت النساء الحق في الإجهاض”.
وتوضح أن الهدف كان ديموغرافيا أي للحد من عدد الولادات في تونس.
لكنها تضيف أن اليوم هناك تغيرا في المجتمع؛ “حيث تراجعت العقلية كثيرا (…) وكثر من يقول للمرأة: “شبك”.. ماذا تفعلين. حرام. أصبحوا يتدخلون بحياتها الخاصة”.
صراع .. كل مرة
تقول سلمى إن خمسا من صديقاتها أجرين عمليات إجهاض؛ ثلاث منهن غير متزوجات.
“طالما كنت متزوجة فإن الحديث عن الإجهاض أمر عادي في العائلة، أما غير المتزوجات فلا يتحدثن أبدا عن الموضوع إلا مع المقربين جدا”.
“حتى اليوم وبعد كل ما مررت به، كلما علمت أني حامل أفكر في الإبقاء على الجنين”.
“أعرف أن الإجهاض هو قتل نفس بغير حق. كما أن أمي متدينة ترفض أن تعيش ابنتها مع رجل دون زواج فما بالك بالإجهاض، والطبيب يحذرني من مخاطر تكرار الإجهاض ويقول أن ذلك قد يعرضني للإصابة بالسرطان. أعرف أنه حرام لكني لا أريد أن أرمي طفلا في هذه الحياة وأنا بمثل ظروفي”.
الإجهاض في العالم
آخر تغيير قانوني في العالم بخصوص الإجهاض كان في إيرلندا شهر أيار/ مايو الماضي حيث أجري استفتاء وطني تم خلاله التصويت على إلغاء مادة قانونية كانت تفرض حظرا شبه كامل على الإجهاض.
استفتاء الإجهاض في أيرلندا: رئيس الوزراء يشيد “بالثورة الهادئة”
عالميا، كان هناك ما يقرب من 25 مليون حالة إجهاض غير آمنة (45٪ من إجمالي حالات الإجهاض) كل عام في الفترة بين عامي 2010 و2014، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وحدثت غالبية حالات الإجهاض غير الآمن، أي 97% منها، في البلدان النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
بي بي سي عربية