إثيوبيا وإريتريا.. محطات فارقة في تاريخ صراع مزمن
الحيّز الزمني للعلاقات بين إريتريا وإثيوبيا يتماهى مع الامتداد الطبيعي لعلاقات الجوار الجغرافي الممتدة لأكثر من ألف كم.
علاقات عريقة محمّلة بمحطات فاصلة اختزلها صراع كانت له أيضا نقاط ارتكاز حادة ألقت بثقلها على مسار التعاملات الثنائية في شتى المجالات.
وفي ما يلي تستعرض الأناضول أبرز محطات الصراع الإثيوبي الإريتري:
** خلفية تاريخية (1890-1951)
مع ظهور موجات الاستعمار الأوروبي في العصر الحديث، خضعت إريتريا للحكم الإيطالي من 1890 إلى 1941.
ومع أن فترة الاستعمار الإيطالي لإريتريا ومناطق من إثيوبيا شهدت، في 1896، توقيع معاهدة أديس أبابا التي رسمت الحدود بين البلدين، وجعلت إريتريا كيانا مستقلا، إلا أن هذا الأمر لم يخرج الدولتين من حلبة الصراع.
ومن بعد إيطاليا، خضعت إريتريا للحكم البريطاني عام 1942، لتصبح بذلك محمية بريطانية حتى عام 1951، فيما استعادت إثيوبيا مناطقها المستعمرة من إيطاليا.
وحتى مرحلة تقرير المصير وقيام النظام الفيدرالي (الاتحاد الإثيوبي الإريتري)، اتفقت كل من إيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة على تقديم المشروع الفيدرالي بمؤتمر عقدته في يوليو/تموز 1950.
وبموجب الاتفاق المذكور، أعلنت الأمم المتحدة، عامان بعد ذلك، قيام الاتحاد الإثيوبي الإريتري؛ ما فجّر موجة من الغضب بالجانب الإريتري الذي كان يتطلع حينذاك للحصول على الاستقلال.
أما الطرف الإثيوبي الذي كان يقوده الامبراطور هايلي سلاسي، فرحب بالقرار.
وعقب فترة من المواجهات التي اتخذت أشكالا مختلفة، بين الشعب الإريتري وسلاسي، ألغى الأخير ، بشكل أحادي، النظام الفيدرالي، وضم إريتريا قسرا إلى إثيوبيا في 1962.
** الثورة الإريترية المسلحة
منذ 1958، بدأ الشعب الإريتري بتنظيم الخلايا السرية بمعظم مدن البلاد، وتوحيد الصفوف بين المسيحين والمسلمين، رفضا لضم البلاد قسرا لإثيوبيا، معلنا بذلك الثورة المسلّحة.
وفي الأوّل من سبتمبر/أيلول 1961، أعلن الشعب الإريتري الكفاح المسلّح، بقيادة حامد إدريس عواتي، ردا على قرار إثيوبيا الأحادي.
واستمرت الثورة الإريترية لـ3 عقود، شهدت خلالها انتصارات وانكسارات.
عُرفت في بدايتها باسم “جبهة التحرير الإريترية”، ثم شهدت انشقاقات حادّة في صفوفها أفرزت ظهور “قوات التحرير الإريترية” منتصف سبعينيات القرن الماضي.
وفي مرحلة ثانية من الانقسامات، برزت “الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا” التي تم على يدها الدخول الى أسمرا (عاصمة إريتريا) في 24 مايو/أيار 1991، وتحرير كامل التراب الإريتري من القوات الإثيوبية.
** إثيوبيا في ظل الكفاح الإريتري المسلّح
إعلان الكفاح المسلح من قبل الشعب الإريتري، ألقى بظلاله على الوضع الداخلي بإثيوبيا، وجعل جيش البلد الأخير يتذمّر من الحرب ومن أسباب داخلية أخرى.
وبناء على ذلك، تلاحقت الأحداث بالداخل الإثيوبي بشكل متسارع، إلى حين الإطاحة بالإمبراطور سيلاسي في 1974، عبر انقلاب عسكري قاده منغستو هايلي ماريام، أبرز ضباط الطغمة العسكرية الشيوعية.
وبذلك، أصبحت الحكومة الإثيوبية الجديدة تابعة للمعسكر الماركسي، وهو ما كانت له تداعيات على مسار الحرب بين الثوار الإريتريين والحكومة العسكرية بإثيوبيا.
** اجتياح أسمرا وسقوط الحكم العسكري بأديس ابابا
في 24 مايو/أيار 1991، وصلت قوات الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، بقيادة أسياسي أفورقي، إلى أسمرا، بعد 3 عقود من الكفاح الإريتري المسلّح.
وعقب 4 أيام من تحرير أسمرا، وصل تحالف فصائل الثوار بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ملس زيناوي، إلى أديس أبابا، لينهي حكم منغستو هايلي ماريام (1974-1991).
وبفضل التحالف الذي كان قائما، برعاية دولية، بين قيادتي الثوار في إريتريا وإثيوبيا، جرى الاتفاق على إجراء استفتاء لاستقلال إريتريا، بعد 3 سنوات من وصول الجبهتين للسلطة.
وفي أبريل/ نيسان 1993، انتظم استفتاء شعبي اختار فيه الناخبون الإريتريون الاستقلال.
وفي 3 مايو/أيار من العام نفسه، اعترفت إثيوبيا بسيادة إريتريا واستقلالها، وتم تشكيل حكومة انتقالية بالبلد الأخير لتسيير شؤون البلاد، وانتخب إسياس أفورقي رئيسًا لجمهورية إريتريا.
** تجدد الأزمة والمواجهات العسكرية
لم تمض سوى سنوات قليلة على استقرار العلاقات بين البلدين، قبل أن تندلع بوادر الخلاف بين أفورقي وزيناوي، دون أن تجدي العلاقات الشخصية التاريخية الوطيدة بينهما نفعا.
ورغم أنهما رفيقا سلاح في حربهما ضد نظام منغستو، إلا أن الخلافات سرعان ما دبّت بينهما، حيث بدأت إريتريا بالمطالبة بترسيم الحدود بين البلدين.
كما قررت أيضا إصدار عملة وطنية خاصة بها “ناكفا” لتحل محل العملة الإثيوبية “البر”، لدعم استقلالها الاقتصادي، لينضاف كل ذلك إلى الخلافات تجارية بين البلدين بشأن التجارة العابرة للحدود.
وتجدد الصراع من جديد، في 6 مايو/أيار 1998، على امتداد الحدود بين البلدين البالغ طولها ألف كم.
وتبادل الجانبان الاتهامات ببدأ الحرب، وانتهاك الحدود المشتركة، وتصاعدت حدة المواجهات والقتال بين الطرفين في ما عرف بـ”حرب بادمي”، أي مثلث “بادمي” الذي يضم ثلاث مناطق “بادمي وتسورنا ويوري”.
وفي مايو/أيار 2000، اندلعت مواجهة ثانية بين الطرفين، خلفت نحو 100 ألف قتيل من الجانبين وآلاف الجرحى والمعاقين والأسرى والنازحين، وأنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولار.
وفي 18 يونيو/حزيران 2000، تم توقيع اتفاق بالجزائر لوقف الأعمال العدائية وإحالة النزاع إلى التحكيم، وأنشئت مفوضية لترسيم الحدود بين الطرفين ويكون قرارها نهائيًا وملزماً للجانبين.
غير أن إثيوبيا رفضت حكم اللجنة الدولية، ونشرت الآلاف من الجنود الإضافيين على الحدود مع إريتريا حتى 2018 ، فيما ظلت إريتريا متمسكة بضرورة تنفيذ الاتفاقية كما جاءت.
وظلت العلاقات بين إثيوبيا وإرتيريا تشهد تفاوتا في طبيعتها، إثر الحرب الحدودية المندلعة بينهما في 1998 وتوقفت عام 2000، بعد وساطة إفريقية قادتها الجزائر، قبل أن يوقع البلدان اتفاقية سلام في العام ذاته.
وشهدت الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2000، توقيع اتفاقية سلام بين الجانبين لإنهاء الحرب.
وفي ديسمبر/كانون الأوّل 2009، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على إريتريا، على خلفية دعمها حركة “الشباب” المسلحة في الصومال وزعزعة استقرار المنطقة.
وبتقلّد آبي أحمد علي مهام رئاسة الوزراء في إثيوبيا، في الثاني من أبريل/نيسان الماضي، بدت بوادر انفراج الأزمة مع الجارة الشمالية.
وأعرب آبي أحمد عن رغبته بإعادة العلاقات مع إريتريا، كما أعلن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، من جانبه، موافقته على تنفيذ اتفاقية الجزائر.
رغبة لاقت قبولا من الجانب الإريتري على لسان رئيس هذا البلد، أسياسي أفورقي، في كلمة ألقاها في 20 مايو/أيار الماضي.
أسبوع عقب ذلك، حطّ وفد إريتري رفيع المستوى في مطار أديس أبابا، منهيا قطيعة استمرت نحو عقدين، في زيارة تاريخية أفرزت الإعلان عن لقاء مرتقب بين قيادة البلدين “في أقرب وقت”، دون تحديد موعد دقيق، وفق تصريحات وزير خارجية إثيوبيا، ورقني قبيو.
تطبيع للعلاقات تنتظره مختلف الأوساط بالبلدين، علاوة على المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، ممن رحبت جميع مكوناته بإعادة العلاقات بين أسمرا وأديس أبابا ، مؤكدة على أهميتها في دعم استقرار المنطقة.
الاناضول