منوعات

مدارس الخرطوم خطرة على التلاميذ؟

تكثر الشكاوى بسبب تردّي البيئة المدرسية في السودان، خصوصاً بعد الحادثة الأخيرة التي أدت إلى مقتل ثلاث تلميذات. وفي وقت يلفت البعض إلى غياب الالتزام بالمعايير الهندسية، يقول آخرون إن الواقع ليس سيئاً إلى هذه الدرجة

أبرار علي مكي تلميذة في الصف السابع في مدرسة خاصة في منطقة أمبدة، غرب العاصمة السودانية الخرطوم. في بداية أغسطس/ آب الحالي، ذهبت كعادتها إلى مدرستها، لتعود جثة هامدة بعد انهيار الفصل الذي تدرس فيه. لم تكن وحدها الضحية، بل قُتلت كذلك اثنتان من زميلاتها، في وقت جُرحت 11 أخريات.

اتصلت “العربي الجديد” بمالك المدرسة لمعرفة أسباب الحادث، واكتفى بالقول إنه وقع “قضاءً وقدراً”. لكنّه أعاد إلى الأذهان حادثة مشابهة وقعت في فبراير/ شباط من العام الماضي، حين انهارت حجارة دورة مياه في مدرسة حكومية في منطقة الثورة على رأس إحدى المدرّسات، ما أدى إلى وفاتها في الحال.

وتثير مثل هذه الحوادث مخاوف مستمرة في المجتمع حول سلامة البيئة الدراسية في المدارس السودانية، ومدارس ولاية الخرطوم على وجه الخصوص. وتقول محاسن أحمد عبد الله، وهي أم لتلميذتين في مدرستين مختلفين، إنها عاشت حالة من الرعب بعد سماع خبر مقتل التلميذات الثلاث في أمبدة. وفي اليوم التالي، توجهت إلى المدرستين، فوجدت أن حالة مدرسة ابنتها الكبرى جيدة، أما مدرسة ابنتها الصغرى (مدرسة البرعي في الكلاكلة في جنوب الخرطوم)، ففي حالة يُرثى لها. الفصل الذي تدرس فيه مسقوف بأدوات محلية، ومياه الأمطار تتسرب منه إلى داخل الفصل.

وتوضح عبد الله لـ “العربي الجديد” أنها لم تكن وحدها التي خشيت على ابنتيها، بل إن أمهات كثيرات حضرن إلى المدرسة للهدف نفسه، حتى أن بعضهن قد ينقلن بناتهن إلى مدارس أكثر أماناً. ولا يقتصر الخوف على أولياء الأمور. حتى المدرسون في عدد من المدارس يبدون قلقهم من سوء البيئة المدرسية. ويقول المدرس صابر أحمد لـ “العربي الجديد” إن العديد من المدارس، خصوصاً تلك الواقعة عند أطراف العاصمة الخرطوم، تعاني إهمالاً من قبل السلطات المسؤولة، مشيراً إلى أن المشكلة الأكبر تتمثل في المعايير الهندسية المرتبطة ببناء الفصول وتصريف المياه، والاعتماد على دورة مياه مصممة بطريقة بدائية. ويوضح أن بعض المدارس انتهى عمرها الافتراضي لأنها شيدت قبل سنوات طويلة من دون أن يعاد ترميمها.

ويتحدث أحمد عن فوضى تتمثّل في كيفية مدّ الكهرباء إلى المدارس، ما قد يعرض التلاميذ لصعقات كهربائية، فضلاً عن سوء التهوئة في ظل ازدحام الفصول. يضيف أن الرقابة على المدارس الخاصة منعدمة تماماً، ولا نرى فرقاً هندسية تزور المدارس للتقييم والمتابعة.

من جهته، يحذّر الخبير في مجال التربية والتعليم حسين الخليفة، من تأثير تردّي بيئة المدارس على حياة التلاميذ وتحصيلهم العلمي. ويقول لـ “العربي الجديد” إن المدارس الخاصة التي تعمل بكل قوة لجمع المال لا تلتزم بتطبيق أية معايير لناحية البناء والشكل الهندسي والمساحة، حتى تتوفر فيها خدمات مريحة لا تتأثر بالأمطار أو أي عوامل أخرى.

ويحمّل وزارة التربية والتعليم مسؤولية مقتل التلميذات، إضافة إلى الحكومة بسبب تخصيصها فقط 2 في المائة من الميزانية للتعليم. ويشير إلى أنه كان يتوقع استقالة وزير التربية والتعليم فرح مصطفى في ولاية الخرطوم بعد حادثة أمبدة، إضافة إلى محاسبة جهات أخرى مشاركة.

لكنّ رئيس لجنة التعليم في المجلس التشريعي في ولاية الخرطوم، علي أبو الحسن، قلّل من الانتقادات للبيئة المدرسية، مؤكداً أن وضعها ممتاز وحادثة المدرسة الأخيرة لا يمكن أن تكون مقياساً لحال المدارس الأخرى. ويوضح لـ “العربي الجديد” أن المدرسة التي أثارت جدالاً غير مرخصة، وتقع في منطقة خارجة عن التخطيط، مؤكداً أن وزارة التربية تطبق المعايير على كل المدارس، وتتابع المدارس غير المرخصة. ويلفت إلى أن الأمر يحتاج جهداً أكبر ومزيداً من الوقت، محملاً المواطنين مسؤولية انتشار المدارس الخاصة لأن رغبتهم الملحة في تعليم أبنائهم تدفعهم إلى تسجيلهم في المدارس من دون التأكد من بيئتها السليمة.

وحول شح الميزانية المخصصة للتعليم، يوضح أن حكومة الولاية تخصص 50 في المائة من الميزانية للتنمية التي تشمل التعليم والصحة وقطاعات أخرى. وبعد حملة الانتقادات السياسية والإعلامية التي واجهت وزير التربية والتعليم، عقب حادثة مقتل التلميذات، دافع عن نفسه من خلال عرض جهود وزارته لمراقبة المدارس، لا سيما الخاصة منها. وأشار خلال بيان أدلى به أمام برلمان ولاية الخرطوم إلى أن الوزارة شكلت لجنة لمراجعة المدارس العشوائية، والتي بلغ عددها في ذلك العام 800 مدرسة، مبيناً إصلاح أوضاع 590 مدرسة على مدى العامين الماضيين، علماً أن 166 مدرسة ما زالت تمارس عملها من دون ترخيص.

بالنسبة لحادثة مدرسة الصديق الخاصة، يؤكد أن المدرسة، ومنذ إنشائها، تعمل من دون الحصول على ترخيص من الجهات المعنية، ولا تنطبق عليها المعايير التي تضعها الوزارة للمدارس الخاصة. ويبين أن مساحة المدرسة 216 متراً مربعاً فقط بينما تشترط الوزارة مساحة ألف متر. وأعلن تشكيل لجنة لمراجعة المؤسسات التعليمية كافة، والتأكد من التزامها بالمعايير المحددة للحفاظ على أرواح التلاميذ. وتعليقاً على الدعوات التي طالبته بالاستقالة، قال إنه لن يترك منصبه لأن المسؤولية تُحتم عليه البقاء لحل المشاكل.

العربي الجديد