منوعات

من الثقة العمياء إلى الثقة العوراء

تقدم النائب في برلمان إقليم ضواحي لينينغراد، فلاديمير بتروف، بمشروع قرار، يقضي بتجريم أي من الزوجين، في حال اطلع على الرسائل النصية القصيرة الخاصة بالآخر في الهواتف الجوالة.

يقول مثل روسي: “اعرف أقل، تنعم بنوم أعمق”. لكن مثلا روسيا آخر يقول: “الزوج والزوجة شيطان واحد”، بناء عليه..

هل هناك “حياة خاصة” بين شريكيّ الحياة؟

بداية، تجدر الإشارة إلى أن الحديث هنا لا يدور عن الأمور الشخصية المتعلقة بكل إنسان، إذ أن المسألة لا تتعلق بتعقب الرجل أثر زوجته، وملاصقتها لمراقبتها في كل صغيرة وكبيرة، والعكس صحيح.. لذا وجب التنويه.

حينما يقرر شخصان الارتباط، والعيش سوية، فهذا يعني أنهما قررا أن يكون كل منهما شريكا لحياة الآخر.. وهنا الكلمة المفتاح. فإذا كان الحديث عن شريك الحياة، فالمعنى المفهوم بالتأكيد ليس شريك نصف الحياة أو حياة إلا القليل!

من الواضح أن هناك الكثيرين ممن يرون ما يعيب في أن تختلس الزوجة النظر إلى هاتف زوجها الجوّال والعكس صحيح، وإلا لما تقدم النائب المذكور بهذا المقترح.

ومن الواضح أيضا أن علاقة الشراكة في الحياة باتت تُبنى على مقولة: “ثق ولكن تحقق”، التي تُنسب إلى فلاديمير لينين.. ما يعيدني إلى سلوك طريف كان يعتمده أحد الأصدقاء في تسجيل أرقام هواتف صديقاته، إذ كان، ومن باب الاحتياط من زوجته، التي قد ترغب بأن تتحقق في أي لحظة من إخلاصه لها، يضيف عددا على الرقم الأخير ويغير أسماء صديقاته. فإذا كان اسمها نتاليا تصبح جعفر، وإذا هي كريستينا فتتحول بقدرة قادر إلى شكري.. أما إذا اسمها آنيا فهي أبو محمد.

وبالعودة إلى هذه المقولة الشهيرة.. كيف يكون عنوان العلاقة الثقة من جهة، ولكنها من جهة ثانية تخضع للشك؟! كيف يمكن استثمار عملة في العلاقات الشخصية، كُتب على أحد وجهيها “ثق”، بينما كتب على الوجه الآخر “تحقق”؟! تلك عملة مزورة، لا تصلح إلا في العلاقات الـ “فالصو”، المزيّفة.. فالثقة إما عمياء أو منعدمة بتاتا. هل هناك ثقة عوراء؟!

يبدو غريبا، ربما بالنسبة لشخص غير عصري مثلي، أن يتقبل من زوجته عبارة.. “هذه حياتي”؟! هل يمكن أن يكون هناك رد غير “أنا حياتك كما أنت حياتي.. يا حياتي”؟

بالطبع فإن حق أحد طرفيّ العلاقة بإلقاء نظرة على الرسائل التي يتلقاها الطرف الآخر، لا يعني بالضرورة استخدامه بسبب أو بدون، تماما مثل حق المسلم في الزواج من أربع.. هل يعني ذلك أنه مُطالب بالالتزام به؟

في الهند، ووفق نظام “ساتي”، لا تشارك بعض النساء أزواجهن في الحياة فحسب، بل يشاركنهم في الموت أيضا، إذ يحرقن فدية إثر وفاة أزواجهن، مع التحفظ الشديد على ذلك العُرف المُجحف بحق المرأة، ناهيك عن ذكوريته، وشوفينيته بامتياز (حيث أنه يمارس بحق النساء دون الرجال.. لعب في مرمى واحد فقط كما يقولون في روسيا).

لكن.. ربما تحريك المياه الراكدة ليس دائما من الإيجابيات، خاصة حينما تصطدم سيدة متزوجة، تبحث وتعبث بهاتف زوجها، مع واقع غير مريح، وترى اللقب الذي أطلقه عليها شريك الحياة، على غرار “الطحّانة”، “الزنانة”، “الغربال”، “البعبع”، “المخابرات”، و”أم المعارك”.. دون الحاجة لسرد المزيد.

استطراد: طلبت سيدة سعودية الطلاق من زوجها، بعدما اكتشفت أن اسمها في هاتفه الجوال”غوانتانامو”.

في المسلسل الإسرائيلي “شغل عرب”، الذي يلعب دور البطولة العربية فيه نورمان عيسى (أمجد)، وكلارا خوري (بُشرى)، تدور إحدى الحلقات حول الشك، الذي يساور أمجد تجاه وفاء زوجته بشرى، فيبحث عن أي شيء في حقيبتها الشخصية كي يقطع الشك باليقين.

وعندما واجه زوجته بما عزّز مخاوفه، سألته بحدة: “بتفتش باغراضي؟” ليرد أمجد بخجل، وكأنه يهمس: “متأسف.. مش قصدي أنا..”، لكنه كمن أدرك فجأة أن الأمر طبيعي، وهو طبيعي فعلا إذ لا يوجد أي حياة خاصة لأحد الزوجين ليخفيها عن الآخر، فردّ بعصبية وبحدة سي السيد: “ولك آه بفتش باغراضك.. انت مرتي”، وأمجد هنا، من وجهة نظري، محق 100%.. لا بل 101%.. وإلا فما معنى شريك حياة؟! أم هو/هي شريك/شريكة نص حياة فقط؟

روسيا اليوم