ميسي الكسول وبرشلونة فالفيردي.. لأن العالم كله يخطىء أحيانا
بيكيه صار أكثر رعونة من أن يلعب كرة القدم ناهيك عن أن يقود خط الدفاع، وهذه مشكلة، وبوسكيتس يزداد بطئًا على بطئه، وهذه مشكلة أخرى، وألبا كان ولازال أقل إبداعًا من أن يحمل جبهة بمفرده، وهذه مشكلة ثالثة، وراكيتيتش ليس تشافي وهذه مشكلته هو، وروبيرتو لن يكون ألفيش وهذه مشكلة ألفيش، والمشكلة السادسة أن هناك شاحنات بضائع تستطيع المراوغة أفضل من لويس سواريز.
هذا هو ما اكتشفه الجميع تدريجيًا بعد أن رحل غوارديولا وانحسرت قوة الدفع الذاتي التي عبرت ببرشلونة موسمي فيانوفا ومارتينو؛ أن الكثير من عناصره الأساسية مثل ألبا وبوسكيتس وبيكيه، لم تكن بالمثالية التي بدت عليها، وأن المنظومة هي ما أخفى هذه العيوب وملأ الواجهة بالمميزات، ولكن أنت تعلم هذا بالفعل، لابد وأنك قد سمعته مئة مرة من قبل.
العلّة
هذه هي المشكلة الخامسة؛ أنك صرت تعلم كل هذا و سمعته مئة مرة من قبل، لأن التكرار ينتج العادة، والعادة تولد البلادة، والبلادة مكلفة للغاية، أولًا لأنها تُثبت الرداءة كوضع معتاد وطبيعي، وثانيًا لأنها تقتل الاهتمام والانتباه، وعندما لا تهتم ولا تنتبه، يتطور الرديء المعتاد إلى ما هو أردأ دون أن تلاحظ.
“أكبر مصائب المدرب الأحمق أنه يجعلك تسب نجوم فريقك واحدًا تلو الآخر حتى تكتشف أنك صرت بحاجة لفريق كامل جديد، بينما العلّة في شخصه هو” – تغريدة لأحد مدوني كرة القدم العرب.
هذه الأيام، سيكون من الأسهل علينا أن نذكر أسماء اللاعبين الذين لا يسبهم جمهور برشلونة، وهي قائمة قصيرة للغاية تضم ثلاثة أسماء؛ شتيغن وأومتيتي وميسي.
الأول يعمل مع مدرب خاص ولا علاقة له بفالفيردي من الأصل، والثاني تذبذب مستواه في أغلب مباريات الموسم حتى اللحظة وطُرد في إحداها، والثالث لم يقدم المتوقع إلا في مباراة أو اثنتين منذ التتويج بالسوبر، وتراجع بشكل مرعب أمام ليغانيس. الخلاصة؛ لم يتبق سوى فالفيردي أمام المدفع.
تلك هي المشكلة السادسة، أن فالفيردي يدرب فريقًا لكرة القدم، والسابعة أن سيغورا يدير ناديًا لكرة القدم، ولكنهما لا يقارنان بالثامنة؛ أن بارتوميو يرأس نفس النادي، لأنه عندما يرأس بارتوميو ناديًا لكرة القدم فإنه يُحضر سيغورا ليديره وفالفيردي ليدربه، ولأنه إن كان المدرب الأحمق قادرًا على جعلك تسب فريقك، فإن الرئيس الأحمق قادر على أن يجعلك تلعن الديمقراطية التي أتت به. هذا ما ينتجه الإفلاس، أنه لا يترك متنفسًا للغضب سوى الأساسات التي يقوم عليها النظام بأكمله، فيفسدها على نفسه وعلى غيره.
مع منظومة كتلك، كان من الحتمي أن يتطور الرديء المعتاد إلى ما هو أكثر رداءة، والفريق الذي كان يتكل على فرديات ميسي ويفوز غالبًا، أصبح يتكل على فرديات ميسي وكوتينيو وديمبيليه ويعاني غالبًا.
لا شك أن فريقا كبرشلونة لطالما اعتمد على فرديات لاعبيه بنسبة معينة حتى في فترة غوارديولا الذهبية، وإنكار ذلك محض جنون، ولكن أن تحتاج لأن يراوغ ديمبيليه ثلاثة لاعبين ويسجل لكي تقتل أيندهوفن لهو مستوى آخر من الاعتمادية على مهارات لاعبيك، وأن تخسر أمام ليغانيس رغم تسجيل كوتينيو لهدف فردي بدوره لهو مستوى ثالث لم نره من قبل في كتالونيا.
فالفيردي أصبح بحاجة لمعجزة حرفيًا لكي يفوز أمام أغلب الخصوم، لم يعد يكفيه ألا يصنع أية فرص وألا يقدم فريقه أية لمحات جماعية وألا يدرب اللاعبين على أي جمل محفوظة ثم يسدد كوتينيو من خارج المنطقة فيتقدم في النتيجة بلا أي فضل سوى إشراكه في التشكيلة، بل أصبح بحاجة لأن ينزل اللاعبون إلى المباراة وهم متقدمون بثلاثية حتى يتسنى له أن يعود لمناطقه ويمارس هوايته المحببة في الدفاع أمام أكثر الخصوم تواضعًا وتلقي الأهداف رغم ذلك.
هذا هو ما تنتجه المنظومات الجاهلة بكرة القدم، أنها تبدو عند لحظة ما وكأنها صُممت خصيصًا لتدمير كرة القدم، وحتى لو لم يكن هذا مقصدها من البداية؛ يتقدم عُمر سواريز وتثقل حركته فيُطلب منه أن يركض على الأطراف كالأجنحة ويراوغ ويصنع الفرص بدلًا من إطالة عمره بقصر تحركاته على الصندوق بل وتوفير المساعدة له هناك بمهاجم إضافي.
يرحل تشافي فيتم إلقاء دوره على ميسي، ويرحل ألفيش فيتورط روبرتو في مهامه، وعندما يتورط روبرتو في مهامه تموت الجبهة اليمنى، وعندما تموت الجبهة اليمنى تزداد الرقابة على ميسي في العمق، وعندما تزداد الرقابة على ميسي في العمق تنتظر الإضافة من الوسط، فتكتشف أن تشافي قد رحل وأن مهامه قد أُلقيت على ميسي الذي تزداد الرقابة عليه في العمق وهكذا.
دائرة مفرغة محكمة لا فكاك منها، والنتيجة أنه بدلًا من أن يؤدي بارتوميو وسيغورا وفيرنانديز وفالفيردي عملهم، أصبحت كتالونيا تطالب ألبا وروبرتو بأن يتحولا إلى ألفيش، وراكيتيتش بأن يتحول إلى تشافي، وبوسكيتس بأن يتحول إلى كانتي، وسواريز بأن يتحول إلى رونالدينيو، مع أن كل هذه العيوب معروفة ومستقرة من قبل أن تطأ قدما فالفيردي أرض كتالونيا، ومع أن الأوقع أن تحافظ على المنظومة التي سمحت لهم بالتألق، ولكن إدارة بارتوميو وفنيات فالفيردي أجبرتا برشلونة على أسوأ حل ممكن؛ تغيير المنظومة برمتها أولًا، ثم إجبار الحرس القديم على الانصياع لها.
دخول فالفيردي
كان كل هذا مقبولًا على مضض أو مرفوضًا على استحياء حتى حلول الصيف الماضي، ثم بدأ أبيدال في العمل وأحضر لفالفيردي كل مستلزمات المنظومة الجديدة بكل مفرداتها، بداية بـ4-4-2 ومشتقاتها وانتهاءًا بالقوة البدنية والسرعة التي لم تتوفر سابقًا، أجنحة جديدة وخط وسط جديد كامل تقريبًا، والنتيجة أن الرجل مازال يخشى لقاء ليغانيس من دون ميسي. في العام الماضي تردد كثيرًا في إراحته قبل مواجهة نفس الخصم رغم مطالبات الجميع بأن يحصل البولغا على قسط من الراحة قبل مباراة روما، وفي النهاية أثبتت المباراة أن الرجل لم يكن ليفوز من دونه. (1) (2)
نفس الأمر تكرر هذا العام ولكن مع تراجع مستوى البرغوث منذ بداية الموسم تقريبًا، وعلى الرغم من كل التعاقدات الجديدة خسر الرجل. لا يوجد عاقل سيطالب فالفيردي بتقديم نفس الكرة الذهبية السابقة، ولكن لا يوجد عاقل أيضًا سيتقبل أن يقدم نقيضها، وليس فقط لأن هذا النقيض لا يعبر عن فلسفة الكتلان وإرثهم الكروي، بل لأنه ببساطة سيفشل بهذه المجموعة من اللاعبين، ناهيك عن أن حصر الاختيارات في طرفي العصا لا يخدم إلا المتطرفين الذين لا يفهمون الحلول المركبة ولا يغادرون أقصى الأمر إلا لينتقلوا إلى أقصاه.
كل ذلك لا ينفي العيوب الفردية التي يعاني منها أفراد المنظومة، لا ينفي رعونة بيكيه وحماقاته التي لا تنتهي، ولا بدنيات بوسكيتس المتواضعة ولا فقر ألبا في الثلث الأخير ولا قرارات سواريز الخاطئة، ولكنه بالقطع لا يساعد هؤلاء على التحسن ولا يخفي عيوبهم، دور المنظومة غائب تمامًا، دعك من بيكيه وألبا وبوسكيتس لأن ديمبيليه مازال يرتجل بعد أكثر من عام في برشلونة، وكوتينيو مازال يكتشف كيف يمكنه أن يشارك في اللعب في وجود ديمبيليه، والجميع يترك ألبا وروبرتو على الخط ثم ينزحون للعمق وينتظرون أن يراوغ كل منهما اثنين أو ثلاثة من اللاعبين ثم يرسل عرضية صحيحة ينتج عنها هدف.
النتيجة أننا اكتشفنا أن برشلونة ضحى بكل شيء من أجل تكييف الوضع مع الأفكار الخاطئة، ترك أسلوبه وفلسفته ولجأ للعب على التحولات السريعة بمهاجم واحد تخطى الثلاثين من عمره، وتنحصر كل أدواره تقريبًا في تمديد الملعب طوليًا مع كل هجمة وحجز عدد من المدافعين على خط المرمى لتفريغ المساحة للصاعدين من أسفل، وعليه أن يفعل كل هذا بمفرده لأن كل الباقين يمثلون طرازًا واحدًا من لاعبي كرة القدم، ولا يحتمل الفريق – أي فريق – وجود أكثر من اثنين منهم. كوتينيو وديمبيليه وميسي ليسوا أجنحة ولن يكونوا، بل صناع لعب يحبذون التحرك في العمق واستلام الكرة أمام دفاع الخصم وخلف خط وسطه.
“معرفته بالنادي لأنه حمل ألوانه من قبل، ونجاحه في كل مكان عمل به، وخبراته الواسعة، والأهم، درايته الكبيرة بكرة القدم” – روبرت فيرنانديز يشرح أسباب التعاقد مع فالفيردي تحديدًا، قبل إقالته طبعًا. (3)
الكسل السحري
رغم كل ذلك، فإن محاولة سريعة للبحث على الإنترنت عن المطالبين بإقالة فالفيردي لن تنتج الكثير من العناوين. في الواقع، فإن أغلب المحللين ذهبوا إلى العكس، وتفننوا في سرد الأسباب التي ستجعل من إقالة الرجل خطأً جسيمًا، ببساطة لأن لا أحد يجرؤ على معارضة سحر النتائج، وانتقاد الرجل الذي أتى بثنائية محلية في أول مواسمه سيجلب عليك غضب الكثيرين. (4) (5)
المشكلة ليست في غضب الكثيرين ولا تحليلات أغلب المحللين وحسب، بل في أن كرويف أشاد بالرجل عند لحظة ما من الزمن، وغوارديولا كرر نفس الأمر بمجرد إعلانه مديرًا فنيًا لبرشلونة، وميسي صرح بأنه يشعر بأنه خارق مع فالفيردي، والحقيقة أنك لا تستطيع أن تلومه، فلم يمر على برشلونة مدرب منحه هذا الكم من المرتدات والمساحات أمام الخصوم، حيث لا تكتلات معقدة ولا حاجة لحلول خزعبلية وثنائيات خوارزمية مع الزملاء ولا حاجة للمنظومة أصلًا، فقط اركض وراوغ وسجل. (6) (7) (8)
الجميع – حتى تشافي – اتفق على مناسبة الرجل لمشروع إعادة إحياء برشلونة، فأتت النتائج على عكس ما توقعه الجميع، والمفارقة أن كل هذا لم يكن ليحدث لولا نوبة الكسل التي أصابت ميسي هذا الموسم. (9)
الحقيقة أنها ليست المرة الأولى، نفس النوبات كانت تصيب ميسي إبان حقبة غوارديولا نفسه، صحيح أنه مازال هداف الليغا ودوري الأبطال حتى اللحظة ولكننا نعلم عندما يكون ميسي كسولًا، نعلم عندما يكون غير جاهز بدنيًا أو ذهنيًا، لأنه ليس من الطبيعي أن يصبح البولغا ثاني لاعبي برشلونة خطأً في التمرير بعد منير الحدادي أمام ليغانيس. (10)
العالم يخطىء أحيانًا
فالفيردي فشل في برشلونة، ليس فقط لأنه خرج من روما في الموسم الماضي، ولا لأنه اعتمد على ميسي وحده في العبور بالفريق من المباريات الصعبة والسهلة على حد السواء، فربما كان هذا مفهومًا فيما سبق وحتى مع التحفظات على طريقة اللعب والأسلوب، ولكنه فشل لأنه وضع البولغا في كفة وباقي الفريق كله في كفة أخرى، وأسس منظومة تسمح لنجم الفريق بمزيد من التألق في كثير من الأحيان، ولكنها تجبر باقي الفريق على مزيد من الأخطاء في أغلب الأحيان.
في أي منظومة، ربما يمكنك استبدال لاعب أو اثنين أو حتى ثلاثة، وفي برشلونة يمكنك أن تقول بضمير مستريح إن أيام بيكيه وبوسكيتس على الأقل صارت معدودة، ولكن بلادة فالفيردي عبرت بالمشكلة إلى ما يتجاوز هؤلاء بكثير، لأن الرجل لم يجد راحته إلا مع ميسي، مع لاعب يستطيع التكيف مع كل أساليب اللعب تقريبًا حتى لو كانت متناقضة مع ما نشأ عليه.
بعد ذلك، لم تكن مشكلة فالفيردي أن روبرتو ليس ألفيش ولا أن راكيتيتش ليس تشافي ولا أن سواريز ليس رونالدينيو، بل كانت مشكلته أن كلهم ليسوا البولغا، فقط ميسي يمنحه أقل قدر من العمل وأقل فرصة للمخاطرة وأكبر نسبة من المكاسب دون أن يقدم ما يجعله يستحقها فعليًا، فقط منظومته، أو لا منظومته بالأحرى، هي ما منحت اللاعب الأمهر أدوارًا أكثر ومساحة أكبر على حساب باقي اللاعبين وحتى لو كان يبذل مجهودًا أقل، لأنها أصلًا قائمة على المهارات الفردية ولا شيء غيرها.
لذا عندما تكاسل ميسي أو هبط مستواه، فإن هذا الكسل هو ما أثبت أن العالم كله يخطىء أحيانًا، أن برشلونة سيخسر أمام ليغانيس لو كان ميسي سيئًا، وحتى لو سجل كوتينيو من تسديدة من خارج المنطقة. هذا الكسل هو ما عادل سحر النتائج التي كانت تخرس الجميع فيما مضى، واتضح أن مشروع برشلونة الجديد الذي أتى الرجل لإحيائه هو ببساطة استهلاك ميسي حتى ينفذ، فإن نفذ فلا مشروع.
لا خلاصة هنا ولا حكمة ولا خريطة للحل سوى برحيل بارتوميو أولًا، والإتيان بمجلس جديد تتسق اختياراته مع الفلسفة التي جعلت برشلونة ما هو عليه. المؤسف في الأمر هو حالة الانفصال التي وقعت بين ميسي من جهة وبين باقي الفريق وحالته الفعلية من جهة أخرى، الرجل يتحدث عن الفوز بدوري الأبطال وكأنه لا يدرك أن غيابه عن مباراة واحدة قد يهدد حظوظ الفريق في بطولة نفس طويل كالليغا، وسواء كان هذا الغياب بداعي الإصابة أو الإرهاق أو انخفاض المستوى أو حتى لظروف عائلية، فما بالك بدوري الأبطال الذي يحسمه عادة تفاصيل أكثر ضآلة وبساطة وعدد أقل من المباريات وظروف أكثر حساسية يلعب فيها التوفيق دورًا لا بأس به. (11)
ليس مطلوبًا من فالفيردي أن يفوز بالأبطال إن استمرت حالة ميسي على ما هي عليه. في الواقع، لن يكون مطلوبًا من فالفيردي أن يفوز بأي شيء حينها، أما ليغانيس وبلد الوليد فمن المفترض أن يفوز عليهما برشلونة بسهولة دون أن يكون ميسي في الملعب أصلًا، ولكن المشكلة أنه مهما بلغ كسل ميسي فإن فالفيردي أكثر كسلًا، وأكثر حماقة.
الجزيرة نت