منوعات

تطبيق للمواعدة الغرامية من فيسبوك.. ما قصته؟

بدأت مياه فيسبوك بالركود، والعودة إلى مجاريها، بعد سلسلة طويلة من فضائح الخصوصية، وتسريب بيانات المُستخدمين، التي طالتها منذ بداية العام الميلادي الحالي، العام الذي كان من المُفترض أنه مُخصّص لتصحيح المسار. عودة الأمور إلى نصابها بدأت مع أخبار جديدة عن مُساعد الشركة المنزلي الذي كان من المُفترض أن يتم الكشف عنه في مايو/أيار خلال مؤتمر المُطوّرين، كما بدأت الشركة باختبار ميزة المواعدة (Dating) التي تطمح من خلالها لدخول العلاقات الغرامية الخاصّة بالمُستخدمين(1).
السوق مُمتلئ
تعجّ متاجر التطبيقات بعشرات الخدمات التي تهدف لمُساعدة المُستخدمين في العثور على نصفهم الآخر عبر شبكة الإنترنت، الشبكة التي تجمع أكثر من 3.5 مليار شخص حول العالم. ومن بين تلك التطبيقات تبرز أسماء مثل “أوكيوبيد” (OKCupid) أو “تيندر” (Tinder)، اللاتي تلعب دور شبكة فيسبوك في مجال المواعدة والتعارف لكونها عامّة ومتوفّرة على مستوى العالم، مع مجموعة أُخرى من التطبيقات الصغيرة الموجّهة لمجموعات أصغر بحسب الموقع الجغرافي، الجنسية، العرق، أو حتى الأذواق الفنّية المُختلفة.

آلية عمل تلك التطبيقات لا تختلف كثيرا، فالمُستخدم يحتاج بداية إلى إنشاء حساب شخصي مع رفع مجموعة من الصور، أو مقاطع الفيديو، مع تحديد التفضيلات الخاصّة به كعمر الشريك الذي يبحث عنه، طوله، دراسته، وموقعه الجغرافي أيضا، لتبدأ بعد ذلك الخوارزميات عملها من خلال عرض الاقتراحات على هيئة صور يقوم المُستخدم بلمسها لليمين للموافقة عليها واعتبارها اقتراحا صحيحا، أو إلى اليسار لرفضها.

ولا يُمكن بطبيعة الحال بدء المُحادثات مع أي شخص دون موافقته هو أيضا على المُستخدم ذاته، فخيار الرسائل يظهر فقط عندما يقوم الشخص الأول بالإعجاب بالشخص الثاني ضمن الاقتراحات، وبعدما يقوم الشخص الثاني بالإعجاب بالشخص الأول عبر خاصيّة الاقتراحات أيضا. ويُمكن دفع اشتراك شهري للحصول على مزايا إضافية مثل معرفة من قام بتسجيل إعجابه بصور المُستخدم، ومن هنا تحصل تلك التطبيقات على أرباحها المالية، وفي حالة تطبيق “تيندر” مثلا، تنتظر الشركة الحصول على عائدات تتجاوز حاجز الـ 800 مليون دولار أميركي في 2018 من الاشتراكات فقط(2).

أما ما يعيب تلك التطبيقات فهو واضح، ومبني على التجربة الجنسية فقط، فعرض الاقتراحات على هيئة صور فتح المجال أمام الكثير من المُستخدمين للتعرّف على أشخاص لفترة محدودة فقط بعيدا عن الهدف الرئيسي لبعض تلك التطبيقات التي جاءت لتسهيل العثور على شريك الحياة، الأمر الذي دفع فيسبوك إلى التدخّل أملا في تقديم حل فعّال يُعيد لها هيبتها المفقودة قبل كل شيء.
شريك الحياة من فيسبوك
ظهرت رسالة جديدة داخل تطبيق فيسبوك لمُستخدمي الشبكة الاجتماعية من كولومبيا تُخبرهم عن بدء الفترة التجريبية لخاصيّة المواعدة، وهي عبارة عن أداة ستكون موجودة داخل تطبيق فيسبوك الرسمي ولا يحتاج المُستخدم إلى تحميل أي شيء إضافي. وقع الاختيار على كولومبيا نظرا لوجود أكثر من 21 مليون مُستخدم فيها لشبكة فيسبوك، وهي التي يبلغ تعدادها السُكّاني 50 مليون نسمة. كما لا يُمانع المُستخدمون هناك من استخدام تطبيقات التعارف المُختلفة(3).

ومنذ البداية، تختلف تجربة استخدام المواعدة في فيسبوك عن تلك الموجودة في تطبيقات أُخرى، فالمُستخدم هو من يُحدّد فيما إذا كان يرغب بتفعيل الخاصيّة من عدمها، فلا توجد نيّات لإجبار الجميع على استخدامها. وبعد الموافقة، يحتاج المُستخدم إلى تعبئة بعض البيانات لأن الشبكة ستقوم فقط بأخذ اسمه الأول وعمره من حسابه الموجود في فيسبوك، أما بقيّة البيانات فستبقى سرّية. بمعنى آخر، فصلت فيسبوك تطبيق المواعدة عن حساب المُستخدم الأصلي، فلا يُمكن لأي من الأصدقاء معرفة فيما إذا كان أحدهم يستخدم خاصيّة المواعدة.
ومن ضمن البيانات التي تطلبها فيسبوك لإتمام حساب المواعدة أشياء مثل الطول، الدين، الخلفية الثقافية، العمل، الموقع الجغرافي، بالإضافة إلى إمكانية رفع الصور والإجابة عن تسعة من أصل عشرين سؤالا، وتلك أسئلة تهدف الشبكة من خلالها إلى كشف جزء أكبر من شخصية المُستخدم مثل “ما الأشياء التي تقوم بها بشكل يومي؟”. وبعد الانتهاء، ستبدأ الخوارزميات بالعمل للعثور على أشخاص تتطلّع لمواعدة من يحملون المواصفات التي أدخلها المُستخدم في حسابه، شريطة أن لا تكون على مسافة أبعد من 100 كيلومتر، لأن الهدف هو إنشاء فرص للتعارف لبناء علاقات حقيقية تدوم، وليست علاقات افتراضية على الشبكة عابرة لا معنى لها(4)(5).

وللتفاعل مع الاقتراحات التي ستظهر على الصفحة الرئيسية للأداة، يُمكن للمُستخدم الضغط على زر “لست مُهتما” (Not Interested) ليختفي ذلك الاقتراح للأبد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاقتراحات سوف تتضمّن جميع مُستخدمي فيسبوك الذي يستخدمون خاصيّة المواعدة باستثناء أصدقاء المُستخدم. أما في حالة الإعجاب بأحدهم، فيُمكن التفاعل معه عبر ترك تعليق على صورة له، أو على إحدى الإجابات عن أسئلته، وهذا لإنشاء رابط حقيقي يجمع بين الشخصين لا يعتمد على الصورة فقط. كما يُمكن العثور على الأشخاص العازبين الذين ذهبوا إلى مُناسبة ما، أو انضموا سابقا إلى مجموعة ما، شريطة أن يكون المُستخدم عضوا أيضا في تلك المجموعة، أو ارتاد المُناسبة نفسها، وتلك عملية يحتاج المُستخدمون إلى تأكيدها بشكل يدوي لكل مناسبة أو مجموعة، وهذا حفاظا على الخصوصية.
هل يُمكن الثقة بفيسبوك؟
خلال الكشف عن الخاصيّة الجديدة، أكّدت فيسبوك أكثر من مرّة على الخصوصية أثناء استخدام الخدمة، فالرسائل مثلا ستكون مفصولة ضمن صندوق خاص بها لتجنّب تداخلها مع رسائل المُستخدم العاديّة. كما لا يُمكن مُشاركة الصور أو الروابط داخل رسائل خاصيّة المواعدة لتجنّب المحتوى غير اللائق. كما أكّدت الشبكة أنها لا تهدف إلى الكسب ماديا من الأداة الجديدة، على الأقل خلال الفترة القادمة.

ما سبق يعني أن فيسبوك لا تنوي حتى اللحظة توفير اشتراكات شهرية على غرار بقيّة تطبيقات المواعدة، وبالتالي تحتاج إلى العثور على مورد مادّي يدعمها في مهمّة العثور على الاستقرار العاطفي لمُستخدميها. ولا يوجد أفضل من الإعلانات لتحقيق هذا الأمر، فالمُعلنون يدفعون المليارات للشبكة ويجيدون استخدام منصّتها الإعلانية سابقا، لذا فإن توفير خيارات جديدة يُعتبر حلا فعّالا، إلا أن فيسبوك رفضت هذا الأمر بشكل كامل.

أكّد “ناثان شارب” (Nathan Sharp)، المسؤول عن الخاصيّة الجديدة، أن فيسبوك لن تقوم بعرض إعلانات داخل خدمة التعارف الجديدة، كما لا تنوي مُشاركة تلك البيانات مع أي جهة خارجية أيا كانت، لأن هذا النوع من المعلومات حسّاس بالنسبة للبعض ويجب أن يبقى داخل الشبكة، فالهدف بالأساس هو توفير تجربة مُميّزة لإقامة علاقات جدّية ذات معنى(6). لكن هل يُمكن الوثوق بتلك التصريحات حتى لو كانت صادرة على لسان مُتحدّث رسمي من داخل الشركة؟

تاريخ فيسبوك الطويل المُتلطّخ يقول لا، لا يُمكن الوثوق بالشبكة أبدا، فهي قامت في وقت سابق ببيع بيانات المُستخدمين دون علمهم لجهات خارجية ولبعض شركات إنتاج الهواتف الذكية. كما تورطّت في التكتّم على تسريبات وانتهاكات بحق المُستخدمين في قضيّة “كامبريدج أناليتيكا” (Cambridge Analytica) الشهيرة.

على أرض الواقع، فإن المُستخدم يقوم بإدخال مجموعة جديدة من البيانات إلى حسابه، بيانات لم يرغب في مُشاركتها سابقا، وأُخرى لم يكن لها مكان داخل فيسبوك، وهذا يعني مزيدا من التفاصيل التي قد تُساعد الشركات المُعلنة على استهداف فئات مُحدّدة بعينها. صحيح أن الإعلانات لن تظهر داخل أداة المواعدة نفسها، إلا أن فرصة عرضها داخل تطبيق فيسبوك العادي مُمكنة جدا، ولا توجد دلائل تؤكّد أن فيسبوك لا تنوي القيام بهذا الأمر في الخفاء. وفي أعتى الظروف، يُمكن الحديث عن ثغرة أو خطأ برمجي سمح للمُعلنين بالوصول إلى بعض البيانات الخاصّة مثل آخر المواعيد الغرامية للمُستخدم. كما يُمكن تغيير الإعدادات الافتراضية فجأة مثلما حصل في وقت سابق، بحيث يُصبح الوضع الافتراضي مثلا مُشاركة بيانات المُستخدم مع شركات خارجية ولمنعه يحتاج المُستخدم إلى الدخول إلى الإعدادات أولا(7).

الفيسبوك أعلن عن خدمة Facebook Dating, حسب أحصائيات الفيسبوك هناك 200 مليون مستخدم غير مرتبطين Singles. فبهذه الخطوة يسعى الفيسبوك ليوفق بين رأسين بالحلال. لكل المشكلة في اليمن, نصف حسابات باسماء البنات ترجع لشباب! هههه تصحى تلاقي نفسك matched مع “بنت اليمن” ويطلع لك البخيتي! 🙂
وعند شراء تطبيق “واتس آب”، أكّدت الشبكة أن بيانات مُستخدميه ستبقى خاصّة ولن يتم نقلها أو دمجها مع شبكة فيسبوك. لكن ومن حيث لا ندري، قدّمت الشركة خيار مُشاركة بيانات “واتس آب” مع شبكة فيسبوك طالبة من المُستخدم الدخول للإعدادات لإلغاء هذا الخيار، بعدما كان سابقا شيئا إجباريا، إلا أن قوة المحاكم الأوروبية ردعت تلك المحاولات(8).

إثارة التساؤلات حول خاصيّة المواعدة الجديدة هو هدف من أهداف فيسبوك، فالحديث عن الأداة وعن الخصوصية فيها وعن آلية استخدامها وجدواها وما إلى ذلك يدفع المُستخدمين، والمُختصّين، بعيدا عن المشاكل الحالية المُتمثّلة بانتشار الأخبار الكاذبة، وانتشار الإعلانات التي تهدف إلى إثارة الفتنة، دون نسيان التلاعب بالرأي العام. وعلى الرغم من شُهرة تطبيقات فيسبوك الأُخرى مثل “واتس آب” أو إنستغرام، فإن استعادة مكانة فيسبوك السابقة هو هدف رئيسي في ظل ابتعاد البعض عنها خلال الفترة الأخيرة(9)، دون نسيان خروج بعض الأسماء الكبيرة منها على غرار مؤسّسي “واتس آب” ومن بعدهم مؤسّسي إنستغرام، دون معرفة السبب الرئيسي وراء خروجهم(10).

الجزيرة نت