معتز والدعم السريع
-1- من الروايات المشهورة عن اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي، أن الرَّجل كان حريصاً على تلقِّي المعلومات بصورةٍ خاصةٍ من مصادر مُتعدِّدة ومُتنوِّعة.
لم يكن كيندي يُسلم أمره للتقارير الرسمية التي تأتي إليه في مكتبه، تُزيِّن الواقع وتُجمِّلُ الحقائق أو تُخفيها.
كانت الصحف أهم مصادره في معرفة المعلومات، فهو لا يكتفي بالاطِّلاع عبر المُختصرات المكتبية والعناوين العامَّة الخالية من التفاصيل.
الرواية تقول إن خروج جون كيندي خارج الصندوق الرسمي، وتلقِّي المعلومات من مصادر مُتعدِّدة من الجهات غير الرسمية، جعلَه هدفَ مُؤامراتِ الظلام إلى أن تمَّ اغتياله.
-2-
القاعدة: “مَن يُعطِك المعلومة يستطعْ أن يُسيطر على قراراتك ويُحدِّد مواقفك ويختصر خياراتك ويُوجِّه تفكيرك”.
هذا لا يعني عدم التعامل مع التقارير الرسمية، بل على العكس، التعامل معها ضروريٌّ ومُهمٌّ في المعرفة والإحاطة وترسيخ عمل المُؤسَّسات.
لكن، من المُهمِّ إخضاعُ تلك التقارير للفحص والتمحيص، عبر طرقٍ مُتعدِّدةٍ للتحقُّق من صدقية ما تحوي من معلومات.
واحدةٌ من أهمِّ طرق التحقُّقِ من صحَّة المعلومات، الزياراتُ الميدانية المُفاجِئة؛ فهي تُمكِّنُ المسؤول من الوقوف على واقع الحال ومُضاهاتِهِ بما لديه من تقارير.
الزياراتُ الميدانية المُفاجئة، تُسهِمُ في إرسال رسائل مُهمَّة لمُعدِّي التقارير:
معلوماتكم خاضعةٌ للفحص والمُراجعة من قِبَلِ مُتَّخذِ القرار في أيِّ لحظة.
إحساسٌ مُعدِّي التقارير بأن المسؤول الرفيع سيتحقَّقُ بنفسه من صحَّة المعلومات، سيجعلهم أكثر حرصاً على الدقَّة والتجويد، حتى لا يفقدوا مصداقيَّتهم قبْل مواقعهم.
ما يفعله رئيس الوزراء معتز موسى، من زياراتٍ مُفاجئةٍ صحيحٌ تماماً، ولو أنه جلس في مكتبه في انتظار التقارير، وأسلم نفسه لها، واكتفى بها، لأودت به إلى درك الفشل التام، ولنال ذمَّ الصحفيين والكُتَّاب.
صحيحٌ مع كُلِّ ما يفعله معتز موسى ما تزال المُشكلات قائمةً، وبعضها مُتفاقم.
مع ذلك، لا داعي لخطابات اليأس والتحبيط والشماتة .
في الوضع الذي وجد فيه معتز الأزمات جاثمةً على ظهر الاقتصاد، لا يمكن تجاوزها بصورة كاملة خلال أشهر.
من واجب حكومة معتز إيقاف التدهور بحسن الإجراءات والتدابير.
-4-
المنطق يقول: إذا لم تستطع تجاوز الأزمة، فعليك أن تنجح في إدارتها بصورة تحِدُّ من إفرازاتها وتُحاصر مُترتِّباتها السالبة في الحدود الدنيا.
ظللنا نُردِّدُ منذ بداية ظهور الأزمات في الحكومة السابقة: مع أزمة الوقود المتكررة، لا تجد أيَّ جهة رسمية أو منظمة شبابية وطلابية – مُسترزِقة من المال العام – لها مُبادرات لتخفيف مُعاناة المُواطنين، ولو في الحدِّ الأدنى بإعادة شعار (فضل الظهر).
من المهم أن تكون هناك واقعيةٌ في التَّعامل مع الأزمات، فإيقاف النزف مُقدَّمٌ على العلاج.
-5-
حاليا لا بدَّ من وجود غرفةِ عمليات تتعامل مع الأزمات ومُترتِّباتها، بالمُبادرات والمُقترحات وتمليك المعلومات للرأي العام .
قلناها قبل أسبوع:
لن تُحَلّ أزمة الاقتصاد الكُبرى بالمجهودات والاجتهادات الفردية لرئيس الوزراء معتز موسى، فقد قالها منذ أولِ يوم: (لَستُ سُوبرمان).
إذا لم تَتَكَامَل وتتناغَم كلّ أجهزةِ الدولة وفق رؤيةٍ كليةٍ وبرامج تفصيليةٍ مُتَّفقٍ عليها، لن يَنصَلِحَ الحال ويستقيمَ العود ويَطيبَ الظلّ.
الأزمات المالية تمرُّ بها كثيرٌ من الدُّول، وتتجاوزها بحسن التدابير وبراعة التعامل، وتسقط في امتحانها دول العجز والتراخي وضعف الإحساس بالناس ومعاناتهم.
-أخيراً-
إذا كان مُعتز يُعاني من ضعفٍ وعدم فاعلية أجهزته التنفيذية، وبالمنطق لا يستطيع إصلاحها وتفعيلها في هذه المُدَّة القصيرة؛ فعليه الاستعانة بمجموعة دعم سريع مدني، قادرة على خفَّة الحركة وسُرعة التدخل، حتى تتقلَّص المسافة والزمن بين تصاعد الأزمات وإيجاد المُعالجات أو الإسعافات في الحد الأدنى .
ضياء الدين بلال
من أهم أسباب إنهيار الاقتصاد السوداني ! الاكتفاء بالتقارير المضللة بدل الزيارات الميدانية والاستعانة بالبطانة الفاسدة بدل أهل العلم والعلماء أصحاب الحل والعقد . هل من مجيب ؟؟؟؟؟
جزاك الله خيراً على هذا التحليل المنطقي العادل لموقف رئيس الوزراء. وحيث أن إدارة المال والمعايش تمثل النصيب الأوفر من مسؤولياته، وحيث أنه بدأ خطوات جادة للإصلاح، فيحب على الكل مساعدته: 1) الحكومة بتشديد الحرب على الفساد و 2)المغتربين بالتعامل عن طريق القنوات الرسمية للتحويل (حيث أن ذلك عامل مباشر في تخفيف وطأة السوق على الأهل بالبلاد) و 3) بقية الشعب بالصبر وعدم اليأس والتخلي عن أساليب الكسب السريع واستغلال أية فرصة إصلاحية بتجيير ثغراتها لمصلحة جيوبهم (كما يفعل تجار العملات الآن، بمجرد أن رفع معتز السعر قاموا بالمضاربة ورفعوا السعر ارتفاعاً مخلاً) (أو كالذين استغلوا ضعف السيولة المبدئي هذا وانخرطوا في بيع الكاش بالربا، إلى آخر عمليات التحايل المخلة).
” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ”؛ المائدة 2.