تحقيقات وتقارير

(قطط الأدوية السمان)..النهب بالدرهم

العاشرة صباحاً ليوم امس(الأربعاء) كانت اشعة الشمس تتوسط كبد السماء لشدة حرها بالرغم من أننا نستقبل فصل الشتاء ، ويبدو أن شدة حرها تسللت الى قاعة تجري فيها مراسم من نوع خاص حيث تجري مراسم محاكمة مدير شركتي (سموث) و(بتراكو) المتهم بالتلاعب في النقد الاجنبي المخصص لاستيراد الادوية من الخارج ، في محكمة جرائم الفساد ومخالفات المال العام التي يرأسها القاضي فهمي عبدالله ، التحريات كانت أكثر ما جذبني للمحاكمة حيث كشفت الخطير والساخن خلال جلسات المحكمة وذلك عندما ازاحت التحريات الستار ونبهت الى حصول المتهم على اموال الدواء المخصصة بالخارج عن طريق تزوير توصيات المجلس القومي للادوية والسموم لاستيراد الدواء ، واتضح لاحقا انه لم يستوردها من الخارج بل استولى على تلك الأموال دون وجه حق، في المقابل جاءت خطبة الادعاء شديدة اللهجة تطالب المحكمة بتوقيع أشد العقوبة في مواجهة المتهم لتحقيق الردع العام والخاص ، وحتى لاتسول لاي شخص نفسه التلاعب بالنقد الأجنبي او التعدي على المال العام، لا سيما وان فعل المتهم نتج عنه ندرة في الدواء البشري وذلك بحسب خطبة الادعاء الافتتاحية.

استشفاء سبدرات

عند انطلاق جلسة المحاكمة نهضت ممثلة الدفاع عن المتهم المحامية المعروفة ناهد تاج السر وباغتت ، المحكمة بصورة عاجلة ودفعت بطلب لتأجيل جلسة محاكمة المتهم لجلسة أخرى مبررة ذلك ان المحامي الاساس للمتهم القانوني الضليع عبدالباسط سبدرات(وزير عدل سابق) ما زال يستشفى بالمملكة العربية السعودية ويتابع إجراءات علاجه جراء العملية الجراحية التي أجراها لعينه ، والتمست المحامية من قاضي المحكمة فهمي عبدالله ، تأجيل الجلسة لاخرى .
في المقابل اعترض ممثل الاتهام وكيل نيابة أمن الدولة عبدالرحمن احمد عبدالرحمن ، على طلب الدفاع مشدداً علي المحكمة بضرورة رفض الطلب ، مرجعاً ذلك الى انه سبق وان تقدمت ممثلة الدفاع في الجلسة سابقة بذات الطلب بالتأجيل ، مشيراً الى ان الفترة التي امهلت فيها المحكمة الدفاع كافية لشفاء محامي المتهم المباشر لاجراءاته وهو سبدرات بالرغم من انه لم يظهر لمباشرة إجراءات الدعوى بالمحكمة ، واضاف قائلاً انه ومن المعلوم ان مكتب المحامي سبدرات يحفل بالعديد من المحامين ، منبها الى انه لا يريد ان يتدخل في امر مكتبهم الخاص ولكنه كان ينبغي عليهم ترتيب امر ظهور محام للمتهم حتى لا تتعطل اجراءات المحكمة ، وطالب المحكمة بموالاة السير في الاجراءات وسماع المتحري ، في المقابل أصرت ممثلة الدفاع عن المتهم على المحكمة بتأجيل جلسة محاكمة المتهم .
قاضي محكمة جرائم الفساد ومخالفات المال العام التي يترأسها القاضي فهمي عبدالله ، وبعد مداولات الدفاع في طلب التأجيل والاعتراض عليه من قبل الاتهام ، حسم جدالهما القانوني في اللحظة الاخيرة برفض تأجيل جلسة المحاكمة وأمر بالسير في الاجراءات بسماع المتحري الذي كان حاضراً بالجلسة امس ، ونبه القاضي في قرار رفض طلب الدفاع الى ان المتهم لا ينبغي ان يكون رهيناً بحضور محاميه .

إبلاغ بالهاتف

ممثلة الدفاع عن المتهم لم تتوقف عند ذلك برفض المحكمة لطلبها بل ظلت تجاهد لتأجيل جلسة محاكمة موكلها ولم تلبث دقائق حتى وضعت بمنضدة المحكمة طلباً آخراً وقالت بانه يجيء وفقاً لنص المادة (56/1) من قانون الاجراءات الجنائية الذي يشير الى تبليغ النيابة المتهم عند توجيه التهمة له وان يكون له الحق في الاستئناف ، واردفت قائلة ان المتهم الماثل بالمحكمة وهو موكلهم أبلغ هاتفياً بتوجيه التهمة له وعند حضوره للنيابة لاستلام قرار توجيه التهمة له علم بان ملف دعواه قد أحيل للمحكمة ، ولفتت الى ان ذلك حرم موكلهم من حق استئناف توجيه التهمة له من قبل النيابة ، والتمست من المحكمة اعادة ملف القضية الى النيابة مرة اخرى لاستئناف قرار توجيه التهمة للمتهم وممارسة حقه في الاستئناف المكفول له وفقاً للقانون والدستور .

ممثل الاتهام وكيل نيابة أمن الدولة عبدالرحمن احمد ، بدت على وجهه علامات الدهشة وهو يعترض على طلب ممثلة الدفاع وقال للمحكمة ان موضوع طلب الدفاع لا يثار أمام هذه المحكمة _ لا سيما وان مرحلة محاكمة المتهم قد بدأت بالفعل ، ونبه الى ان مثل هذا الطلب كان حري به ان يثار خلال مرحلة التحري آنفاً ، ومن جهة اخرى اشار ممثل الاتهام الى ان طلب الدفاع تضمن واحتوى على تضارب ، وافاد بانها ذكرت بان النيابة لم تخطر المتهم بالتهمة ثم عاودت وقالت ان المتهم أخطر بالتهمة له ، كاشفاً للمحكمة ان المتهم حضر بنفسه الي النيابة وفي معيته محاميه عبدالباسط سبدرات وعلم بقرار توجيه التهمة وكان ذلك بتاريخ 8/10/2018م، ثم أحيلت النيابة بعدها الملف للمحكمة .
ممثلة الدفاع ردت على اعتراض الاتهام قائلة انه جرى العمل على ان يخطر المتهم بالتهمة الموجهة له في حضوره شخصياً ، وأصرت على طلب إعادة الملف للنيابة وفقا للقانون وحتى يأخذ المتهم محاكمة عادلة ، وألمحت في ختام طلبها بان كثيرا من الدعاوى الجنائية يتم إحالتها للنيابة بعد وضعها امام المحكمة لاستكمال الاجراءات فيها والتحريات .
قاضي المحكمة وبعد المداولات ايضاً بين الدفاع والاتهام قرر رفض طلب الدفاع كذلك والسير في الاجراءات. ونوه الى ان هناك جدلاً مثارا بين مناصرين ومناهضين حول اعادة المحكمة ملف القضية للنيابة بعد احالته اليها ، وشدد على انه لا يوجد نص قانوني يخول للمحكمة اعادة اي ملف للنيابة بعد احالته اليها ، في سياق منفصل اشارت المحكمة قائلة اذا كان الدفاع جاداً لتقديم استئنافه لقدمه آنفاً لا سيما وان هناك جلسات مؤجلة للمحاكمة.

أشد العقوبات

جاءت خطبة الادعاء التي قدمها وكيل نيابة أمن الدولة ممثل الاتهام عبدالرحمن احمد عبدالرحمن ، للمحكمة شديدة اللهجة وطالبت بتوقيع اشد العقوبات على المتهم لتحقيق الردع العام والخاص وأخذ العظة والعبرة ، وحتي لا تسول لاي شخص نفسه للتعدي على المال العام والتلاعب به ، وقال ان الخطبة شملت على عدة نقاط منها ان النيابة تسترشد بمبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، ونوه في خطبته الى ان الأفعال التي قام بها المتهم في القضية نتج عنها ندرة في الأدوية البشرية ، واشار الى مخالفة المتهم للضوابط الموجهة من البنك المركزي ومخالفته لقانون التعامل بالنقد الأجنبي لسنة 1981م، الى جانب مخالفة المتهم للائحة التعامل بالنقد الأجنبي لسنة 2013م، ونبه الى ان المتهم وبفعله المرتكب تسبب في مشكلة تمويل الشركات المسجلة والمختصة باستيراد الأدوية من الخارج ، ولفت الى أن المتهم استولى على الاموال المخصصة للدواء من الخارج عبر تزوير المستندات لذلك.

لجنة التحري

عند العاشرة والنصف اعتلى المتحري وكيل نيابة امن الدولة محمود عبدالباقي ، منصة المحكمة وأقسم ان يقول الحق لا سواه ، وابتدر قائلاً بانه وبموجب قرار من وزير العدل السابق تولت لجنة التحري في البلاغات المتعلقة بعائدات حصائل الصادر وتمويل الادوية ، منوها الى ان اللجنة تتكون من شخصه كمتحرٍ الى جانب ممثل الاتهام في القضية عبدالرحمن احمد ورئاسة وكيل نيابة امن الدولة فتح الرحمن سعيد الطاهر ، مشيراَ الى تقديمه بالمحكمة بلاغ المتهم الذي يحمل الرقم (59/2017م) ودفع به كمستند اتهام مرقوم بواحد .

(5)ملايين درهم

فيما قدم المتحري للمحكمة مستند اتهام مرقوم (2) عبارة عن تفويض من بنك السودان لتفويض شاكٍ عنها وهو الموظف مؤنس عبدالمنعم لمباشرة اجراءات القضية بالمحكمة ضد المتهم صاحب شركتي (سموث) للانشطة المتعددة وشركة( بتراكو) للاستيراد والتصدير ، تبين انه يملكهما ويديرهما للحصول على التحاويل المالية من النقد الأجنبي من حساب حصائل الصادر المخصص للادوية البشرية وذلك بالسعر الرسمي باجمالي (5. 733.560) مليون درهم اماراتي وذلك من بنك الشمال الإسلامي فرعي جامعة افريقيا العالمية وفرع الصناعات ببحري ، مشيرا الى ان المتهم استولى على أموال الدواء بتوصيات مزورة لم تصدر من المجلس القومي للادوية والسموم وتتعلق باستيراد ادوية بشرية واخرى تتعلق بمستلزمات ومعدات طبية ، كاشفاً انه وبالتحريات اتضح ان المتهم لم يستورد ايا من الادوية او المستلزمات والمعدات الطبية رغم إحضاره مستندات الشحن التي تتمثل في الفاتورة النهائية وبوليصة الشحن اضافة الى مستندات استمارة الاستيراد المعروفة بـ(اي ان ) لكل عمليات التحاويل التي تمت لصالح المتهم التي يقدمها لشرطة الجمارك ، منبها الى ان الاستمارة ظهرت في نظام الصادر والوارد (الايمكس) وهو نظام الكتروني يضم البنك التجاري المعني وبنك السودان المركزي وشرطة الجمارك .

حظر مصرفي

وقال المتحري ان بنك السودان وبمجرد ظهور الاستمارة على نظامي طالب البنك التجاري بمخاطبة العميل المتهم باحضار مستنداته إلا انه فشل وقام البنك بحظر شركتيه من التعامل المصرفي بشكل شامل لحين إحضار شهادة وارد الجمارك.

مستفيد آخر

وكشفت التحريات للمحكمة ان البنك أرسل مبلغ الدعوى الى الخارج للمستفيد صاحب شركتي البوارق وتارا قو المدعو (أ. ع) بدولة الامارات ، لصالح المتهم وبأمره وبطلبه ، ونوهت التحريات الى ان الشركتين بالخارج اتضح عدم عملهما في مجال استيراد الأدوية ، اضافة الى انها غير مسجلة لدى المجلس القومي للادوية والسموم الذي يعتبر الشرط الاساس لإصدار التوصية للموافقة على التحاويل المالية .
وأكد المتحري للمحكمة ان المتهم استلم المبالغ المحولة له موضوع البلاغ بالخارج من داخل البلاد بالعملة المحلية وذلك بتوجيه من المستفيد من الخارج هاتفياً صاحب الشركتين البوارق وتارا قو.

إقرار المتهم

تلي المتحري وكيل نيابة امن الدولة محمود عبدالباقي للمحكمة اقوال المتهم بيومية التحري التي أقر بها بالمحكمة ،بيد انه قال للمحكمة انه لم يذكر للمتحري علاقته بشركتي سريال او ترابورا وإنما افاد له بعلاقته بشركة البوارق فقط.
17
مستنداً

دفع المتحري بـ(17) مستند اتهام في القضية ضد المتهم التي أنكر الكثير منها وذلك عبر اعتراض ممثلة الدفاع عنه المحامية ناهد تاج السر، واشارت الى ان موكلها المتهم ليست له علاقة بمستندات الاتهام ولم تصدر منه الى جانب عدم تقديمها للبنك التجاري للحصول على النقد الاجنبي المخصص لاستيراد الدواء من الخارج ، واشار المتحري الى صور بطاقات قومية تخص المتهم يقوم المتهم بوضعها في ملف عمليات التحاويل بالبنك ، الى جانب مستندات اتهام عبارة عن افادة صادرة من تسجيلات الأراضي لقطعة ارض بوسط العاصمة الخرطوم تخص المتهم تم حجزها بواسطة النيابة علي ذمة البلاغ وتبين ان قيمة العقار اقل من إجمالي مبالغ البلاغ في مواجهة المتهم فاستكتب تعهدا ببقية المبلغ ، واشار المتحري ايضا الى مستندات اتهام اخرى عبارة عن افادة من تسجيلات الشركات واتضح ان شركتي المتهم مسجلتان لديها ، اضافة الى تقديم المتحري مستندات اتهام تتمثل في افادة من المجلس القومي للادوية والسموم تبين بان التوصيات التي تحصل عبرها المتهم على النقد الأجنبي غير صادرة عنهم ، اضافة الى تقدم المتحري بمستندات عبارة عن سويفتات تمثل تحاويل بنكية صادرة من بنك الشمال الإسلامي لصالح المتهم للخارج بالإمارات ، فيما قدم المتحري مستندات اتهام ايضا ضد المتهم عبارة عن طلبات للبنك بالمبالغ المراد تحويلها لصالح المتهم وأرفق معه الفاتورة النهائية والمبدئية وبوليصة الشحن والفورمات المتعلقة بذلك .فيما حددت المحكمة جلستين متتاليتين مطلع ديسمبر القادم لاستجواب المتحري بواسطة الاتهام والدفاع .

صحيفة الانتباهه.

تعليق واحد

  1. من أهم أسباب إنهيار الاقتصاد السوداني ! الاكتفاء بالتقارير المضللة بدل الزيارات الميدانية والاستعانة بالبطانة الفاسدة بدل أهل العلم والعلماء أصحاب الحل والعقد . هل من مجيب ؟؟؟؟؟ ونسأل الله العلي القدير أن يعين كل من يعيد الأمل والتفاؤل لشعب بلادي .